قال نبيل شعث، أحد القادة المؤسسين لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، إن "أول دعم سياسي لحركة فتح جاء من الجزائر"، استنادا إلى شهادة الراحل ياسر عرفات. وعاد شعث في مذكراته "حياتي.. من النكبة إلى الثورة"، في تقرير نشرته وكالة الأناضول، إن وزير الدفاع الجزائري، هواري بومدين، عام 1964 خاطب ياسر عرفات بقوله: "اذهب وأطلق رصاصة.. ثم عُد إليّ"، ردا على طلب الأخير دعمهم بالسلاح والتدريب والأموال، لإطلاق الكفاح الفلسطيني. وأشار إلى أن الشاب عرفات (35 عاما حينها) لم يكن معروفا لدى القادة الجزائريين، الذين لم يمر على استقلال بلادهم سوى أقل من عامين، لكنهم كانوا يريدون منه إثباتا بأن رجاله يملكون الجرأة والشجاعة لتفجير ثورة. ويروي نبيل شعث، أحد القادة المؤسسين لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" في مذكراته "حياتي.. من النكبة إلى الثورة"، أن "أول دعم سياسي لحركة فتح جاء من الجزائر"، استنادا إلى شهادة عرفات ذاته. ويقول شعث، إنه تم الاتفاق على انطلاق الكفاح المسلح في الأول من سبتمبر 1964، قبيل مؤتمر القمة العربية بمدينة الإسكندرية المصرية في الخامس من ذات الشهر. لكن المجلس العسكري لفتح أرجأ ذلك، لأنه كان بحاجة إلى 500 قطعة سلاح، و50 ألف دينار كويتي (نحو 190 ألف دولار)، الأمر الذي لم يكن متوفرا. ويسترسل شعث، قائلا: "كان عرفات جالسا مع أبو يوسف النجار (أحد مؤسسي فتح) على شاطئ مدينة الكويت يفكران في هذا العائق، وفجأة تذكر لقاءه مع بومدين وحديثه عن إطلاق رصاصة، فاقترح القيام بعملية عسكرية". وتم عرض الفكرة على المجلس العسكري لحركة فتح، بعد عودة أبو جهاد (خليل الوزير) من الجزائر، ووافق عليها المجلس. ويضيف شعث، الذي تولى سابقا وزارة الخارجية في السلطة الفلسطينية: "هكذا بدأ الإعداد لإطلاق الرصاصة الأولى". وتم الإعلان رسميا عن ميلاد حركة "فتح" في الأول من جانفي 1965، بعد عملية مسلحة ضد مشروع إسرائيلي لتحويل نهر الأردن. الثورة الجزائرية الملهِم الأول ل"فتح" يعتبر مروان البرغوثي، أحد قادة فتح المسجون حاليا في إسرائيل، أن "المُلهِم الأول لفكرة تأسيس حركة فتح، كانت الثورة الجزائرية (1954-1962)". ويقول البرغوثي، في حوار صحفي في 2010، إن "جبهة التحرير الوطني الجزائري شكلت نموذجا يُحتذى به لقادة فتح المؤسسين". ويؤكد أن "أول مكتب لحركة فتح في تاريخها كان بالجزائر، وترأسه أبو جهاد، كما أن أولى المجموعات لحركة فتح تدربت على السلاح في الجزائر.. التي قدمت دعما ماليا كبيرا للحركة". وفي هذا الخصوص، يقول صلاح خلف (أبو إياد)، أحد مؤسسي فتح، إنهم كانوا "مأخوذين بمسيرة الوطنيين الجزائريين، الذين استطاعوا أن يشكلوا جبهة صلبة، ويخوضوا المعركة ضد جيش قوي يفوق جيشهم ألف مرة". ومن أكثر ما لفت أبو إياد، في تجربة الثوار الجزائريين، أنهم استطاعوا أن "يحصلوا على معونة متعددة الأشكال من مختلف البلدان العربية، التي كانت في بعض الأحيان تنتمي لمعسكرات متناحرة، وأن يفلحوا في الوقت نفسه في عدم الوقوع بالتبعية لأي منها". ويعترف أبو إياد، في مذكراته "فلسطيني بلا هوية"، أن "حرب العصابات التي اندلعت في الجزائر قبل تأسيس فتح بخمس سنوات، أفادتنا إفادة عميقة". أول لقاء بين قادة ثورتين ويكشف العقيد الطاهر الزبيري، قائد الأركان الجزائري (1964-1967)، في مذكراته "نصف قرن من الكفاح"، أن النواة التي أسست حركة فتح الفلسطينية، قدموا إلى الجزائر أواخر جانفي 1964، للقاء القادة الجزائريين. وهذه النواة كانت مشكلة من عرفات (أبو عمار)، وخليل الوزير (أبو جهاد)، وأحمد وافي (أبو خليل). وكان المؤسسون الأوائل لفتح يسعون لتفجير ثورة فلسطينية مستقلة عن القيادتين المصرية والأردنية، اللتان تُسيِّران قطاع غزة والضفة الغربية، بحسب الزبيري. وبقي ثلاثتهم في الجزائر ثلاثة أشهر دون أن يتمكنوا من لقاء أي مسؤول، إلى أن التقوا صدفة بالمحامي الجزائري الشهير محمد مهري (توفي في 2019)، الذي أوصلهم إلى قائد الأركان الزبيري، وتحدث عن ذلك بالتفصيل في كتابه "ومضات في دروب الحياة". ويروي الزبيري، حادثة لقائه بعرفات وأصحابه، أن مهري رتب لهم لقاء معه بحكم الصداقة القديمة التي تجمعهما من أيام الثورة الجزائرية. وسأل الزبيري عرفات عن مطالبهم، فرد عليه "نريد منكم السلاح، وتدريب رجالنا على استعماله، ودعمنا بالأموال". رفع الزبيري هذا الطلب إلى بومدين، فوافق على طلبهم، وقال له "ساعدهم، وإياك أن يسمع بن بله، فهو صديق عبد الناصر". فبومدين، كان يرى أن الزعيم المصري جمال عبد الناصر، لن يقبل دعم الجزائر لثورة فلسطينية ليست تحت جناحه، والرئيس الجزائري أحمد بن بلة تربطه صداقة قوية به، وقد لا يقبل إغضابه من أجل شباب مغمورين. لكن بن بله وعبد الناصر، كانا من أكثر الداعمين لحركة "فتح" عقب تأسيسها. التدريب والسلاح بعد أن حصل الزبيري على موافقة بومدين، أعطى الأوامر للنقيب عبد الرحمن بن عطية، مسؤول مخازن الأسلحة الجزائرية في ليبيا وتونس ومصر وسورياوالأردن، التي تعود لسنوات الثورة التحريرية، أن يسلمها للقادة الفلسطينيين الجدد. وبعد ثلاثة أشهر من موافقة بومدين على طلب عرفات، تم إرسال 57 متطوعا فلسطينيا إلى الجزائر، وأدخلهم الزبيري إلى الأكاديمية العسكرية بمدينة شرشال (100 كلم غرب العاصمة). ويقول الزبيري، إن بعض هؤلاء الشباب الذين تلقوا تدريبا عسكريا بالجزائر، كانوا من بين الذين فجروا الكفاح الفلسطيني المسلح في الأول من يناير 1965. من جانبه، يكشف شعث، أن "أول شحنة سلاح جزائري لفتح هبطت في مطار المزة العسكري بالقرب من العاصمة السورية دمشق، في مارس 1965″، أي بعد ثلاثة أشهر من إطلاق الحركة أول رصاصة. لم يسبق الجزائر في إمداد حركة "فتح" بالسلاح سوى سوريا في عهد الرئيس أمين الحافظ (1963-1966)، التي أقامت أول قاعدة لفتح بمخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، قرب دمشق في 1965، ثم افتتحت لهم معسكرا جديدا بمنطقة ميسلون، قرب الحدود اللبنانية، حسب شعث. وفي هذا السياق، يؤكد الكاتب الفلسطيني علي بدوان، أن أول دفعة عتاد عسكري تصل للثورة الفلسطينية من خارج سوريا جاءت من الجزائر في مارس 1965، عبر طائرتي أنطونوف. وينقل بدوان، عن مذكرات قائد الحرس القومي والجيش الشعبي في سوريا، اللواء محمد إبراهيم العلي (أبو الندى) "حياتي والإعدام"، تفاصيل حمولة دفعة العتاد العسكري الجزائري لفتح، قائلا: "أرسلت الحكومة الجزائرية المعدات والعتاد العسكري باسم الحرس القومي في سوريا، لتسليمه لحركة فتح، وكانت الدفعة بوزن 12 طنا من مسدسات شارلينغ البريطانية مع ذخيرتها، ومسدسات طاحونة بلجيكية وفرنسية مع ذخيرتها، وقنابل يدوية هجومية ودفاعية، وألغام مُضادة للأفراد والآليات، وبنادق كلاشنيكوف، ورشاشات خفيفة دكتريوف، وبنادق (بورسعيد) مصرية الصنع وغيرها". وبعد عام من انطلاق الكفاح الفلسطيني المسلح، طلب عرفات من الزبيري عبر المحامي مهري، تزويدهم بأسلحة جزائرية موجودة في مخزن بسوريا. ورغم أن المخزن كان يضم أسلحة ثقيلة من أيام الثورة الجزائرية، لا تناسب حرب العصابات، بحسب مهري، فإن الزبيري أعطى أوامره بتسليم كامل العتاد لفتح. دعم دبلوماسي كان قادة الثورة الجزائرية يرددون عقب انتصارهم على الاحتلال الفرنسي في 1962 "استقلال الجزائر لن يكتمل إلا بتحرير فلسطين". لذلك لم يكتف قادة الجزائر بدعم حركة "فتح" بالسلاح والتدريب والأموال فقط، كما طلب عرفات من بومدين، بل عملوا على دعمها دبلوماسيا وربطها بشبكة حركات التحرر في العالم، لتقوى أكثر في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. ويشير إلى ذلك مروان البرغوثي، المحكوم عليه ب540 سنة سجنا في إسرائيل، قائلا إن الجزائر "فتحت للحركة أبواب العلاقات الدولية مع الصين الشعبية، وحركات التحرر في إفريقيا". وبتفصيل أكثر يروي شعث كيف فتحت الجزائر أبواب الدعم الدبلوماسي والعسكري لفتح من دول عدة، قائلا: "فتحت (الجزائر) لمناضلي الحركة باب التدريب العسكري والكلية العسكرية بشرشال، والتقى (عرفات) هناك بتشي غيفارا، مما فتح له أبواب كوبا، زار بعدها بكين وفيتنام في 1964، وفُتحت له أبواب الصين". فالأسلحة الجزائرية والتدريب العسكري والأموال والدعم الدبلوماسي ساهموا جميعا في تمكن حركة فتح من بناء نواة جيش صغير، خلال سنوات قليلة، تجلى ذلك في انتصارها رفقة الجيش الأردني على الجيش الإسرائيلي ب"معركة الكرامة" في 21 مارس 1968، وتوسع دائرة الدول الداعمة لها في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية. وتواصل هذا الدعم إلى أن تم الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية في 15 نوفمبر 1988 بالجزائر، ثم اعتراف 137 دولة من الدول الأعضاء في الأممالمتحدة وعددها 193 ودولتين غير عضوين، بدولة فلسطين، في 3 أوت 2018.