"العدوُّ الذكيُّ" وصفٌ أطلقه المجرمون الفرنسيون على أحد شهداء الجزائر الذين أكرمهم الله -عز وجل- مرتين، مرة بالجهاد في سبيله ومن أجل الجزائر، ومرة بالاستشهاد، فطوبى لهم وحسن مآت، ولهم الحسنى وزيادة. الغريب في هذا الشهيد أنه لم يحمل بندقية، لأنه لم يكن مقاتلا، ولم يحمل طبشورا، لأنه لم يكن معلما، ولم يحمل قلما، لأنه لم يكن كاتبا، ولم يرتق منبرا، لأنه لم يكن إماما، لم يكن ذا علم كبير، ولا ذا مال وفير، ولكنه "كان لا يُجارى في التدبير والإدارة والمال والاقتصاد مع التعفف التام والصيانة والأمانة"، وهذا ما شهد به الشيخ أحمد حماني في كتابه عن "شهداء معهد ابن باديس". من أجل هذه الشمائل اجتباه الإمام عبد الحميد ابن باديس، واعتمد عليه، فكان نعم الجندي لنعم القائد، وهو من القلة القليلة التي تعرف ما قلّ وما جلّ عن الإمام ابن باديس، إنه الشهيد أحمد بوشمال. أصله من منطقة بني عمران، جنوب مدينة جيجل، وُلد في قسنطينة في عام 1899، وتعلم القرآن الكريم في أحد كتاتيبها، وأخذ نصيبا من اللغة الفرنسية، ولكنه كان يتردد على دروس الإمام ابن باديس، فتعلق به عقلا وقلبا.. إلى درجة أننا لا نملك إلا شهادته عن الأيام الأخيرة للإمام ابن باديس (أنظر كتاب: أشعة الشروق. للحسني).. وحرفته التي أتقنها هي "الخرازة" أي صناعة الأحذية التقليدية. في عام 1925 أنشأت ثلة من الشبان هم: ابن باديس، بلقشِّي، بوشمال، صحراوي، الجنَّان، مشروعا حضاريا هو "المطبعة الإسلامية الجزائرية"، وكان شعارها "للشعب الجزائري". وفي هذه السنة أسس الإمام ابن باديس جريدة "المنتقد"، واختار لرئاستها أحمد بوشمال، الذي استمرَّ مديرا لجريدة "الشهاب" ثم مجلة "الشهاب" حتى توقف بوفاة الإمام ابن باديس، وكان محل هذه المطبعة هو من ممتلكات آل بوشمال قدموه هدية للمشروع الجهادي. وعندما أسس الإمام ابن باديس "جمعية التربية والتعليم" و"مدرسة التربية والتعليم" كان نائبه هو أحمد بوشمال، الذي رأس الجمعية والمدرسة بعد وفاة الإمام، كما بقي مشرفا على المطبعة… في 1946 انتُخِب عضوا في إدارة "جمعية العلماء"، وعُيِّن نائبا لأمين ماليتها وهو الشيخ محمد خير الدين. وكان من الطاقم الإداري لمعهد الإمام ابن باديس (1947) ول"دار الطلبة" (1953). كما رأس جريدة "الشعلة" التابعة لجمعية العلماء 1949. وكان ضمن أعضاء وفد جمعية العلماء الذين استقبلهم الرئيس جمال عبد الناصر، وهم الإمام الإبراهيمي، والشيخ التبسي، والأستاذ الورتيلاني، وأحمد بوشمال، والشاب أحمد طالب الإبراهيمي، وذلك قبيل الثورة. عندما أعلِن الجهاد في نوفمبر 1954 وضع المطبعة الإسلامية الجزائرية في خدمة الثورة، لطبع منشورات جبهة التحرير الوطني، وجيش التحرير الوطني، وتزويد المجاهدين بما يطلبونه من بطاقات التعريف. لقد قبض المجرمون الفرنسيون عدة مرات على أحمد بوشمال، ولكنه لم يبح بأيِّ سرٍّ من الأسرار التي يعرفها، وقد عذب عذابا نُكرا لا يُتقنه إلا المجرمون الفرنسيون، وفي يوم 13 سبتمبر من سنة 1958 أخِذ من منزله في قسنطينة، وأعدِم في مكان ما، وهو أيضا كإخوانه الذين تُجهل قبورُهم، فرحمة الله على روحه، ولعنات على الفرنسيين إلى يوم الدين.