مساهمة: من فلسطين/ الدكتور أحمد لطفي شاهين* + صورة الكاتب في الذكرى السادسة والخمسين لاستقلال الجزائر نبرق بالتهاني وأرقى الأمنيات للشعب الجزائري والقيادة الجزائرية والجيش الجزائري الوطني أيضا..... إن اختيار الخامس من جويلية عيداً وطنياً للاستقلال في الجزائر لم يكن اختيارا عبثيا فهو اليوم المشهود الذي جرى فيه الإنزال الفرنسي في شاطئ سيدي فرج قبل 132 عاماً وكان هذا الاختيار المميز للتأكيد على أن الاحتلال إلى زوال مهما طال أمده واشتدت قوته وتعاظم جبروته وأن الثورة الجزائرية التي توجت ثورات وانتفاضات مستمرة في بلادها هي نموذج يحتذى به كواحدة من أهم ثورات هذا العصر ولقد كان انتصار الثورة الجزائرية هو أول رد على تفكك الوحدة العربية وجريمة الانفصال في سبتمبر 1961 بين مصر وسوريا حيث كانت الجمهورية العربية المتحدة وقتها من اهم قلاع الإسناد السياسي والإعلامي والمادي والعسكري للثورة الجزائرية وقد كان هذا الإسناد أحد أهم الأسباب التي جعلت القوى الاستعمارية الرجعية تتكالب على ضرب الوحدة العربية الرائدة عام 1961 كما تكالبت بعد ذلك في العدوان الثلاثي الفرنسي _ البريطاني _ الاسرائيلي على مصر عام 1956 لأن الرئيس جمال عبد الناصر كان من أهم مساندي ثورة الفاتح من نوفمبر التحريرية 1954 والتي كان موقف الجزائر خلالها وبعدها موقفاً مشرفاً يترجم المعنى الحقيقي لاستقلال الوطن الجزائري واستقلال القرار...وما تزال الجزائر حتى الساعة تعزز انتصارها في الثورة وتقدم كافة أشكال الدعم لكل ثوري تحرري في العالم ضد الظلم والاضطهاد... فاستقلال الجزائر لم يكن فقط ثمرة نضال وتضحيات هائلة قدمها شعب المليون ونصف المليون شهيد بل كان ايضا ثمرة إجماع عربي شعبي ورسمي غير مسبوق على الانتصار لثورة الجزائر وبطولات مجاهديها حيث عمّت التظاهرات كل العواصم والمدن والقرى العربية وشارك متطوعون من كل أرجاء الوطن العربي في الثورة التي سميت مفاجأة العروبة لنفسها كما تم جمع التبرعات المالية والعينية من أبناء الأمة فقراءهم وأغنياءهم وكانت الإذاعة المصرية صوت العرب تعبئ الشارع العربي كما الجزائري لدرجة أن الكثير من البسطاء كانوا يذهبون لشراء المذياع ويقولون للبائع نريد ترانزستور صوت العرب ... وقد قال أحد القادة الميدانيين في الثورة الجزائرية إنهم كانوا يستقبلون المتطوعين للجهاد ويسألونهم عن السبب الذي دفعهم للالتحاق بالثورة وكان جواب أغلبهم انه صوت العرب من القاهرة.... نعم لقد كانت هذه العلاقة بين الجزائر وأمتها مصدر اعتزاز لكل المؤمنين بوحدة الأمة العربية والإسلامية وحدة نضالها وكفاحها وحدة مصيرها ومستقبلها وحدة أمالها وآلامها... وفي هذا الإطار نتذكر وبكل اعتزاز تلك الصرخة التي اطلقها قادة الثورة الجزائرية وعلى رأسهم الرئيس (احمد بن بلة ) والرئيس ( هواري بومدين) حين قالوا: استقلال الجزائر لا يكتمل إلا باستقلال فلسطين بل سعوا على مدى الزمن إلى ترجمة هذا الشعار إلى مساندة يومية ملموسة على كل المستويات حتى كان الاعلان عن استقلال فلسطين في عاصمة جزائر الثورة والاستقلال عام 1988... كما نتذكر وباعتزاز ايضا مقولة الرئيس الشهيد ياسر عرفات: ان انتصار ثورة الجزائر عام 1962 كان ملهماً لهم ومحفزاً لإطلاق الرصاصة الأولى في الثورة الفلسطينية المعاصرة وأن تجربة جبهة التحرير الوطني كانت نموذجاً احتذت به حركة التحرر الوطني الفلسطيني (فتح) في تأسيسها وميثاقها وهيكليتها المنفتحة على كل الوطنيين الفلسطينيين. وبعد عامين ونصف ( 1/1/1965) كان المكتب الأول (للثورة الفلسطينية - حركة فتح) ومعسكر التدريب الأول لقوات العاصفة أقيما في الجزائر وكان الشهيد خليل الوزير ابو جهاد نائب القائد العام للثورة قد استقر في الجزائر في سنوات الإعداد للثورة. هذه الذكريات الوطنية وغيرها تتدفق اليوم فيما الجزائريون ومعهم أشقاؤهم العرب والمسلمون يستقبلون باعتزاز عيد استقلال الجزائر السادس والخمسين وقد باتت ثورة الجزائر مدرسة في الكفاح يتعلم منها كل الثوار ويرون في انتصارهم على الاحتلال حافزاً لكل مقاوم ضد الاحتلال ومشاريعه... ما نتعلمه من الجزائريين أيضا هو الإبداع في فن التفاوض والرجولة في الثبات على المواقف فلم يكن استقلال الجزائر ثمرة كفاح العرب والجزائريين الاسطوري في ميادين القتال فحسب بل كان ايضاً ثمرة أداء متميّز في مفاوضات ايفيان مع حكومة الاحتلال الفرنسية وهو أداء طالما دعا المناضل الكبير الراحل عبد الحميد مهري (وهو أحد أبرز المفاوضين يومها) القيادات الفلسطينية إلى اعتماده كي لا تتحول المفاوضات مع الاحتلال الصهيوني إلى وسيلة لإجهاض ثمار الثورة الفلسطينية والانتفاضة.. الخلاصة.. يبقى استقلال الجزائر علامة فارقة في حياة شعبها وأمتها وفي حياة حركة التحرر العربي الإفريقي والعالمي التي لا يستطيع أن ينكر أحد أنها بعد ثورة الجزائر باتت غيرها قبل الثورة وأنها استلهمت من انتصار ثورة الجزائر الكثير فكل عام والجزائر والشعب الجزائري والقيادة الجزائرية والجيش الجزائري بألف ألف خير... دمتم في حفظ الله دوما. * الشبكة العربية للثقافة والرأي والإعلام