أ.د/ أوصديق فوزي [email protected] لبنان ... بلد أشجار الأرز... ملتقى الحضارات ..... قد تزور البلد لأول مرة ، قد تسحر بجمال بيروت وأنت نازل من الطائرة ، قد تلتطم في مخيلتك العديد من الذكريات سواء الخاصة بلبنان أو الخاصة بمصير القضية الفلسطينية وتجربتها وتدعيتها التي كانت لبنان جزءاً فيها . أثناء إستضافتنا بفندق رادسيون ساس ببيروت وبعد إقامتي ادركت انني كنت على بعد امتار من الخط الذي كان يفصل بين بيروتالغربيةوبيروتالشرقية أو بين القطاع المسيحي والقطاع المسلم ؛ فبعض العمارات و آثار الأسلحة المستخدمة شاهدت عن هول الحرب الأهلية التي عرفتها لبنان الجريح ولكن إعتقادي أن التقسيمات التقليدية ( شرق – غرب ) تجاورها الزمان ولم تعد كذلك ... بل ظهرت تقسيمات من نوع آخر أملتها التدخلات الخارجية للعديد من العواصم للأسف الشديد ... و أثناء زيارتنا إلى لبنان في إطار عمل إنساني وأكاديمي قد تلاحظ أن دولة عربية ولكن بمواصفات أوروبية بإمتياز سواء في بيروت أو الجبل أو طرابلس . ففي المنطقة الجنوبية لبيروت مثلاً قد يختلط عليك المكان نظرا للتشابه الجلي بين المنطقة الجنوبية وجنوب منطقة طهران من حيث الشعارات وانتشار الحسينيات ؛ فالمنطقة الجنوبية فعلا معتقل لحزب الله ، وبالمناسبة أثناء زيارتي لطرابلس قد يوجد فيها " دوار" يعرف بدوار " الله " وله تاريخ أثناء الحرب الأهلية التي عرفتها لبنان، فلبنان قد يكون صغير من حيث رقعته الجغرافية ولكن كبير بتاريخه وطموحاته وآماله في العيش ولكن للأسف الشديد فإن البلد منذ نشأته ، لم يستطع أن يستقل سياسيا واقتصاديا من الناحية العملية وذلك بحكم صغر مساحته وعدم كفاية موارده واختلاف التوجهات السياسية لشتى طوائفه و أحزابه فبقي تابعا لفرنسا سياسيا واقتصاديا حتى منتصف السبعينات ، ثم صار جبهة حروب أهلية ومنطقة صراع سياسي لكيانات سياسية خارجية للأسف الشديد ... وذلك قد أثار سلبا أو إيجابا كذلك على بعض السياسات الإنسانية في المنطقة فلا ننسى أنه توجد ما لا يقل عن ثلاثين منطقة خاصة باللاجئين الفلسطينيين . أثناء تجولك في بيروت قد تنبهر بمنطقة " سوليدار " الواقعة في قلبه فكانت حطام ولا حياة فيها ؛ منهكة من الحروب الأهلية ؛ فاستطاع " الحريري الأب " بعبقرياته أن يعيد فيها الحياة ؛ ويجعلها قبلة للسياح ؛ ومنطقة ذات طابع تقليدي تحكي تاريخ لبنان العربي والإسلامي . وقد تربطني بلبنان الشقيق والجريح العديد من العلاقات ابتداء من الشيخ سامي الدحداح رئيس الصليب الأحمر اللبناني ؛ فكنت أضنه مسلم ... ولكن هو مسيحي فكلمة " الشيخ "في لبنان ، يعني انتمائه لعائلة الأعيان والأرستقراطيين فقد عمل الكثير من أجل تخفيف الآلام نتيجة الهزات العديدة التي عرفتها لبنان ؛ وإننا نكبر دور الصليب الأحمر اللبناني المتناهي بالأخص أثناء الاعتداء الإسرائيلي الأخير ذهب من خلالها العديد من المتطوعين وهم يؤدون عملهم الإنساني، كما اني اعتز بالعديد من الصداقات في الجامعة اللبنانية والتي أعتبرها من أحسن الجامعات من حيث التكوين ، والرزانة العلمية وجدية الأطروحات المناقشة في هذا الشأن . وأثناء احتكاكي مع الشعب اللبناني توصلت إلى قناعة، وهي أن لبنان مخرجه الوحيد والأوحد هو " التوافق " فيوجد مالا يقل عن 18 طائفة متداخلة في تحالفات أحيانا غير طبيعية أو ما يعرف شرعا عبارة عن " زواج متعة " تربطه المصالح الظرفية ولذلك الاحتقان الحالي بين الفرقاء اللبنانيين يضم في كلا الطرفين مسيحيين ، مسلمين ( شيعة وسنة ) ، دروز...إلخ ، لسبب وهو اختلال قاعدة التوافق وعليه قد توجد قاعدة عرفية دستورية في لبنان على أن يكون رئيس الجمهورية مسيحي، ورئيس الحكومة مسلم سني ، ورئيس البرلمان مسلم شيعي . فلبنان كذلك هو لبنان الحضارة والتراث يحتوي على معالم ترقى إلى أطناب التاريخ وأقصاها في الزمان . من هنا اهتمام السياح بهذه المعالم التي تضمها مجموعة من المتاحف على كامل الأراضي اللبنانية وهي عديدة وعديدة جدا ؛ فلا تخلو منطقة في لبنان من الفسيفساء أو السيراميك التي تمثل حقابات تاريخية مختلفة ( البرونزي ، الحديدي، والسلنستيل ، الروماني ، البيزنطي ، وفترات الفتح الإسلامي والعربي حتى العصر المملوكي ... وأثناء زيارتك لمختلف " العوائل " اللبنانية قد تلاحظ أنه لا يخلو بيت عن لبنانيين المهجر سواء في إفريقيا أو الأمريكتين ، وذلك قد لحظته جليا أثناء مختلف زيارتي للعديد من البلدان ؛ ففي أقصى الدول وأبعادها لا تخلو تلك الأماكن عن "المطاعم اللبنانية " فالجالية في الخارج قد تقترب من حيث التعداد السكاني مع البنانيين الداخل ( السكان ) ؛ وقد يفهم هذا النزوح نحو الخارج على أساس أن الدم الإفنيقي مازال يجري في دماء اللبنانيين فالحقبة التاريخية تؤكد أن الفنيقيين الذين كانوا من أشطر التجار في البحر الأبيض المتوسط ؛ بل امتد إلى باقي القارات الأخرى ؛ وهذه القوة الخفية التي تجعل لبنان واقفا ولم يسقط. فأثناء تواجدي في لبنان قدمت محاضرة حول القانون الدولي الإنساني كما كانت لنا بعض النشاطات الإعلامية . وأخيرا لا تختم هذه الحلقة حول لبنان دون ان نذكر بعض الشعراء والأدباء والفنانين الذين مثلوا لبنان وعروباته ومن بينهم " جبران خليل جبران ، ايليا أبو ماضي ، سعيد خليل ، منصور الرحباني ، فيروز ، وديع الصافي ، .... والقائمة قد تطول . وقد تلاحظ ذلك في بيروت ؛ أو طرابلس أو من خلال انتشار المكتبات وبائعي الكتب وهذا مؤشر عن المستوى الثقافي للبنانيين ولذلك فإنه توجد العديد من دور النشر من الأب إلى الجد أي مكتبات عائلية ... فحتى أثناء أحنك المراحل السوداء التي مرة بها لبنان لم تتوقف هذه المطابع في دورها الإشعاعي والتنويري، وقد اعتبر لبنان من أجمل الدول التي زرتها على مستوى البحر الأبيض المتوسط ؛ فجبالها تذكرنا بجبال جبيل الشامخ الذي يدخل في البحر - وذلك قياس مع الفارق - دون أن ننسى مينائها التاريخي " بيبلوس " الذي يحتوي عن مطاعم زاره من أشهر الشخصيات.