قادة بن عمار يخطئ من يعتقد أن ما يقع في البلاد هذه الأيام وما تحدثه الانتخابات من مفعول سحري على العباد، هو دليل على الديمقراطية والحراك السياسي الايجابي، بل على العكس من ذلك تماما أصبح لزاما قياس مدى وصول أي دولة لتحقيق مشاركة شعبية أوسع في الفعل السياسي أو تسيير الشأن العام من خلال انتخاباتها المحلية المبينة لحجم التسيير القاعدي في النظام، والذي أثبتت التجارب كلها رداءته وأنه تسيير مشوّه يتنفّس بالفساد والرشوة والمحسوبية. في كل بلدان العالم، أصبح المير عندهم يحلم أن يصعد في سلّم السلطة إلى الرئاسة دون أن يقول له أحدا (كفاك أحلاما وهمية وتوقّف عند حدود منصبك)، لأن هذه الزعامات العالمية أو بعضها على الأقل تخرّج من رحم التسيير المحلي بدءا من أحمدي نجاد الذي سيّر بلدية طهران، إلى جاك شيراك الذي تولّى مهام بلدية باريس، وكلاهما نجحا في الوصول إلى أهم المناصب انطلاقا من نجاحهما الأول في الاحتكاك بالقاعدة، أما الأميار عندنا فيترشحون بالشكارة والولائم ويكسبون الدعم بالزردات والعلاقات، ثم ينجحون بالوعود المغلّفة بالأكاذيب ويصبح حلم الواحد منهم أولا الحصول على رأس القائمة، ثم الفوز بعهدة واحدة، قبل أن يطمح للبقاء والتعمير فيها، هذا إذا لم تتكفل به الجماعة التي رشحته ورمت به في أقرب مؤسسة عقابية بتهمة النصب والاحتيال ! الفرق بين أميارهم وأميارنا، ليس في البرامج فقط أو المبادئ، فيا ريت الأمر توقف عند ذلك الحدّ وكفى، ولكنه امتد إلى الهوية السياسية التي تبدو واضحة المعالم والحدود أمّا هوية المترشحين وأشباه المناضلين والمتحزبين عندنا فباهتة وغامضة، وتحددها الرياح المصلحية، فيكون المرشح مثل الورقة (الريح اللي تجي تدّيه) مثلما يقال في الموروث الشعبي عندنا، ولاشك أن هذه الهوية الضائعة هي من تجعل البعض يعتقد أنه يترشّح ليكون جزءا من برنامج مسطّر لا يجوز الخروج عليه، فأصبح الجميع يطبّلون لفخامته ويزمّرون لبرنامج فخامته، رغم أن بعضهم لم يقرأ سطرا واحدا من هذا البرنامج، ولا يعرف منه إلا العناوين العريضة مثل الإنعاش الاقتصادي والمصالحة الوطنية زيادة على أنهم لا يستطيعون التفريق بينهما ! وإضافة للهوية المفقودة، تبرز أزمة الأميّة السياسية، و كم كان واضحا أن شرط الأفلان في ترشيح ذوي الكفاءات الجامعية لم يصمد طويلا أمام إغراءات الشكارة والمال السياسي الملوث بعرق "الزوالية"، مع التسليم سلفا أن كثيرا من النواب والأميار ضحكوا كثيرا لهذا الشرط لأنهم يدركون تماما أنه حتى الكفاءات الجامعية والشهادات أصبح سهلا شراؤها بالشكارة !