محمود معروف * الجرائد هي التي فجرت الفتنة بين الجمهور الجزائري والمصري * الرياضة وظفت لتمزيق الشعوب العربية الكاتب الصحفي والإعلامي المصري »محمود معروف« من أشهر النقاد الرياضيين على المستوى العربي، ولأنه شاهد على مسار كرة القدم العربية والإفريقية خلال أربعة عقود، التقته »الشروق«، فكشف لنا سر الصراع الكروي الجزائري المصري، وأبعاد وحقيقة قضية »لخضر بلومي« مع القضاء المصري، وسبل إنهاء أزمة شارفت العشرين عاما. = كيف كانت انطلاقتك مع الصحافة الرياضية؟ - ساهمت الصدفة في دخولي مجال الصحافة عموما، حيث كنت في زيارة أحد الأصدقاء وكان يعمل صحفيا بمجلة الإذاعة والتلفزيون المصرية، وأثناء وجودي هناك فوجئت بحيرتهم في قراءة التعليق على صورة انتقلت إليهم عن طريق إحدى الوكالات الأجنبية، وكان المكتوب عليها باللغة الألمانية التي سبق لي أن درستها، وعندما علم بذلك رئيس التحرير عرض عليّ العمل معه، بعدها انتقلت إلى جريدة الجمهورية حيث عملت بقسم الترجمة، وخلال عملي في هذا القسم طلب مدير التحرير أحد المحررين الذين يجيدون اللغة الإنجليزية لتغطية وصول بطل الدوري الإنجليزي إلى مصر ليلعب مباراة مع نادي الزمالك آنذاك، وتدخلت الصدفة من جديد في اختياري لأداء هذه المهمة، وتمكنت من إجراء تغطية شاملة لزيارة هذا الفريق الكبير إلى مصر، وأجريت مع أبرز نجومه حوارات، الأمر الذي نال استحسان رئيس القسم الرياضي بالجريدة، فطلب مني ترك قسم الترجمة والعمل معه في القسم، لتكون نقطة تحول كبيرة في حياتي جعلتني انتقل من مجال الترجمة الصحفية إلى العمل محررا ثم ناقدا رياضيا. = هل تذكر أهم حوار أجريته في حياتك المهنية؟ - الحوارات المهمة التي أجريتها كثيرة وعديدة، وأتذكر منها حوارا مع كوكب الشرق السيدة أم كلثوم، حيث ساعدتني الظروف من خلال أحد الأصدقاء الذين كانوا على علاقة بها في محاورتها، وعندما قدمت هذا الحوار لرئيس التحرير فوجئت به يمزقه ويلقيه في سلة المهملات ويتهمني بالفبركة الصحفية، وكان عمري وقتها في بداية العشرينات وأخطو خطواتي الأولي في بلاط صاحبة الجلالة، وكان الحوار مع السيدة أم كلثوم في هذا الوقت شيئا صعبا لا يسمح به إلا لقلة من رؤساء التحرير. وبرغم سعادتي بهذا الإنجاز في بداية مشواري الصحفي، إلا أنني تألمت لتصرف رئيس التحرير الذي عجزت عن إثبات حقيقة هذا الحوار له، حيث لم يكن وقتها قد تم اختراع جهاز الكاسيت الذي يستخدمه الصحفيون في تسجيل حواراتهم الآن، لكني أعطيته رقم هاتف سكرتيرة السيدة أم كلثوم ليتأكد من صدق كلامي، وبالفعل اتصل بها لتؤكد له الواقعة، فاستدعاني واعتذر لي وطلب مني إعادة كتابة الموضوع ليكون من أهم الحوارات في حياتي الصحفية. = وكيف جمعت بين العمل الصحفي والسياسي؟ - لديّ باع طويل في مجال الانتخابات، فقد بدأت حكايتي معها في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، عندما رشحت نفسي لعضوية مجلس إدارة نقابة الصحفيين ونجحت محققا ثاني أعلى نسبة تصويت في المجلس، بعدها خضت تجربة انتخابات نادي الزمالك عام 1992، وفزت فيها أيضا، وبعدها خضت انتخابات جمعية فناني وإعلاميي وكتاب الجيزة ونجحت فيها أيضا، وعلى الرغم من هذه التجارب الناجحة في مجال الانتخابات إلا أنني لم أفكر في خوض تجربة العمل النيابي والسياسي، ولم يدفعني لها سوى إلحاح أهالي دائرتي، فدخلت الانتخابات ممثلا عن الحزب الوطني وفزت فيها وحصلت على أعلى قدر من الأصوات على مستوى البرلمان بأكمله، وبدخولي البرلمان توليت نائب رئيس لجنة الثقافة والإعلام والسياحة وهو مجالي بحكم عملي الصحفي وبحكم عملي الأكاديمي في مجال التدريس، حيث أحاضر في كليات الإعلام والآداب بجامعات القاهرة وعين شمس والزقازيق. = أنت أحد الأطراف الهامة في قضية اللاعب الجزائري »لخضر بلومي«، فما هو تعليقك عليها؟ - لقد شغلت هذه القضية حيّزا كبيرا من كتاباتي وتعليقاتي، لأنها سابقة في الوسط الرياضي، فظاهرة العنف في الملاعب أصبحت أمرا متعارفا عليه عالميا، ورغم محاربتنا لها، إلا أنه يمكن تبرير أخطاء الجماهير، في حين لا يمكن أن نتجاهل هفوات اللاعبين الذين يفترض منهم أن يكونوا قدوة ومثلا أعلى، وحينما »اعتدى« اللاعب الجزائري الكبير »بلومي« على الطبيب المصري تعدى الأمر حدوده في نظر المصريين، حتى صنّفوا الواقعة على أنها إهانة دولة وشعب، وبالتالي نادى الجميع، وأنا منهم، بضرورة أن تأخذ العدالة مجراها، والتي بدورها جرّمت اللاعب وحكمت عليه، وطالبت الشرطة الدولية بالقبض عليه. = لكن اللاعب الجزائري تعرض لإهانات شديدة من قبل ذلك الطبيب، وأعتقد أن أي شخص حر لا يقبل مثل ذلك الأمر؟ - للأسف، هذا جزء من الروايات الملفّقة التي رافقت بل وضللت هذه القضية داخل الجزائر، ولعل ذلك كان بدافع كسب التعاطف الشعبي والرسمي، لكن الحقيقة غير ذلك تماما، ففي اليوم الذي وقعت فيه الجريمة، كان الطبيب رفقة زوجته وأبنائه، وذلك بشهادة الشهود. وحسب ما تم تسجيله في المحاضر القضائية، فهل يعقل لرجل أن يصدر عنه سباب وألفاظ خادشة للحياء في حضرة عائلته؟، حاولنا إيصال هذه الحقيقة للشعب الجزائري الشقيق، الذي عهدناه عادلا ومنصفا ولا يقف مع الظالم في وجه المظلوم، لكن كل محاولاتنا فشلت أمام تضليلات بعض الإعلاميين الذين لا تهمهم سوى الإثارة، حتى وإن كان على حساب مصداقيتهم وشرفهم المهني. = ألم يساهم الإعلام المصري أيضا في تضخيم الواقعة، في حين أن عشرات الوقائع المشابهة تحدث يوميا؟ - هذا الطبيب استضفته أكثر من مرة وزرناه في منزله، ولمسنا عن قرب مدى الخراب والضياع اللذين ألمّا به جراء فقدانه لبصره، لقد كان طبيبا ناجحا والمستقبل أمامه واعدا، وفي لحظة أصبح فقيرا معدما، تفتقر أسرته لأدنى مقومات الحياة، فطالت الجريمة أسرته الكبيرة التي يعولها، وكذلك أبناءه الذين حرموا من الحياة الكريمة، بعد أن أصبح عائلهم عاجز عن العمل، فهل هذا عدلا. = هناك أخبار عن اقتراب أجل غلق ملف القضية من جانب القضاء المصري، ما تعليقك؟ - لم أسمع بمثل هذا الأمر، فالقضاء المصري لا يغلق ملفا إلا بالطعن في التهمة وسقوطها، أو تنازل الطرف المعني عن القضية، وهذا لم يحدث حتى الآن، بل إن الطبيب يصرّ على استمرار الدعوى القضائية وإعادة حقوقه. = هل يعني ذلك انعدام الأمل في انفراج الأزمة؟ - لا أرى في نظري حلاّ لهذه المشكلة إلا من خلال خطوات حسن نية ملموسة من اللاعب بلومي، وذلك بتقديمه الاعتذار للضحية، وتعويضه التعويض المناسب، حتى يقبل الأخير التنازل عن الدعوى القضائية. لكن لا يجب أن يتوقف الأمر عند هذا الحد، فعلى الطرفي،ن »الطبيب المصري واللاعب الجزائري«، أن يظهرا سويّا أمام وسائل الإعلام ليعلنا تصافيهما وغلق صفحة الماضي، ليؤكدا أن الأمر كان مجرد مشاجرة بين شقيقين، وليس صراعا بين شعبين، وبالتالي تدفن الآثار السلبية التي تراكمت وأعقبت هذه الواقعة. = يقال إن القضية كانت أحد أسباب النزاع الكروي الحامي الذي تشهده اللقاءات الجزائرية المصرية، هل هذا صحيح؟ بالفعل، لكن ثمة عامل آخر يزيد من الفجوة بين الجمهورين الجزائري والمصري، هذا العامل هو الإعلاميون والمعلقون الرياضيون، الذين فقدوا كل أشكال الضمير الإنساني، فساقوا الروايات الكاذبة وضخموا الأمور، دون دراية منهم بأنهم يزرعون الفتنة بين الأشقاء، ويولدون العداوات بين الشعوب العربية. = هل تقصد هنا الإعلاميين الجزائريين؟ الجزائريين والمصريين على حد سواء، بل ومعظم نظرائهم العرب، فللأسف لعب ويلعب هؤلاء دورا عذرا في اللفظ مدمّرا ومحطما لوحدة وتلاحم النسيج العربي، ففي الوقت الذي ألّفت فيه الرياضة بين الكثير من شعوب العالم، نجد أنها زادت وعمقت الشرخ بين الأشقاء العرب، وذلك بالطبع على يد حفنة من الناس لا يفقهون شيئا عن المصداقية الإعلامية أو الشرف والأمانة التي يحملها القلم، فكان كل صحفي يذهب في بعثة رياضية رفقة فريقه، يعود للحديث عن المؤامرة وسوء المعاملة، وزجاجات الماء الحارق التي تقذف على اللاعبين، فيصبون الزيت على النار، حتى يأتي الضيف ليجد عشرات الألوف من المنتقمين والعدوانيين في انتظاره. وعلى الجانب الآخر يحاول إعلامي إنجاح برنامجه من خلال توجيه الاتهامات وسرد الأكاذيب، لاعبا على مشاعر الجمهور وزيدا للطين بلة، وهذا طبعا في ظل انعدام الرقابة الرسمية في جميع المحطات الأرضية والفضائية العربية وبالأخص فيما يتعلق بالرياضة. = هل يعني ذلك أن هناك سياسة مقصودة ينتهجها الساسة لاستغلال الرياضة في تمزيق الشعوب العربية خدمة لمصالحهم؟ - لا شك أن تفكك الشعوب العربية وتمزيق رايتها واستمرار حالة تنافرها تخدم الكثير من الأطراف في الداخل والخارج، لكنني لا أملك دلائل تشير إلى أن تلك السياسة آتية من الداخل أو الخارج، وأيّا كان الأمر فالنتيجة واضحة، وتستحق أن نقف أمامها بتأمل قبل فوات الأوان. = هناك خصوصية تكتسي اللقاءات الكروية الجزائرية المصرية، ترى ما تفسيرك لذلك؟ - هناك أشياء كثيرة تربط بين الشعبين المصري والجزائري، بدءاً من العرق الواحد، وامتدادا حتى التاريخ النضالي والكفاحي المشترك، فثورة التحرير الجزائرية تلاحم فيها المصري والجزائري في وجه الاستعمار، والصراعات العربية الإسرائيلية شهدت جبهة مصرية جزائرية موحدة، هذا فضلا على أن التركيبة النفسية والعاطفية متشابهة بين الطرفين، إضافة إلى بعض المشاكل التي أشرت إليها سلفا، كل ذلك جعل المباريات الكروية بين الفرق المصرية والجزائرية ساخنة بصورة أكبر من أي لقاءات أخرى، فالجزائري يريد إثبات ذاته أمام شقيقه المصري، وهذا الأخير يريد أن يظهر بصورة لائقة أمام شعب يحب مصر ويحترمها، لكن أعود لأقول إننا يمكننا أن نجعل من تلك اللقاءات الأقوى والأمتع في حال تحلينا بالمصداقية والأمانة المهنية. = ما رأيك في الكرة الجزائرية الآن؟ - الكرة الجزائرية غنية عن التعريف، فأبطال الجزائر رفعوا رؤوس العرب جميعا في الثمانينيات، ذلك العصر الذهبي الذي نتمنى أن يعود ويعيد الرياضة الجزائرية إلى سابق عهدها، فكم اشتقنا للفريق الجزائري، وكم اشتاقت الجماهير العربية والإفريقية لأدائه الممتع. أما الجمهور الجزائري فهو يستحق بدوره تحية إجلال وتقدير، لأنه جمهور وفيّ يقف وراء فريقه الوطني وفرقه المحلية في كل الظروف، وذلك ينمّ على أصالة ورجولة الشعب الجزائري، والذي لامست حبّه ووفاءه لأمته بعد فوز مصر بكأس الأمم الأفريقية بغانا، حيث انهالت الاتصالات من الجزائر تهنئ أشقاءهم المصريين بهذا الفوز، ففي لحظة الجد تناسى الجميع الخلافات الشكلية والظاهرية والتفّوا يداً واحدة، الأمر الذي يبشر بالخير ويقول إن أمتنا لاتزال بخير.