أ.د/ أوصديق فوزي [email protected] اليابان أرخبيل ممتد في أقصى شرق آسيا.. معروف بنقلته التكنولوجية والمعرفية في شتى علوم العصر وقد تلاحظ ذلك بمجرد أن تطأ قدمك مطار "نيتار الدولي" بطوكيو.. تشعر كأنك كنت تعيش في العصور الحجرية.. وبعد أن تصل إلى الفندق بعد رحلة دامت أكثر من أربعة عشر ساعة؛ يحاول اليابانيون استدراجك لتقاليدهم وثقافتهم بجعل "كيمونو" و "شباشب" تقليدية فوق سريرك بدلاً من ملابس نومك الاعتيادية؛ أما بالنسبة للنظام الغذائي فإن التجربة كانت مريرة بالنسبة لي ولغيري من زوار ها البلد؛ ففي كل "الدعوات الرسمية"، وفطور الصباح كان يتميز بالطبخ الياباني أو الآسيوي، أي السمك الغير طازج و "السوشي" وهو العنصر الغالب. وبمرور الأيام من قدومي اكتشفت مقهى فرنسي محادى لمحطة القطار؛ فكنت كل صباح أذهب له؛ قبل ملاجئ المرافق؛ فالجلوس بالمقهى كان متعة ببعض المناظر البشرية التي توحي بالنظام؛ وحب العمل؛ ودقة المواعيد؛ فقبل الساعة السابعة قد تلتقي بمجموعة بشرية تأتي من كل نواحي يغمرها النشاط وذلك ملاحظ إما من خلال قراءة لبعض المصاحف أو الكتب؛ أو الإستماع للراديو .. ولكن بمجرد ماتصل عقارب الساعة السابعة بالضبط كأن محطة القطار أعلنت "حالة طوارئ" فلا نجد ما يوحي بوجود تلك الكمية من البشر.. فدقة القطارات ومواعيدها؛ ودقة اليابانيين في احترامها.. توحي لك مدى إلتزام اليابانيين. وذلك ما لاحظته في إحدى المرات مع المرافق، عندما كان لنا موعد مسبق مع عميد جامعة الأممالمتحدة بطوكيو؛ فإذا وصلنا خمسة عشر دقيقة قبل الموعد!! فإذ بالمرافق يطلب مني دخول المكتبة والإطلاع على العناوين الجديدة نظراً للوصول المبكر للموعد؛ أي خمسة عشر دقيقة؟! فالوقت واستثماره لصالح الفرد؛ ذلك من أحد أسرار الصعود؛ وللبنات سمات مشتركة مع بعض البلدان الأخرى ( سنغافورة-المالديف ). ومن المواقف التي رسخت في هني أثناء زيارتي لليابان وهو زيارة مراكز أو مساجد إسلامية ولعل أقدم مركز إسلامي وهو المسجد التركي المبني بالهندسة والنمط الياباني والمرتدين إليه غالباً إما طلبة أو المسلمين المتزوجين باليابانيات؛ كما أن المسجد "مفتوح" لا توجد تفرقة بين مصلى الرجال والنساء؛ ويحتوي على مكتبة وقاعات محاضرات فهو مبنى من ثلاثة طوابق، كما يوجد مركز آخر يسمى بالمركز السعودي وذلك حسب البلد التي يبنيه أو يرعاه. ورغم ذلك فإن المسلمين اليابانيين هم من الأقليات المنسية في بلد تغلب عليه الديانة البوذية؛ أين الأمبراطور يحتل مكانة مقدسة. وأثناء تواجدي باليابان كانت لنا بعض النشاطات الفكرية والعلمية سواء مع جامعة صوفيا أو طوكيو أو مركز دراسات شمال أفريقيا الشرق الأوسط التابع للخارجية اليابانية، فقمت بمحاطرة حول التطورات الدستورية والتشريعية في الجزائر؛ وذلك بحضور لفيف من رجال الأعمال وكبرى الشركات المستثمرة بالجزائر.. فالمال جبان كما يقال؛ أي الياباني صاحب رأس الأموال قبل أن يستثمر أمواله؛ عليه أن يدرس ويتدارس المحيط الذي سينمو فيه رأس ماله؛ كما قد تلاحظ أن أغلب الأسئلة كانت ذات طابع استشرافي مستقبلي فكان الإمتحان عسير وصعب؛ نظراً لإختلاف العقليات وطريقة الطرح.. وتغليب أحياناً الجانب الإقتصادي والبرغماتي الآني فالعقلية اليابانية الإيجابية قد لحظتها مع مرافقي أثناء سؤاله كم من كيلومتر المسافة تبعد بين طوكيو وأوساكا؟ فأجابني أن طريقة طرحك للسؤال خطأ!! فأفظل أن تقول كم من ساعة تفرق بين المدينتين لأنه من الناحية النفسية لو قلت لك في حدود 500 كلم ستتعب نفسياً وستصعب السفر مسبقاً. ولكن إن قلت لك في حدود ساعتين ستتوكل وتعتزم للسفر. وهذا حسب اعتقادي السر الثاني لنجاح الإقلاع التكنلوجي والعلمي والحضاري في اليابان؛ وهي النظرة الإيبجابية للأمور؛ وعدم استصعابعا بل استصغارها رغم مشقتها. وأثناء أخذك القطار مع المواعيد المسبقة للتوقف قد تتأكد لك الفكرة المسبقة حول دقة المواعيد. واليابان هي من الدول القليلة التي جيوشها تم تحديدها على أساس جيوش دفاعية وليست هجومية بموجب مادة من الدستور، ذلك كإرث لتابعات الحرب العالمية الثانية ومحاولة لتقليص التواجد الياباني؛ لذلك أثناء الغزو والتحالف سواء للعراق أو أفغانستان قد أحتدم النقاش في اليابان حول مدى مخالفتهم للدستور لكون الجيش محدد دوره مسبقاً على أساس دفاعي وليس هجومي. وذلك ما حاولت استيضاحة أثناء مقابلتي لرئيس الهيئة اليابانية لتعديل الدستور؛ وأثناء زيارة للبرلمان الياباني ولجنة حقوق الإنسان. كما أنك أثناء تجولك للمحلات؛ وبالأخص اللإلكترونية أو تريد اقتناء بعض الأغرض منها؛ الملاحظ فإنه جميع المقتنيات اللإلكترونية صنعت وفق المواصفات اليابانية ؛ فبالنسبة للأجانب فهو غير ممكن للشراء وغير صالحة صالحة بل توجد عمارة واحدة وذلك في الشارع الخاص بالأغراض اللإلكترونية مخصص للتصدير للأجانب... وذلك طريقة أخرى من العبقرية اليابانية للحفاظ على المنتوج المحلي. هذه بعض معالم الحياة اليومية في اليابان‘ كما أنه منذ قدومي لم أشعر بوجود زلازل وعدم وجود الردات الإرتدادية لكون المباني كلها مبنية وفق هذه الخاصية والمواصفات فالسؤال المطروح أخيراً.. متى نصل إلى هذه الدرجة العهليا من التنظيم والتطور التكنلوجي؟ وأنني أترك القراء الإجابة على ذلك.