بقيت ظاهرة البيع الإلكتروني مُنتعشة، رغم استئناف نشاط جميع محلات بيع الملابس والأحذية والأواني والإلكترونيات، وفتحها أمام المواطنين…إذ لا يزال كثير من الباعة مركزين على عملية البيع عبر الإنترنت، وتوصيل حاجيات الزبون لمنزله، ويرفضون حضوره للمحل، مؤكدين تكفلهم الكامل بتوصيل أغراضه. استحسن المواطنون، استمرار كثير من أصحاب المحلات في عملية البيع عبر الإنترنت، رغم فتح جميع المحلات، خاصة محلات بيع الملابس والأحذية والحقائب والأواني المنزلية.. ويؤكد باعة تحدثت معهم "الشروق"، بأن البيع عبر الإنترنت مربح جدا وغير مكلف، خاصة مع ظهور شركات مصغرة مختصة في توصيل الأغراض للزبائن، وبتكلفة زهيدة. وكشف لنا، شاب صاحب علامة "vida" لحقائب اليد النسوية، والتي أطلقها في ظل جائحة كورونا، بأن البيع إلكترونيا "مريح ومربح، ويجلب زبائن أكثر". والغريب أن هذا الشاب ورغم جودة مبيعاته وكثرة زبائنه، لا يملك محلا لعرض بضاعته ولا يفكر في ذلك. فهو متخرج حديثا من الجامعة، ولا يقدر على تكاليف إيجار محل، ويعرض جميع بضاعته عبر حساباته ب "الفايسوبك" و"الأنستغرام". وعن هذا يقول "أتلقى يوميا طلبات كثيرة عبر الإنترنت، ومن مختلف ولايات الوطن، ولغرض توصيل البضاعة لأصحابها، أتعامل مع أشخاص مهمتهم التوصيل وبمبالغ مناسبة". ومن إيجابيات البيع الإلكتروني، حسبه، أنك لا تدفع تكاليف باهظة لإيجار محل، ولا تهدر وقتك في الجلوس بالمحل، كما أنك تدفع أموالا رمزية لإشهار بضاعتك في بعض المجموعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيما لا تتعدى أسعار التوصيل للزبائن بين 250 دج و400 دج، مؤكدا بأنه لم يتلق أي مشاكل مع زبائنه. وأعطانا مثالا عن صديق له يشتغل منذ سنوات في نفس النشاط ويملك محلا، ولكن مداخيل محدثنا أكثر من صديقه. وظاهرة عرض الخدمات إلكترونيا، انتقلت أيضا إلى الحلاّقات المتخرجات حديثا، واللواتي صرن يفضلن التنقل لمنازل زبوناتهن، لتجنب دفع مصاريف كراء محل. والظاهرة استحسنتها الزبونات، بعدما أصبح بإمكانهن استقبال الحلاقات بمنازلهن ورعاية أطفالهن في الوقت نفسه. انتعاش خدمات التوصيل ومئات الشباب يلتحقون بالمهمة وأنعشت التجارة الإلكترونية، نشاط التوصيل، والتي امتهنها أشخاص معظمهم يملكون مؤسسات "طاكسي" أو كانوا يشتغلون سائقي أجرة وكلوندستان. ومن هؤلاء "الياس" شاب من العاصمة، كان يشتغل كلونديستان، اختار مهمة توصيل أغراض الزبائن في ولايات الوسط فقط، ويقول "أقصد يوميا قرابة 5 محلات مختصة في بيع الملابس والأحذية والعطور وأدوات التجميل، لأحمل طلبات الزبائن وعناوينهم وأرقام هواتفهم، وأتنقل إليهم إلى غاية البليدة والعاصمة وبومرداس، مقابل مبالغ تتراوح بين 400 دج و800 دج". بائعو الذهب والمجوهرات يفضلون البيع إلكترونيا… وحتى تجارة المجوهرات الذهبية، انتعشت إلكترونيا، إذ صار أصحاب محلات بيع الذهب ينشئون تطبيقات إلكترونية، يعرضون فيها ما يملكونه من ذهب وأسعاره، ويتلقون الطلبات إلكترونيا من 48 ولاية، لتصل المجوهرات لصاحبتها في أقل من 3 أيام، والدفع يكون عند تسلم المطلوب. وهو ما يقوم به صاحب محل للمجوهرات من ولاية تبسة، والذي أصبح يمتلك زبائن في 48 ولاية، بعدما كان عمله يقتصر سابقا على قاطني ولاية تبسة فقط. وحتى المطاعم الشعبية صارت تعرض القائمة اليومية لوجباتها على "الفايسبوك" مع أسعارها، وتتلقى الطلبات يوما قبل إعدادها، لتوصلها في اليوم الموالي لأصحابها بالمنازل أو أماكن العمل. وفي الموضوع، اعتبر الخبير في المعلوماتية، عثمان عبد اللوش ل "الشروق"، بأن ظاهرة البيع الإلكتروني "صحية، ودليل على تطور الذهنية الرقمية للمواطنين..إذ صار بإمكاننا اليوم، وبكبسة زر فقط، شراء كل ما نحتاجه". وحسبه، نحن الآن في عصر الرقمية.. فمثلا نحن الكبار نقضي يوما كاملا في التسوق والتجول بين الأسواق والمحلات، مع زحمة المرور ومصاريف التنقل، فيما أبناؤنا أكثر ذكاء منا، فبكبسة زر على الهاتف، وفي غضون دقائق يشترون كل ما يحتاجونه، وتصلهم الأغراض إلى غاية المنزل". وبالتالي، فالمواطن صار متفطنا ومتحكما في التكنولوجيات الرقمية ، وبشكل رهيب، عكس المسؤولين والإداريين، الذين لا يزالون يستعملون الورقة والقلم. والدليل، حسبه، ما تعانيه غالبية الصفحات الرسمية للوزارات والمؤسسات الاقتصادية الكبرى والولايات والبلديات، وحتى صفحات بعض الأحزاب الكبرى، والتي لم تُحيّن منذ قرابة عامين!! وهو ما جعله يدعو السلطة لاستغلال هذه الكفاءات، في تطوير البلاد. ليتساءل محدثنا، هل يُعقل أن يملك مسؤول يفوق الستين من عمره، أحدث هاتف، ولكنه يستعمله لإجراء وتلقي المكالمات فقط، في وقت نجد شابّا في العشرينات يبيع ويشتري ويجني الملايين، باستعمال هاتف قديم. ويُؤكد عبد اللّوش، أن الذهنيات تغيّرت، وعلينا نسيان نصيحة مراقبة الأطفال عند استعمالهم الإنترنت، والأصحّ هو أن يراقبنا أطفالنا، نحن الجيل السابق، عند استعمالنا للإنترنت، لأنّنا لا نفقه فيها شيئا!!". ليختم بالقول، بأن الثورة الرقمية "أصبحت واقعا معاشا لا مفر منه، ولابد من استغلال كفاءة هذا الجيل انطلاقا من المدرسة".