خضير بوقايلة: kbougaila@gmail.com هالتني الحملة المغرضة التي تشنّها أوساطٌ إعلامية وسياسية على حامل لواء الفساد والمفسدين في أرض الجزائر المجاهد الكبير والمناضل بوجرّة سلطاني، فقرّرت بدوري أن أتطوّع للدفاع عن الرجل وأدعو له بالتوفيق في معركته الوحشية التي يخوضها وسط محيط الفساد. وأبدأ بنصيحة إلى الذين يشكّكون في قدرات المحارب لكي يتوقفوا عن التشكيك في كل ما قاله والذهاب إلى حدّ جرّه إلى نشر أسماء كبار المسؤولين وكبار الضباط وكبار الموظفين وكبار القوم المتورّطين في قضايا الفساد والرشوة. أؤكّد لكم أن ما قاله حبيبنا بوجرّة سلطاني صحيح ولا جدال فيه، فهو فعلا يملك معلومات خطيرة ودقيقة جدا عن تفاصيل خريطة الفساد في الجزائر وربّما في العالم كلّه، وهو على اطلاع واسع بخبايا صفقات الفساد ولديه قائمة بأسماء وتواريخ وأماكن ميلاد كل الفاسدين في الجزائر، وهي مرتّبة وفق الترتيب الأبجدي من الألف مثل أبو إلى الأسماء التي تنتهي بالياء مثل ري أو ني. ومثلما كان للشاب مامي شرف زيارة صاحب الفخامة أيام كان على فراش العافية في باريس، فقد حظي محسوبكم بشرف الاطلاع على ملفات فساد أخينا بوجرّة، ولولا أنّ المغدور قاصدي مرباح سبقه إلى نيل اللقب لاخترت لزعيم لواء الفساد اسم رجل الملفات. والواقع أنني بحثت عن لقب يليق بمقامه الرفيع وفكّرت أن ندعوه مثلا لانسبيكتور الطاهر، أو لانسبيكتور مرقو أو كولومبو أو زورو، لكن اسماً غريبا طاف على ذهني ووجدت أنّ قيمته الشاعرية تليق بالمقام مع تصرّف بسيط اقتضته القافية، ما رأيكم أن نقتبس له اسما من اسم بطل ملحمة طواحين الهواء دون كيشوت فنقول مثلا دونكي سلطاني؟ على كلٍّ العبرة ليست بالأسماء والألقاب بقدر ما هي بالنتائج الميدانية. فصاحبنا لم تعد تهمّه التهديدات ولا الانتقادات، فهو ماضٍ في المعركة وأنا لا أراه إلا منتصراً وهازماً أخطبوط الفساد وحده. ولا تسألوا كيف حصل على أسماء الفساد والفاسدين ولا كيف تمكّن في جمع ملفات الفساد، فهو كان يعمل في الخفاء وأعتقد جازما أنه هو من اقترح على صاحب الفخامة أن يعيّنه على رأس الوزارة الخالية وطلب منه أن يترك الحقيبة الثقيلة من غير تسمية حتى لا يجلب الأنظار إليه، وبينما كان الناس يضحكون ويقولون إنه يقبض راتبا من دون مقابل وكادوا يتّهمونه هو أيضا بالفساد، كان هو يشتغل في الخفاء يجمع ملفات الفساد وينبش في جحور الأفاعي في سرّية تامة مكّنته من إنجاز مهمته على أحسن وجه. فقد كان أخونا وزيرا لمراقبة ومتابعة قضايا الفساد، وكان يستغل علاقاته الطيبة بكبار المسؤولين وكبار الضباط وكبار النواب وكبار السياسيين وكبار السرّاق ليجمع عنهم المعلومات من حيث لا يدرون، وحسنا فعل صاحب الفخامة عندما قرّر أن يُبقي الأمر سرًّا ولا يفضحه بجلسة استماع علنية كما فعل مع الوزراء. وقد لاحظت من خلال تحدثي إلى الناس أنّ هناك اهتماما وتشوّقا كبيرين لمعرفة تفاصيل ملفات الفساد التي يخفيها دونكي سلطاني، فالناس عندنا متشوِّقون (ولعلهم لا يحسنون إلا ذلك) لقراءة أسماء ومعرفة تفاصيل لجنة التحقيق السلطانية التي لم تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها. لكن حكمة الرجل أكبر من أن تجرّه إلى ساحة الغوغائية، فهو يملك الملفات وهي مخبّأة في مكان أشدّ أمانا من المكان الذي دُفنت فيه أموال الخليفة ولا أعتقد أنه سيخرجها الآن، بل سيترك الفاسدين يخرجون وحدهم ويعترفون أمام الشعب بفسادهم وقائد الملحمة ينظر إليهم مبتسما وهم يخرجون من جحورهم وفي كل مرة يصيح فلتخرج البقية وملفاتهم عندي وإذا لم يخرجوا طوعا أخرجت ملفاتهم المخبأة عندي. عليكم إذن إخواني الأعزاء أن تثقوا في قدرات القائد دونكي الطبيعية وما وراء الطبيعية وتتركوه يفعل ما يشاء بتصريحاته ويضع خطته كما يراها هو مناسبة، لكن تأكدوا أنه سيكون في نهاية المطاف هو المنتصر وكل الفاسدين تحت جزمته وستخرج الجزائر ببركة الحاج دونكي من مستنقع الفساد إلى بحر الرشاد وترقبوا اليوم الذي ترون فيه جزائرنا الحبيبة تحتل سلّم ترتيب دول العالم في تقرير منظمة الشفافية الدولية، وعندها عليكم أن تعلموا أن وراء هذا الإنجاز العظيم رجل واحد ووحيد وقف في بحر متلاطم ونادى بأعلى صوته فساد قف واستجاب الفساد ووقف على رجليه بعد أن كان زاحفا. تعرّفت على صديق تونسي لطيف المعاشرة كلما نطقت أمامه بجملة مفيدة استوقفك وقال لك إن كلامك هذا يذكّره بنكته أو واقعة طريفة، فينطلق في سرد حكايات لطيفة لا تنتهي، وأنا الآن أتخيله وهو يقرأ عن قائد ملحمة الفساد في الجزائر يتذكّر تلك الأيام التي اشتدّ فيها غضب الفاضل علي كافي ووقف يشنّ حملة على حزب فرنسا في الجزائر، ووصل به الانفعال إلى إطلاق وعيد ووعد بنشر القائمة الإسمية الكاملة لأقطاب حزب فرنسا المستحكمين في دواليب السلطة في الجزائر ولم يكد الرجل يجهِّز قائمته حتى نودي إليه ليشغل مهام وطنية أكبر وأهمّ من حزب فرنسا وعادت القائمة إلى الدُّرج لأنها لم تعد من الأولويات أو هكذا خُيّل إليّ حينها. وما دام الشيء بالشيء يُذكر فإنّني أدعو بموفور الصحة لصاحب الفخامة وبالقدوم العاجل لدستورنا الموعود، حتى لا يكون مصيره مثل مصير علي كافي فيبقى الملف الثقيل في الدرج الخلفي. تعقّدت قضية اغتيال عميل الاستخبارات الروسي ألكسندر ليتفنينكو وبدأت السحب تلبِّد العلاقات بين الحكومة الروسية المتّهمة بتدبير الجريمة وبين بريطانيا التي منحت اللجوء ثم الجنسية للعميل قبل أن تلحقه الإشعاعات إلى هناك لتقتله. أغلب أصابع الاتهام موجّهة إلى حكومة فلاديمير بوتين على اعتبار أنّ الرّجل اختار اللجوء في بلد غربي وكان يحمل معه ملفّات تضاهي في ثقلها ملفّات سلطاني، في حين فضّل بعض المحلّلين نظرية المؤامرة والطرق الملتوية فقالوا إنّ تصفية الجاسوس الروسي السابق كانت بتدبير من خصوم الرئيس الروسي الذين أرادوا إرباكه وتشويه سمعته بقضية من هذا الحجم. والأرجح أن تبقى الكرة تُقذف من جانب إلى جانب إلى حين يطوى الملفّ وينسى الناس أنّ معارضا قُتل في بلد حرّ ونموذج في الديمقراطية لكن منطق الدولة غلب ولا بد أن تأخذ القضية منحًى آخر مثلما أخذته قضايا أخرى كثيرة مثل قضية بن بركة أو قضية ناجي العلي الذي قُتل هو أيضا في شوارع لندن. لكن الأعجب في قضية ليتفنينكو هو نوعية السلاح المستعمل في التصفية. غازات إشعاعية عابرة للقارات على متن طائرات بريطانية ثم تُنقل إلى مطاعم وفنادق في وقت يجد ركاب مسالمون أنفسهم ممنوعين من حمل قارورة ماء معهم إلى الطائرة بحجّة تدابير السلامة ومكافحة الإرهاب العابر للقارات. من يجرؤ الآن على أن يمنع روسيا من ممارسة حقها في الفيتو إذا ما قُدِّر للقضية أن تصل إلى مجلس الأمن لو يثبت قطعا أن الحكومة الروسية متورّطة في هذه الجريمة؟ إنها حرب الكبار على أرض الكبار، لكن كل ما نأمله هو أن لا تكون هذه الجريمة الإشعاعية مصدر إلهام لبعض الأنظمة العربية العادلة لتصفية معارضيها في الخارج!