كشفت التحقيقات التي أنجزها الديوان المركزي لقمع الفساد، عن بعض الممارسات "الفاحشة"، التي ارتكبها نواب وأعضاء من مجلس الأمة، سابقون، في حق قضاة مكلفين بالإشراف على نزاهة الانتخابات، كما بينت التحقيقات أيضا بعض تفاصيل التحويلات التعسفية وإنهاء المهام لقضاة وممثلي الحق العام النزهاء خارج القانون لرفضهم الانصياع للأوامر ب"التزوير"، وعن طريقة "الترهيب" التي عاشها هؤلاء، التي وصلت إلى درجة التعدي عليهم ب"الخناجر" في دورات المياه. وأزالت تحقيقات ديوان قمع الفساد الستار عن الطريقة التي يتم فيها الضغط على القضاة المكلفين بالإشراف على العمليات الانتخابية، وتحريضهم على التزوير والتحيز. وهذا من خلال إعطاء تعليمات لدعوة رئيس اللجنة الانتخابية الولائية بغرداية بمناسبة الانتخابات التشريعية، لسنة 2017، لتحرير محضر جمع التوقيعات بتاريخ مزور وكذا انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة، التي عاش فيها قضاة الجمهورية كابوسا بكل المقاييس.. وما خفي أعظم..؟ مرشحة للبرلمان: "نطيّر شكون نحب ونجيب شكون نحب" وفي التفاصيل، فإنه وبمناسبة الانتخابات التشريعية لسنة 2017، وبتاريخ 5 مارس 2017، قام كل من الأمين العام لوزارة العدل السابق، لعجين زواوي، والمفتش العام للوزارة، بن هاشم الطيب، إلى جانب مدير الشؤون المدنية وختم الدولة، بوحدي حميد، بوزارة العدل، بناء على تعليمات الوزير السابق، الطيب لوح، بالاتصال هاتفيا برئيس مجلس قضاء غرداية، المدعو محمد بن سديرة، ورئيسة اللجنة الانتخابية الولائية لغرداية، "س. حكيمة"، لأجل دفع هذه الأخيرة لتمكين المرشحة الحرة بن خليفة مريم، من محضر جمع استمارة التوقيعات بأثر رجعي ليتسنى لها إيداع ملف ترشحها، لكن أمام رفض المعنيين الانصياع للأوامر والضغوطات الممارسة عليهما بسبب إنهاء اللجنة لعملها وانقضاء الآجال، تم لجوء المتصلين بموافقة من الطيب لوح إلى الاتصال برئيس المحكمة الإدارية بغرداية وإعطائه تعليمات في هذا الشأن، كما تم توجيه المرشحة الحرة إلى رفع دعوى أمام القضاء الإداري، الذي أصدر يوم 6 مارس 2017، قرارا لصالح المرشحة يقضي ب"اعتماد استمارة اكتتاب التوقيعات، وبالنتيجة أمر والي ولاية غرداية بقبول إيداع ملف هذه القائمة". وفي هذا السياق، وردت معلومات إلى الديوان المركزي لقمع الفساد إفادات بمعلومات أرسلها القاضيان المتضرران، وهما على التوالي: سايل حكيمة ورئيسة اللجنة الانتخابية الولائية لغرداية سابقا ومستشار بمجلس قضاء تيارت حاليا وسايح عبد القادر مستشار بمجلس قضاء غرداية سابقا ومستشار بالمحكمة الإدارية بالشلف حاليا، حيث أكدت الضحية الأولى، القاضي سايل، أنها تعرضت لضغوطات خلال توليها رئاسة اللجنة الانتخابية الولائية لغرداية بسبب انتهاء آجال إيداع الاستمارات، المحدد ب5 مارس 2017 على الساعة منتصف الليل، إلا أنه في اليوم الموالي وفي حدود الساعة السادسة مساء تلقت اتصالا هاتفيا، من رقم تجهله، صرح لها صاحبه بأنه يدعى بوحدي، مكلف بالانتخابات على مستوى الوزارة، ليسألها إن كان رئيس المجلس قد أبلغها بقائمة انتخابية، وقالت إنها بالفعل بعد نصف ساعة اتصل بها رئيس المجلس القضائي هاتفيا، طالبا منها الالتحاق بمقر المجلس، وهناك طلب منها استقبال المسماة بن خليفة مريم، التي تنتظر في الرواق لمعرفة انشغالها. هذه الأخيرة، أخبرتها أنها أحضرت قائمة حرة لدراسة ملفها.. فردت عليها بالرفض، وأبلغت رئيس المجلس بذلك، فوافق على تصرفها وأعلمها أنه تلقى اتصالات هاتفية من طرف كل من بوحدي والأمين العام والمفتش العام لوزارة العدل لتمكين المعنية من المحضر، إلا أنه رفض بسبب انقضاء الآجال القانونية. المعنية، أضافت أنه بعد انصرافها، تهاطلت المكالمات الهاتفية على رئيس المجلس من الأمين العام والمفتش العام لإحضارها بغية التحدث معها، فعاود الاتصال بها هاتفيا، وطلب منها الحضور مجددا إلى المجلس، وعند التحاقها في حدود الساعة الثامنة والنصف ليلا، تحدث إليها الأمين العام ثم المفتش العام الذي تفاوض معها لتمكين المرشحة من المحضر، لكنها رفضت بسبب انتهاء الوقت القانوني وإنهاء اللجنة عملها، فما كان منه إلا أن طلب منها تنفيذ الأوامر.. لكن هذه الأخيرة أصرت على موقفها، وبعد رفضها، شدد من لهجته مصرحا لها: بأن "المسألة تتعلق بمصلحة عليا للبلاد ولا يحق لها مخالفة أوامر الجهات العليا". فردت عليه بأن "الأمر يتعلق بقائمة حرة". "واش حاسبة روحك.. شكون أنت"..؟ وأمام الموقف الرافض للمعنية، رد عليها المفتش العام بصوت مرتفع: "واش راكي حاسبة روحك، شكون أنت"، لكن رفضت الانصياع فأخذ يساومها بعدم نسيانها، وقد تم ذلك بحضور رئيس المجلس، المستخلف لرئيس اللجنة الولائية للانتخابات، عضو وكاتب المجلس، حيث بعد رفضها المتكرر، طلب المفتش العام لوزارة العدل من رئيس المجلس إحضار المستخلف جابو صالح، لتحرير المحضر بدلا منها، لكن المعني أغلق هاتفه وبقي معهم، بعدها طلبوا من رئيس المجلس إحضار أي قاض مهما كانت صفته أو رتبته لتحرير محضر اعتماد لصاحبة القائمة، فرفض بشدة ذلك الطلب، مصرحا لمخاطبيه: "إذا كانت الأمور هكذا فالله يغنيني من هذا المنصب"، مؤكدة أن هذا الترهيب كانت عواقبه وخيمة عليها، إذ تعرضت إلى وعكة صحية بسبب ارتفاع الضغط الدموي وارتفاع نسبة السكر في الدم"، كما تم معاقبتها من خلال نقلها إلى مجلس قضاء تيارت، رغم أن المعنية أم ل3 أولاد، حيث تضطر إلى قطع مسافة 300 كلم لأداء عملها بمنصبها الجديد. كما أفادت القاضي "سايل" بأنه، بعد تلك الوقائع نزلت أطقم التفتيش إلى مجلس قضاء غرداية لعدة مرات، كما أصبحت المترشحة الحرة خليفة مريم تتباهى بتصريحاتها من خلال القول: "أنا طيرتهم كامل من غرداية.. نطير شكون نحب ونجيب شكون نحب".. وهو ما حصل فعلا، عندما تم تحويل المعنية والمستشار سايح عبد القادر، دون طلب منهما، فيما تعرض رئيس مجلس غرداية إلى كل أنواع الظلم والتهميش. ومن جهته، فقد صرح المستشار بمجلس قضاء غرداية سابقا، سايح عبد القادر، ومستشار بالمحكمة الإدارية بالشلف حاليا، بأنه آنذاك عين عضوا بالهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، حيث تلقوا خلال مراقبتهم لعملية إيداع ملفات الترشيحات احتجاجا من بعض المترشحين يمس بمصداقية العملية الانتخابية والمنافسة النزيهة، بعد أن وصل إلى علمهم أن المرشحة الحرة خليفة مريم تحصلت على محضر مراقبة استمارات التوقيعات لمرشحين أحرار، دون الاتصال باللجنة الانتخابية الولائية. المعني، أضاف في إفادته أنه انتقل ليلة 05 مارس 2021 برفقة منسق الهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات، وبالضبط إلى المكان المخصص لاستلام ملفات المترشحين، فوجد المرشحة مريم بن خليفة في حالة من القلق والاضطراب، حيث أخبرهما مدير التنظيم والشؤون العامة للولاية أنها لم تتمكن من الحصول على محضر مراقبة استثمارات التوقيعات للمترشحين الأحرار، وبالتالي، لا يمكن استلام ملفها لمخالفته القانون، لكن المعني بعد أن تلقى اتصالا هاتفيا، أخبرهما مجددا أنه تم الاتصال به من جهات عليا وطلبوا منه استلام ملف ترشح المعنية ناقصا دون محضر. وذكر المستشار سايح أيضا أنه ذهب في اليوم الموالي إلى مجلس القضاء، أين التقى بالرئيس بن سديرة محمد، الذي وجده في حالة نفسية سيئة جدا، وأخبره أنه تلقى اتصالات من المفتش العام والأمين العام لوزارة العدل وأبلغاه بأوامر الوزير الطيب لوح، القاضية بضرورة تسليم المعنية للمحضر بتاريخ سابق، لكنه رفض لأن ذلك الفعل يشكل تزويرا، كما التقى في نفس اليوم برئيسة اللجنة الانتخابية القاضي حكيمة سايل، التي وجدها في حالة يرثى لها، منهارة وعلامات الإرهاق الشديد بادية على وجهها. وبعد الاستفسار، تبين أنها هي بدورها تلقت اتصالات من المفتش والأمين العام للوزارة، اللذين وجها إليها تعليمات صارمة بضرورة تسليم المحضر بتاريخ سابق للمرشحة الحرة، وبعد رفضها تعرضت لكل أنواع الإهانات والتهديد. وأضاف المعني أنهم تلقوا معلومات مؤكدة، بأن المعنية مريم بن خليفة هددت بالانتقام من أعضاء اللجنة الولائية الانتخابية ورئيس المجلس القضائي، وأنها ستوظف علاقتها بوزير العدل الطيب لوح لأجل معاقبتهم. وبغية التأكد من طريقة إنهاء مهام رئيس مجلس قضاء غرداية سابقا محمد بن سديرة، جراء عدم الانصياع إلى الأوامر ورفضه عملية التزوير، كانت هناك مراسلة من محققي الديوان المركزي لمكافحة الفساد إلى مدير الموارد البشرية بوزارة العدل، تطلب منه موافاتهم بكافة المراسلات والوثائق الخاصة بإنهاء مهام بن سديرة، كما تم توجيه مراسلة ثانية إلى الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية، حيث كان الرد كما يلي: "بتاريخ 3 جويلية 2017، قام وزير العدل، حافظ الأختام، الطيب لوح، بمراسلة رئيس الجمهورية، بصفته القاضي الأول للبلاد، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، التمس فيها حركة جزئية في سلك الرؤساء والنواب العامين لدى المجالس القضائية، بسبب التقصير المسجل على مستواهم، ما يتطلب تعويضهم بآخرين ممن يشهد لهم بالنزاهة والكفاءة والالتزام والقدرة على التسيير والصرامة في العمل، حيث إن الأمين العام لرئاسة الجمهورية رد على وزير العدل الطيب لوح والأمين العام للحكومة بتاريخ 19 جويلية 2017 بالإرسالية الحاملة للرقم 1791، لإعداد مشروع مرسوم يتضمن إنهاء مهام رؤساء 9 مجالس قضائية، من بينهم محمد بن سديرة، بغرض عرضه لتقدير رئيس الجمهورية قصد التوقيع، ليصدر بعدها مرسومان رئاسيان مؤرخان في 10 جويلية 2018 يتضمنان إنهاء مهام 9 رؤساء مجالس قضائية، من بينهم القاضي بن سديرة. لوح في فم المدفع ومواصلة للتحقيقات في ملف الحال، فإن المفتش العام لوزارة العدل سابقا، هاشم الطيب، حمل مسؤولية الأفعال محل المتابعة الجزائية لوزير العدل السابق، الطيب لوح، الذي قال إنه اتصل فعلا برئيس مجلس قضاء غرداية بمناسبة الانتخابات التشريعية، لأجل دعوة رئيس اللجنة الولائية للانتخابات إلى إعداد محضر جمع استمارات التوقيعات بأثر رجعي. وهذا، بناء على تعليمات وأوامر صارمة من الوزير الطيب لوح. ومن جهته، فإن الأمين العام لوزارة العدل سابقا، لعجين الزواوي، صرح في وقائع الموضوع بأنه بتاريخ 5 مارس 2017، وبينما كان في مكتبه، قدم نحوه المفتش العام للوزارة السابق، بن هاشم الطيب، مرفقا بمدير الشؤون المدنية بالوزارة، بوحدي حميد، الذي أعلمه أن الوزير لوح كلفهم جميعا بالمهمة والاتصال برئيس مجلس قضاء غرداية لإعطائه تعليمات مفادها دعوة رئيس اللجنة الولائية للانتخابات لإعداد محضر استمارة جمع التوقيعات بأثر رجعي. بل، الأخطر من ذلك، فقد اعترف الزواوي بأن ما قام به الوزير لوح يدخل "في سياسة البلاد بالدرجة الأولى"، وأن هذه الممارسات التي حدثت مع رئيس مجلس قضاء غرداية لم تكن معزولة، بل اعتاد الوزير على إعطاء التعليمات عن طريق المفتش العام للوزارة إلى مختلف الجهات القضائية مع كل استحقاق انتخابي خدمة لنهج سياسي معين. ليلة رعب عاشها القضاة.. والسبب "الأفلان" تحقيقات الديوان المركزي لقمع الفساد، كشفت عن فضيحة لا تقل خطورة عن الأولى. وهذه المرة، تتعلق بإجراء انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة، لصالح حزب جبهة التحرير الوطني، وكيفية التزوير لصالح مرشح هذا الحزب، الذي يعتبر أصلا صهرا وابن خالة الوزير السابق للعدل، الطيب لوح، قصد تغيير مضمون محضر فرز الأصوات. حيث إن الوقائع تعود إلى تاريخ 18 ديسمبر 2018، وبمناسبة إجراء انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة بتلمسان، قام المدعو أوراغي سيد أحمد، "عضو مجلس الأمة"، صهر لوح "أخو زوجته وابن خالته"، بتحريض مجموعة من الأشخاص لتهديد قضاة تابعين لمجلس قضاء تلمسان، كانوا مكلفين بالعملية، بهدف الضغط عليهم قصد تغيير مضمون محضر فرز الأصوات لصالح مرشح حزب جبهة التحرير الوطني، بعد أن أفرزت النتائج فوز حزب التجمع الديمقراطي. الوقائع أكدتها تصريحات القاضي، الذي تعرض بمعية زملائه للعنف اللفظي، والتعدي والتهديد، ويتعلق الأمر بمستشار بمجلس قضاء تلمسان، قرفي عبد الرحمان، الذي قال إنه بمناسبة انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة بتلمسان 2018، تم تعيينه كعضو بمكتب التصويت رقم 01 زمليه تلمساني مامة وسلامي ساعد، وبعد إجراء العملية في ظروف عادية والإعلان عن نتائج الفرز وتبين فوز حزب "الأرندي"، تقدمت مجموعة من الأشخاص بعضهم معروفون بالسوابق العدلية نحو المدعو أوراغي أحمد وبإيعاز منه أشهروا أسلحة بيضاء "خناجر". وأمام هذا الوضع، يضيف الضحية، لاذ جميع أعضاء المكتب بالفرار نحو الطابق العلوي، خوفا على أنفسهم. فقام المعني، قرفي عبد الرحمان، بحمل محضر الفرز وغادر المكان، بحثا عن ملجإ آمن، إلا أن المعتدين لحقوا به، مشهرين خناجرهم، ما دفعه إلى الدخول إلى دورة المياه وغلق الباب من خلفه. وتابع المستشار تصريحاته بالقول إن "العصابة" تمكنت من كسر الباب وأخذوا منه المحضر بالقوة بعد أن قاموا بالاعتداء عليه، ولم ينج منهم إلا بعد تدخل أحد الحاضرين الذي هب لإنقاذه، وإلا كان في تعداد الموتى، بعدها قام أفراد "العصابة" بإرغام جميع القضاة على الدخول إلى مكتب رئيس ديوان المجلس الشعبي الولائي وأغلقوا الباب ثم انهالوا عليهم بعبارات خادشة للحياء مع تهديدهم لإرغامهم على تغيير نتائج عملية الفرز.. وبعد رفض كامل من أعضاء المكتب الانصياع لأوامرهم، قام المدعو أوراغي بتهديدهم من خلال التأثير على مسارهم المهني، ملمحا إلى علاقته بالوزير السابق للعدل، الطيب لوح. وقد كان هذا الأخير ينزوي في كل مرة بمفرده لإجراء اتصالات هاتفية بواسطة هاتفه النقال، وكان شكله يوحي بأنه يتلقى تعليمات من جهة معينة حول كيفية التصرف إزاء الوضع السائد. المعني، أكد أيضا أن الواقعة جرت بحضور الجميع، دون أن يحرك أي مسؤول أمني أو قضائي ساكنا، ولما قام الضحية بلوم رئيس أمن ولاية تلمسان، الذي كان بزيه المدني، على عدم تدخله بمعية عناصره لحمايتهم، طلب هذا الأخير تسخيرة تسمح له بذلك..؟ وهي نفس التصريحات التي أدلى بها كل من سلامي ساعد مستشار بمجلس قضاء تلمسان، وتلمساني مامة مستشارة أيضا بمجلس قضاء تلمسان.