تابعت مثل كثيرين غيري، الحوار التلفزيوني المطوّل الذي أجرته قناة الجزيرة مع الرئيس المصري محمد مرسي خلال الأيام القليلة الماضية، والحقيقة أنني تابعت الحوار لسببين، أولهما أن القناة القطرية ذائعة الصيت وفرت دعاية كبيرة أو لنقل "غير مسبوقة" للحوار عبر جميع نشراتها الإخبارية وأيضا موقعها على الأنترنت، والسبب الثاني أنّ من أجرت الحوار هي الإعلامية الجزائرية الكبيرة خديجة بن ڤنة! كما تابعت ردود الفعل الكثيرة والمتباينة في السهرة ذاتها عبر مختلف برامج "التولك شو" المصرية والواقع أنني لم أجد ما وصفه البعض بالحملة المسعورة لتشويه خديجة بن ڤنة، بل أثنى جميع الإعلاميين المحترمين على أدائها، وفي مقدمتهم محمود سعد، عمرو الليثي، ومنى الشاذلي وغيرهم، إلا إذا كان يقصد البعض "تلك الأصوات النكرة" التي تنطلق هنا وهناك، والتي تكره أيّ شخص يقترب من مرسي وجماعته حتى ولو كان إعلاميا محايدا يبحث عن الحقيقة أو صوتا محترما في مقام خديجة بن ڤنة ! لكن "والحق يقال" فإن الجزيرة فقدت كثيرا من حيادها خلال السنوات الأخيرة، وتحديدا بعد اندلاع "ثورات الربيع العربي" وهنا لن أستعمل التعبير الذي يمهد به البعض حديثه عن الربيع فيقولون "ما يوصف ب" وكأنه جريمة أو طفل غير شرعي، بل انه ربيع حقيقي سقط فجأة على ما يوصف ب"الشعوب المقهورة والمظلومة والمنكوبة والمكلومة" بسبب الطغيان وانتشار الفساد وتسلط العسكر هنا وهناك، قبل أن يحوله البعض من "فاعل سلمي للتغيير" إلى "مفعول به دموي" نتيجة المؤامرات الدنيئة والأفعال الخسيسة والنخبة الرخيصة!! الجزيرة فقدت كثيرا من أسهمها في الشارع العربي هذا صحيح، لا بل إن الدوحة التي قدّمت نفسها "راعية للحرية والأحرار في المنطقة" أزعجها إعلامي واحد بثّ أغنية ساخرة عنها في مصر، ونقصد هنا باسم يوسف، وقبل ذلك، استشاط الأمير وزوجته غضبا من سلوك مدوّن "يتيم" نشر قصيدة، كان في الإمكان أن لا ينتبه لها أحد، لولا أن الأمير "القطري" رماه في غياهب السجون قبل أن يتكرّم بتقليص "فترة عقوبته" من المؤبد لما هو أقل من ذلك "تفضلا من سموّه في الدفاع عن حق الشعب القطري بممارسة حرية التعبير" ! وبالعودة إلى حوار بن ڤنة مع مرسي، فانه شكلا لم يمنح المصريين سوى خبرا جديدا واحدا، وقد لا يكون جديدا أصلا، يتعلق بما تم تسريبه عبر جميع الفضائيات والمواقع قبل بثّ الحوار عن تفكير الرئيس الاخواني الذي يتعرض لهجوم إعلامي حاد في القيام بتعديل وزاري قريب! ومن يطالع الصحافة المصرية في الأيام الماضية، سيكتشف فجأة بأن القرار متوقع من طرفها قبل الحوار التلفزيوني بفترة، لا بل إن البعض "تعمّد" القول أن مرسي كشف الخبر للمرة الأولى عبر موقعه في تويتر، وليس في حواره مع خديجة بن ڤنة.. وهنا طبعا نتفهم "حسد الإعلاميين وغلّهم وحتى حقدهم على بعضهم البعض، باسم المهنية تارة ولأسباب دنيئة مختلفة ومتعددة في مواضع أخرى كثيرة"! خديحة بن ڤنة، التي حاول البعض توريطها في "قضية دعم النازية عبر الفايسبوك مؤخرا" كانت احترافية جدا، ومتحكّمة في جميع أدوات الحوار، لا بل إنها تحدثت إلى مرسي بشكل مباشر وصريح في أكثر من موضع، ودون عقد الفخامة والسمو، وتحديدا عن تأثير الجماعة وقطر، وعلاقته بإيران، والمرشد، وأخذت وقتا كاملا في الاستماع إلى مرسي وطرح جميع انشغالات الشارع عليه.لكن المشكلة الحقيقية في "سماطة الحوار" والملل الذي تسرب بنا كمشاهدين عبر أكثر من موضع، تمثلت في شخص مرسي ذاته، فالرجل يفتقد كثيرا إلى روح السياسيين المحترفين وحيوية التعامل مع الإعلاميين أو الظهور العام، كما أنّ زلات لسانه الذي لا يريد أن يتجدد بعيدا عن قاموس مكرر من الكلمات، جعلت الكل يتفق على أن مرسي لا يمتلك من "الكاريزما" الشيء الكثير (كان مرشحا رئاسيا احتياطيا في صفوف جماعته بعد خيرت الشاطر)! الحوار مع مثل هؤلاء سيكون صعبا، وقد لا يأت المحاور بعده بأي جديد مهما "بلغت احترافيته أو تعاظم تحضيره وزاد حرصه" وهي شروط لا نعتقد أن الإعلامية الجزائرية خديجة بن ڤنة تفتقد لها! شخصية سياسية مهمة في مقام وحجم الرئيس المصري، وان شكّلت على الورق "سبقا إعلاميا كبيرا" لأي قناة أو صحفي، فإنها وبالممارسة ستتحول إلى "خديعة كبرى" خصوصا أن جماعة الإخوان ما تزال وحتى الوقت الراهن تتحكم في الرجل، ولم يحلّه المرشد العام من البيعة "واقعيا" بدليل أن الجماعة تنتقي للرئيس من يحاورهم، فعمرو الليثي في مصر (صاحب برنامج 90 دقيقة على فضائية المحور) كان أحد مستشاري مرسي في الرئاسة، كما أنه لا يمكن إغفال أن أحد أهم أسباب اختيار خديجة بن ڤنة، زيادة على "شهرتها واحترافيتها" يعود لكونها..محجبة!! وهنا يذكر الجميع كيف أقام بعض "السلفيين" في قنوات الحافظ والناس، الدنيا ولم يقعدوها حين اختار الرئيس مرسي امرأة "متبرجة" من التلفزيون العمومي لمحاورته، رغم أقدميتها واحترافيتها، وقد اشتهر بعدها أحد الدعاة المغالين، وهو محمود شعبان (صاحب فتوى قتل المعارضين لمرسي) بمقولته التي تحولت إلى "شعار عبر مواقع النت"حين قال...هاتولي راجل! لا أحد يشكك في قدرات خديحة بن ڤنة، لا بل يمكن القول أنها الإعلامية الجزائرية الأكثر بروزا وسط جميع من تزدحم بهم الفضائيات العربية خلال العقد الأخير، لكن الحوار لم يُضف لها شيئا من الناحية المهنية والإعلامية، ما عدا "السبق" الذي حققته على مستوى قناة الجزيرة وحسب، والذي حاول البعض رميه والتشكيك فيه بكلام فارغ "لا أصل له ولا أساس" حين قيل بأن القناة القطرية دفعت 4 ملايين دولار لمرسي من أجل محاورته، على غرار الكذبة الأخرى التي تقول بأن القناة تدفع أيضا راتبا شهريا للرئيس التونسي المنصف المرزوقي والذي - وبالمصادفة المتعمدة - جلس إلى جانب خديجة بن ڤنة أيضا، حين حضر إلى العاصمة القطرية وأجرى لقاء فكريا وصحفيا مفتوحا قبل أيام...وذلك حديث آخر!