تعد مجلة بونة للبحوث والدراسات،التي تصدر عن مؤسسة بونة للبحوث والدراسات بمدينة عنابة، واحدة من المجلات الجزائرية و العربية البارزة ، وقد امتازت بحضورها على الساحة الثقافية بمواضيعها وأبحاثها العميقة والجادة التي تمازج بين الأصالة والمعاصرة،لتضمن التواؤم بين القديم والجديد. وقد خصص العدد الثاني من المجلة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين،وقد كتب فيه عدد كبير من الباحثين،والعلماء المتميزين. ومن جهة أخرى وجه المرحوم الشيخ الفضيل الورتيلاني : أولا : نداء إلى الحكومة الفرنسية والشعب الفرنسي منددا فيه بسياسة فرنسا التي تعمى عن الحقائق وتتنكر لمطالب الشعب الجزائري. ثانيا : نداء إلى أبناء المغرب العربي يدعوهم إلى الاتحاد وتدعيم الصفوف وتأييد الثورة الجزائرية. ثالثا : نداء إلى الشعوب العربية والإسلامية يدعوهم إلى نجدة إخوانهم الجزائريين وتدعيمهم ماديا ومعنويا ودبلوماسيا. وفي 15 نوفمبر 1954 وجه كل من الإمام الشيخ محمد البشير الإبراهيمي والشيخ الفضيل الورتلاني نداء للشعب الجزائري يذكِّرَانِهِ فيه بمساوئ الاستعمار الفرنسي في الجزائر ويحثانه على خوض معركة الكفاح المسلح دون تردد، ودائما في إطار تعبئة الشعب الجزائري لنصرة ثورته والعمل على دحر عدوه، تم في القاهرة في 17 فبراير ,1955 التوقيع على ميثاق جبهة التحرير الوطني من قبل: الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، والفضيل الورتيلاني, وأحمد مزغنة، ومحمد خيضر، وحسين آيت أحمد ومحمد يزيد والشاذلي المكي، وحسين لحول، وأحمد بن بلة، وأحمد بيوض أعلنوا فيه: » أن المنظمات والأحزاب في الجزائر تشكل كتلة واحدة وجبهة في معركة التحرير والكفاح المسلح للشعب الجزائري ضد العدو المحتل وذلك بجميع الوسائل «. وقد انخرط أعضاء الجمعية في الخارج جنبا إلى جنب مع إخوانهم، أما في الداخل فما إن اندلعت الثورة حتى راح طلبة معهد ابن باديس يلتحقون بصفوف الجهاد باذلين الأرواح الزكية من أجل الوطن، بينما أساتذة المعهد ومعلمو المدارس الحرة قد انخرطوا في الخلايا السرية لجبهة التحرير الوطني، وفي صفوف جيش التحرير. ومن بين الشهداء العلماء نذكر الإمام الشيخ العربي التبسي رئيس الجمعية بالنيابة واليمين العمودي الأمين العام السابق للجمعية ورضا حوحو الكاتب العام لمعهد ابن باديس، ومحمد العدوي والشاعرين عبد الكريم العقون والربيع بوشامة والشيخ العربي الشريف وغيرهم كثيرون بذلوا دماء سخية في سبيل حرية الجزائر وكرامتها واستعادة هويتها العربية الإسلامية كاملة غير منقوصة. وهكذا فإن الجمعية قد أدت مهمتها التي فرضها الله والوطن عليها في الإطار العام للحركة الوطنية الجزائرية قبل الثورة المسلحة وأثناءها، وهي الآن ما زالت قائمة تواصل رسالتها نحو الإسلام الهادي إلى سواء السبيل في كل عصر وفي كل مصر،والله ولي التوفيق«. كما نلفي في هذا القسم مقالاً للشيخ أحمد حماني-رحمه الله- عن» ابن باديس والثورة«،تطرق فيه إلى جملة من القضايا الهامة،ومن أبرز ما جاء فيه ما رُوي عن تلاميذه في خمس نقاط رئيسة: 1 مما رواه الأحياء من تلاميذه في هذا الموضوع ما أكده الشيخ محمد الصالح رمضان، أن الشيخ ابن باديس كان منذ 1356 ه (1937 م) يصرح بعزمه على الثورة المسلحة، وفي بعض هذه التصريحات أنه يخشى أن يدفع الأمة إليها قبل كمال استعداد، لهذا يتجنب أن يتحمل مسؤولية الرئاسة السياسية المباشرة لبعض الأحزاب. 2 أكد الشيخ محمد الحاج بجة أحد تلاميذه الأقدمين من دائرة آقبو أنه كان تلميذا في أوائل الثلاثينات، وأن الشيخ رحمه الله كان يسأل تلاميذه الكبار : هل أديتم الخدمة العسكرية ؟ ومن أجاب بنعم ميزهم عن الآخرين وصرح لهم أننا سنحتاجكم يوما ما، وحثهم على عدم نسيان ما دربوا عليه من أعمال الحرب، ولعل هذه الشهادة تفسر شدة اتصاله رحمه الله بتلميذه الشيخ الفضيل الورتلاني رحمه الله، فقد كان من الذين أدوا الخدمة العسكرية قبل أن يتصل به فكان يقربه جدا، ويستصحبه معه في بعض رحلاته ويركن إليه في تربية صغار تلاميذه على الثورة، وقد عاش هذا الرجل ثائرا وصار يخشى جانبه الملوك والأمراء في الشرق العربي، وله أثر كبير في الثورة اليمنية ضد نظام الملك يحيى، وهذا معلوم، حتى جاءت الثورة الجزائرية فعمل في صفوفها ومات ? وهو يمثلها ? بتركيا، وله تلاميذ هناك يذكرونه بخير، وهو دفين أنقرة. 3 ومن ذلك ما سمعته بأذني وحضرته بنفسي في إحدى أمسيات خريف 1939 م في مجلس بمدرسة التربية والتعليم الإسلامية بقسنطينة، وتطرق الحديث إلى موضوع الحالة السياسية بالجزائر بعد إعلان الحرب، وموقف بعض كبار رجال الأحزاب السياسية الذين جندوا ?إجباريا أو تطوعا? في صفوف الجيش الفرنسي، وكان الشيخ رحمه الله متألما جدا من هذا الضعف فيهم، وقد صرح بما فحواه : » لو أنهم استشاروني واستمعوا إلي وعملوا بقولي لأشرت عليهم بصعودنا جميعا إلى جبال أوراس، وإعلان الثورة المسلحة «. 4 سافرت إلى تونس لإتمام الدراسة ولم أحضر تطور هذه الفكرة الباديسية في نفسه، ولكني علمت أنها وصلت إلى حد الإنجاز لو لا معاجلة الموت، فقد حدّث الأستاذ حمزة بوكوشة ? وهو من أقرب المقربين إلى الشيخ عبد الحميد والعاملين معه في ميادين العلم والإصلاح والسياسة ? إنه دعاه ذات يوم للمبايعة على إعلان الثورة المسلحة، وحدد له تاريخ إعلانه بدخول إيطاليا الحرب بجانب ألمانيا ضد فرنسا، مما يحقق هزيمتها السريعة، فبايعتُه على ذلك، وكان بالمجلس غير الأستاذ حمزة منهم من تردد ومنهم من أقدم على المبايعة. وقد أكد الشيخ محمد بن الصادق جلولي هذه الرواية ودعمها. ولكن المنية أدركت ابن باديس قبل موعد إعلان الثورة ببضعة وخمسين يوما، فقد مات في 16 أفريل 1940 م، ودخلت إيطاليا الحرب في 10 يونيو 1940 م. ولعل الحكمة قي تحديد هذا التاريخ لابتداء الثورة أن إيطاليا صرحت بأطماعها اللاشرعية في تونس، ولعلها تمددها إلى الجزائر، فإذا دخلت بجانب ألمانيا وانتصرتا صرنا (ميراثا) من تركة الهالك! فأراد الشيخ أن نكون في الوجود وأن نطرد فرنسا بأنفسنا، ودخول إيطاليا في الحرب يسهل مهمتنا، وأتذكر جيدا أنني صارحته ذات يوم بالخوف ? إن انتصر المحور من استيلاء إيطاليا على بلادنا باعتبار أننا تراث من فرنسا، فأجابني فورا رافعا رأسه : » ليست إيطاليا التي تستطيع استعمارنا يا بني « قالها في اعتزاز وثقة، وقوة نبرة توحي بالتحدي. 5 منذ خريف 1940 م منع الشيخ عبد الحميد من حرية التجول وأصبح في إقامة جبرية بمدينة قسنطينة ولكنه لم يلتزم بذلك، وصار يتفلت من القيد سرا لمتابعة أعماله التحضيرية للثورة، وقد حدثني الأستاذ محمد الصالح بن عتيق مدير مدرسة الميلية أنه طرق عليه الباب ذات ليلة ففتحه وإذا به يجد الشيخ متنكرا، فدعاه إلى النزول فاعتذر، وأنه حدثه عن الثورة المسلحة وعن مدى استعداد الشعب في جبال الميلية لها، قال فأجبته بأن رجال الميلية فيها وفي جبالها رجال » بارود« وله أن يعول عليهم إذا جد الجد، وأن الاستعداد النفسي للثورة كامل فيهم. وقد اختتم هذا القسم بمقال الدكتور سعد بوفلاقة الموسوم ب: » ابن باديس:لمحات في سيرته،وجوانب من جهوده الإصلاحية والتربوية«،وقد ناقش فيه جملة من القضايا من أهمها حديثه عن منهجه في الإصلاح والتربية ،فقد رأى أن وكان منهجه في الإصلاح والتّربية يختلف عَمّن سبقه من المصلحين لأنه استطاع أنْ يربط بين الحياة الاجتماعية والحياة الثقافية، أي : ربط بين الإصلاح الديني والاجتماعي، كما كان إصلاحه تطبيقيا أكثر منه نظريا وهذا الذي لم يوفق فيه غيره من المصلحين السابقين له، ويعد ابن باديس باعث النهضة الحديثة في الجزائر لأن الحياة الثقافية قبله كانت مهملة فلما جاء أنشأ المدارس الحرة وبدأ بتعليم النشء بنفسه وحارب الآفات الاجتماعية المتفشية في المجتمع، ولا سيما الطرق الصوفية كما سبق ذكره ونقد المفاهيم الدينية الخاطئة التي كان ينشرها هؤلاء، فاتخذ الصحافة كوسيلة هامة لتوصيل أفكاره إلى الشعب وتوعيته من خلال » المنتقد « و» الشهاب «، وهكذا كان الإصلاح الديني عند ابن باديس هو الربط بين العبادات والمعاملات، وعدم التفريق بين العقيدة والعمل، فالدين الإسلامي دين عبادة وعمل ونشاط وأخلاق وتسامح وهذا ما كان يطبقه ابن باديس في حياته اليومية حتى يكون قدوة لغيره،وسبب تخلف الأمة الإسلامية في نظره هو الابتعاد عن الكتاب والسنة،والإصلاح الديني والخلقي لا يكون في نظره إلا بالرجوع إلى الكتاب والسنة أيضا.وفي القسم الثاني من المجلة نجد مقطفات هامة من آثار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين،هي: شعب الجزائر مسلم : و بيان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لتأييد الثورة المباركة للشيخ الفضيل الورتلاني،و نداء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إلى الشعب الجزائري، للشيخ محمد البشير الإبراهيمي. انتهي