بين ليلة وضحاها، وجدوا أنفسهم بدون مأوى ولا مؤونة، بعد أن هدمت السيول منازلهم وجرفت كل ما يملكونهم ، فأضحوا بدون مأوى ولا مأكل ولا حتى أغطية تقيهم من البرد، أو ألبسة تحمي أجسادهم، ناهيك الشعور بالخوف والرعب الذي عاشوه بعد أن حاصرتهم المياه من كل جانب. أكثر من 100 عائلة شردتها الفيضانات التي ضربت بقوة ولاية المسيلة بداية الأسبوع المنصرم وخلفت قتلى و مفقودين ما يزال البحث جاري عنهم، كما أتت على المساحات الزراعية وخلفت خسائر في المنشآت القاعدية حيث كان قطاع الأشغال العمومية المتضرر الأكبر إلى جانب خسائر مادية أخرى معتبرة قد يتم الكشف عنها لاحقا، الشروق اليومي زارت بعض تلك العائلات المنكوبة واقتربت منهم ونقلت معاناتهم. والبداية كانت من دار الرحمة التي استقبلت 38 شخصا، من بينهم عائلات وأطفال ونساء من قاطني قرية الرقايق التابعة لإقليم بلدية خطوطي سد الجير، التي تقع على بعد حوالي 80كلم شمالي غرب المسيلة، والتي كانت محاصرة بالسيول بفعل ارتفاع منسوب مياه وادي اللحم، الذي يعبر المنطقة، وخروجها عن حافتي الوادي، الأمر الذي لم يجد معه قاطنوها من ملاذ سوى أسطح المنازل للاحتماء من خطر المياه، وهو ما استدعى تدخل قيادة الجيش الوطني الشعبي الذي خصص4 مروحيات لإنقاذ وإجلاء 29 شخصا كانوا محاصرين في تلك المنطقة، موازاة مع تدخل مصالح الحماية المدينة، التي تمكنت من إنقاذ 15 آخرين من نفس المنطقة. أحد أولئك المتضررين روى لنا لحظات الخوف والرعب التي عاشها هو وعائلته عندما حاصرتهم مياه واد اللحم الذي ارتفع منسوبه وامتد إلى مساحات كبيرة على حافتيه أغرقت كل القرى المجاورة له وكيف كاد يقتلهم البرد والأمطار الغزيرة التي كانت مصحوبة بعواصف هوجاء ورعود وأضاف أن السيول الجارفة أتت على كل ما يملكون من مئونة وملابس مما أجبرهم على الصعود إلى أسطح منازلهم ليلة بأكملها بدون أكل أو شرب حتى لا يكون مصيرهم كمصير ما كانوا يحتفظون به من أكل وما يملكونه من أثاث وغيره وقد قال بتعبير عامي وبحرقة "الحملة ما خلات فينا ما خلفت" هذا ما عاشه سكان دوار الرقايق وحتى الدواوير المحيطة بواد اللحم والقريبة منه. كما روى لنا ذات المواطن كيف أنهم لم يشعروا بالأمان إلى بعد توقف الأمطار وتحسن الأحوال الجوية ومن ثم قدوم مروحيات الجيش الوطني الشعبي التي ردت إليهم أرواحهم وقامت بانتشالهم من على أسطح المنازل. وقد ذكر لنا القائمين على دار الرحمة أن الوضعية التي قدم عليها هؤلاء المواطنين الذين تم إجلائهم هم وعائلاتهم كانت تدعوا للشفقة وتثير المشاعر خاصة وأنهم كانوا في حالة يرثى لها وجوههم شاحبة وملابسهم رثة وبعضهم شبه عاري وقد تم استقبالهم من طرف والي الولاية وإيوائهم في دار الرحمة أين يؤمن لهم المبيت والمأكل حتى يتم التكفل بهم بشكل نهائي أو إعادتهم إلى منازلهم إذا أمكن ذلك وقد ذكروا لنا أن البعض منهم قد غادر فعلا دار الرحمة بعد أن أجبرتهم حالة التصدع والانهيارات التي نالت مساكنهم على مغادرتها في اتجاهات متفرقة، فقد فضلت بعض العائلات الاحتماء بمساكن الأقارب فيما لا يزال البقية ينتظرون مصيرهم المجهول خاصة في غياب العمليات التضامنية التي كان من المفروض أن تكون حاضرة في مثل هذه الحالات سيما وأننا في شهر رمضان شهر الرحمة لكن يبدو ان الرحمة قد انتهت من قلوب المسئولين وحتى من قلوب الناس هذا ناهيك عن الغائب الأكبر المتمثل في لجنة الهلال الأحمر والحركات الجمعوية الأخرى الناشطة في المجال الاجتماعي والخيري. وقد سجلت الأجواء التي جاءت في أعقاب الفيضانات وما خلفته حضور الولاية التي قامت بجلب أغطية ومئونة ل 100 عائلة يفترض أنها كانت المتضرر الأكبر، أما المصالح البلدية والدوائر فقد اكتفت بالتفرج من بعيد على الأجواء، أما حسب مصادر من مديرية الصحة فقد كشفت هذه الأخيرة عن مشاركتها في مساعدة المنكوبين والمتضررين من الفيضانات خاصة من الناحية النفسية حيث تم تخصيص 3 سيارات جالت المناطق المنكوبة ولعبت دورها في مساعدة العائلات التي أنهكها التعب والخوف خاصة من الناحية النفسية. منكوبو الكوش ساخطون وينتظرون التكفل ما تزال حوالي 60 عائلة تقطن بالأحياء الواقعة بمحيط واد القصب والمتضررة أكثر من التقلبات الجوية والأمطار الطوفانية والتي تتسببت فيه ارتفاع منسوب مياه الوادي بعد أن تم فتح صمامات سد القصب وهو ما أدى الى هدم عدد من تلك السكنات الطوبية خاصة الواقعة في حي الكوش في الجهة المحاذية للوادي والتي تحول عدد منها إلى دمار، بينما غمرت مياه الأمطار التي تهاطلت بغزارة لليلتين متتاليين وبكميات كبيرة ليلة السبت الماضي حتى وصل منسوب المياه فيها داخل المنازل حسب أحد ساكني الحي إلى 1.5 متر. هذا الوضع الذي اجبر 34 عائلة من العائلة إلى اقتحام مدرسة الرجاء بوسط المدينة هروبا من خطر المياه للمبيت فيها قبل أن يتم إخلائهم منها في اليوم الموالي باستعمال قوات الأمن حتى يتمكن التلاميذ من مزاولة دراستهم بشكل عادي. اما العائلات المنكوبة فقد عادت إلى منازلها التي تحولت إلى أطلال ليواجهوا بعدها ظروفا صعبة. وقد عبر بعض من هؤلاء "للشروق" عن بالغ غضبهم من غياب لجنة الهلال الأحمر التي بقيت أبوابها مغلقة في وجوههم في مثل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة، وقد ذكر بعضهم أنهم لم يجدوا اي يد مساعدة تمد لهم حتى وان كان لتوفير بعض المواد الاستهلاكية للعائلات المنكوبة، وبأن الإدارات الوصية تهربت من مسؤولياتها واكتفت بتسجيل أسمائهم سواء على مستوى البلدية أو الدائرة التي ذكرت لهم أنه سيتم النظر في وضعيتهم وإعادة إسكانهم إن أمكن، وفي خضم ذلك كله يبقى الفقراء الذين لم يجدوا من ملجأ لهم، عرضة للتلاعب وأبناؤهم عرضة للأمراض التي تصحبها تراكم بقايا ومخلفات السيول الجارفة من فضلات قد تتحول إلى كارثة بيئية تهدد حياتهم. أحد المواطنين روى لنا: "أن ما مروا بهم هذه المرة كان أمرا مروعا لم يشهدوا لهم مثيلا حتى في الفيضانات التي اجتاحت المنطقة سنة 1994 وقال أنهم هربوا من خطر المياه ليجدوا أنفسهم في مواجهة الأمر الواقع لوحدهم من غير أن تكلف الجهات الوصية نفسها عناء مدهم ببطانية تقيهم قساوة البرد أو حساء ساخنا يوصل الدفء إلى دواخلهم التي أنهكها المبيت ليلا في العراء في عز العاصفة وخاصة وهم في شهر رمضان. السيول أتت على الممتلكات وتحرم عروس من جهاز عرسها كانت تستعد ليوم زفافها بعد عيد الفطر مباشرة قبل أن تفاجئها وعائلتها السيول التي غمرت المنزل وتسببت في إتلاف ما كل يملكونه من مئونة ومواد استهلاكية وأثاث وأجهزة كهر ومنزلية، حتى جهاز عرسها لم يسلم من نفس المصير المؤلم لكن لسان حالها كان يقول: "كا شيء يعوض الا الأرواح لا تعوض"، عائلة العروس التي فقدت الكثير خلال هذه الكارثة لم تكن المتضررة الوحيدة فقد أدى ارتفاع منسوب المياه إلى إحداث خسائر مادية معتبرة بالعديد من المنازل والسكنات خاصة بحي الصومام بعين الحجل والداووير الواقعة بذات البليدة كدوار أولاد سويب. وحسب بعض المواطنين فإن مناطق بأولاد ماضي وأولاد عبد الحق معزولة نتيجة لارتفاع منسوب وادي القصب كما علمنا من مواطني سيدي عيسى وسيدي هجرس أنهم قد قضوا الليل فوق أسطح المنازل التي وصلت المياه بداخل بعضها إلى أزيد من متر، وهذا الوضع عرفته ايضا عائلات ببلدية اولاد منصور والمسيلة وذراع الحاجة... طرق المسيلة تتحول إلى مسالك للموت كادت أن تتسبب الفيضانات التي اجتاحت المسيلة أن تحول هذه الأخيرة إلى جزيرة معزولة تحاصرها المياه من كل جهة وأصبحت تقريبا كل المنافذ إليها مسدودة بعد أن تهدم عدد من الجسور وتصدعت الطرقات خاصة فيما يتعلق بالجهة الشمالية الغربية والجنوبية فقد أدى ارتفاع منسوب مياه الأودية الواقعة في محيطها إلى سد عدد من الطرقات الوطنية وشل حركة المرور وعزل العديد من المناطق النائية وقاطني ضواحي وحواف الأودية وقد تنقلت الشروق اليومي إلى بلدية المعاريف الواقعة على مستوى الطريق الوطني رقم 08 الرابط بين المسيلة وبوسعادة أين تسببت السيول التي تتجه لتصب في شط الحضنة إلى انهيار الجسر المتواجد بدوار الدحادحية والذي لا يزال مغلقا في وجه حركة المرور إلى غاية الآن. وحسب العديد من مستعملي هذه الطرق كطلبة الجامعة الذين كانوا يتنقلون إلى عاصمة الولاية لاستكمال عملية التسجيل فإن السفر عبر هذه الطرق أصبح يشكل بالنسبة لهم كابوسا نظرا لتصدع الطرق وارتفاع مستوى المياه الذي مازال يسد الطرق ويجعلها صعبة السير وكثيرة الانزلاقات بل وخطيرة جدا، ورغم مأساوية الوضع إلا أن هذا لم يمنع أصحاب الحافلات وسيارات الأجرة استغلال ذلك لصالحهم بمطالبة المسافرين بالأسعار التي تناسبهم لإيصالهم عبر منافذ أخرى مفتوحة.وقد كشفت حصيلة الدرك الوطني عن تسجيل ما لا يق عن 6 طرق وطنية وولائية مقطوعة بسسب الامطار وفيضان الأودية وهو ما تسبب في تصدع العديد من تلك الطرق ولان قوة المياه كانت كبيرة جدا فإن عددا كبيرا من الجسور انهار خاصة تلك التي هي في طور الانجاز. الأمطار الطوفانية هاته لم تتسبب في خسائر فقط في قطاع الأشغال العمومية بل إن قطاع المياه والكهرباء حيث أدت السيول إلى جرف عدد من القنوات الرئيسية للمياه الصالحة للشرب وتوقف عدد من الآبار عن الضخ. كما انقطعت الكهرباء في العديد من المناطق بسبب سقوط الأعمدة الكهربائية حيث عاش الكثير من سكان تلك المناطق في ظلام دامس ذاق به ذرعا مواطنو بلدية محمد بوضياف الذين خرجوا عن صمتهم وقاموا باقتحام مقر البلدية وتكسيره وحرقه عن آخره وسرقة الكثير من الأجهزة التي كانت داخل المكاتب. هل يصدق القول: "المسيلة يديها السيل" هذا القول كانا سائدا قديما وما زال يذكره بعض الكبار وحتى الصغار اليوم اقتنعوا به خاصة بعد الكارثتين الأخيرتين اللتين ضربت فيهم الفيضانات بشكل قوي ولاية المسيلة وحولت جزء منها إلى دمار وخراب وسجلت خسائر كبيرة في الأرواح وفي البنية التحتية للولاية. وما يمكن أن يشعل هذا القول منطقيا فعلا هو وجود المسيلة ومنطقة شط الحضنة كمصب نهائي لحوالي 13 واديا من ولايات أخرى ناهيك عن الأودية المتواجدة في ترابها وهو الأمر الذي يهدد فعلا اذا ما استمرت الأمطار فترات أكبر بكارثة حقيقية قد جعل المسيلة في خبر كان إذا ما حاصرتها المياه من كل جانب وخاصة إذا ما ارتفع منسوب سد القصب إلى أكثر من المرتين الأخيرتين حيث تم فيها استقبال كميات هائلة فاقت 980 متر مكعب في الثانية وأدى فتحه إلى التسبب في خسائر مادية معتبرة تمثلت في انهيار العديد من المنازل وإتلاف مساحات من الأشجار المثمرة وأدت إلى هلاك عددا من الرؤوس. لكن في كل مرة هذه الأمطار والفيضانات تفضح حشاشة الانجاز وغش مقاولات الانجاز وسوء التخطيط من طرف الإدارات. وقبل أن تحدث الكارثة فعلا وتصبح المسيلة في يوم من الأيام كأنها شيئا لم يكن خاصة وأنها أيضا في منطقة مهددة بالزلازل لابد من وجود حلول جدية لحمايتها من هذا الخطر القادم. هدى عاشور