من الدول الأوروبية التي أثارت اهتمامي للعديد من الأسباب سواء من حيث النظافة، أو من حيث جمال الطبيعة، أو من حيث الطبيعة المسالمة للسكان، فأثناء وصولي لمدينة امستردام وأنا مصدوم بدقة النظام وجمال المدينة، وإذ أنا على الرصيف دون أنتبه أنه يوجد خطين.. تمر عليه العجلات وإذ بكل واحد يشير لي.. دون أفهم ذلك.. بعد ذلك تفطنت انني المعتدي على حقوق الآخرين رغم أنني كنت في الرصيف بحكم أن الممر مخصص للعجلات.. فلا غرابة بحكم أننا في الجزائر لم نتعود على دقة النظام والصرامة... وسر تسمية هولندا قد يرجع لمنطقتين تم توحيدهما في الأراضي المنخفضة وقد تم انشاء الدولة سنة 1840م... ومما زادني اعجاباً بالبلد أنني اشتغلت مع الملكة مارڤريت شقيقية ملكة هولندا في لجان وضع دستور الإتحاد الدولي للصليب الأحمر... وكانت لدينا العديد من اللقاءات في بعض العواصم الأوروبية لمدة أزيد من سنة.. لمست منها التواضع... وسعة الفكر... وعدم وضع الحواجز الاصطناعية في التعامل معها... رغم أن مكانتها قد تقتضي ذلك... وحتى حراسها الشخصيين لما يرافقوها يحاولوا أن يكونوا غير مرئيين أو لا يشدوا الانتباه... وسر تسمية هولندا يعني الأرض المغطاة بالنبات أو المشجرة... وعاصمتها امستردام.. ومن أهم المدن الأخرى أخص بالذكر مدينة روترادام وقد تسحر بجسرها المتحرك... والذي يعتبر تحفة معمارية.. والوحيد عالمياً الذي له المواصفات المتحركة بحكم الطبيعة الجغرافية والمناخية التي تحتم ذلك.. ونظراً لطبيعة الأراضي المنخفضة على سطح البحر تم إنشاء سدود على السواحل للتصدي لبعض الموجات العاتية... وبعض الأعاصير البحرية - لا قدر الله - مستقبلا. وتسحر بجمال طبيعة هولندا الخلابة، فهي مشهورة بأراضيها الزراعية وأبقارها التي يعتني بها الهولنديين إلى حد كبير وذلك ما تم ملاحظته أثناء تجوالي في المناطق الريفية... وقد اعتبر الدولة الهولندية دولة للمجتمع المدني لما لهم من تجربة طويلة وباع طويل في ترقية وتعزيز المجتمع المدني، فأغلب السكان ينعمون بالسلام والاستقرار والتقدم والضمان الاجتماعي المتميز... وقد توجد العديد من الجاليات الاسلامية القادمة من العراق وبالأخص الأكراد أو المغاربة، وكلهم استطاعوا أن يندمجوا ويكونوا جاليات اسلامية في هذه الدولة... وانني قد لا أتكلم عن هولندا دون أن أعرج على جائزة السلام "نوبل" والتي توحي بالعديد من المغازي عن السياسة الخارجية في هولندا المبنية على دعم أواصر الإخاء والسلام والأمن... ولكن بالرغم من ذلك فإنه يوجد تيار متطرف في حالة تنام له جذور عنصرية وأفكار مضادة لتواجد الجاليات واستقبال اللاجئيين، بحكم أن الدولة أرض للإستقبال منذ القدم. وأغلب الهولنديين يتكلمون اللغة الألمانية وقد تختلف لهجاتها من منطقة لأخرى... ومن أجمل المدن الهولندية التي زرتها مدينة لاهاي مقر محكمة العدل الدولية، ويوجد فيها معهد عالي متخصص في العلاقات الدولية والقانون الدولي، ويحتوي على مكتبة اعتبرها - حسب قناعتي - من أعرق وأغنى المكتبات التي شاهدتها ولذلك نلاحظ ان المؤسسات المتواجدة في هولندا، كلها تخدم نهج السياسة العامة المتبعة، وهو تشجيع السلم والأمن الدوليين... وقبل دخول هولندا إلى المنطقة الأوروبية واعتماد اليورو في التعامل المالي، كانت لهم عملة تسمى "بالفلوران"، فعملاتها الورقية كانت تثير إعجابي للرسومات؛ وكأنها برواز متنقل بين الأيادي والتجار وفي جميع التعاملات اليومية؛ وذلك يوحي لجانب آخر للثقافة الهولندية التي تعشق الفن والمسرح والأوبرا وغيرها من الفنون الجميلة... وذلك مؤشر آخر عن المستوى الثقافي السائد في المجمتع الهولندي... وبعد تعداد هذه المحاسن وهي عديدة وعديدة جداً... ولكن العيب الوحيد.. والذي أعتبره مستقبلاً قد يهدد التماسك الإجتماعي.. وقد ينخر مقومات المجتمع... هو السماح قانوناً بإقتناء كميات محددة لبعض المخدرات.. لذلك العديد من الأفراد قد يأتون من أوروبا إلى هولندا للتمتع بهذه الحرية والاقتناء... رغم - التشديد أحياناً - ولكن بدون جدوى... فهذه الحرية المطلقة قد تمتد لبعض الممارسات التي قد تخدش وتتعارض مع الأعراف والعادات السائدة في العالم الإسلامي والعربي... ومن الناحية الجغرافية يمكن تحديد هولندا في أقصى بحر الشمال ولذلك لما تأتي الشمس أو دفء في الحرارة... يعتبر عيد بالنسبة إليهم... نظراً لكون أنهم خلال السنة الميلادية يعيشون تحت الضباب والسحاب والأمطار... وهولندا تشتهر بصناعة الذهب وتوجد فيها جالية يهودية معتبرة، ونافذة ومتحكمة في الإقتصاد والمال والبنوك... فبعض الفرق المشهورة كأجاكس امستردام "ذات نزعات يهودية"، وقس على ذلك العديد من المؤسسات الأخرى... وقد ساعد حسب اعتقادي هذا التغلغل في العديد من مفاصل الإقتصاد والمال بحكم مخلفات الحرب العالمية الثانية، وقرب هولندا من ألمانيا... وكذلك دهاء اليهود في الاستفادة من النكبات والاخفاقات وجعلها انتصارات. وفي الأخير فإن هولندا رغم هذه المساوئ حسب قناعتي - وقد لا يوافقني البعض - اعتبرها وصلة للتعايش والاستقرار والأمن الإجتماعي والسياسي. oussedik@hotmail.com