يذكر عددٌ من المؤرخين أن بلونيس لم يكن ليقاتل جيش جبهة التحرير الوطني، إلا بعد تأكده من أن مئات "المصاليين" مقتنعون بهذه الفكرة، وإن كنا صراحة لا نحجر على أفكار أي شخص في تلك الفترة الصعبة من تاريخ البلاد التي كان يجب أن يضع الإنسان فيها نصب عينيه فكرتين، وهما نعم لإخراج الاستعمار بالقوة والثانية إخراجه بطرق سلمية، فإن الحقائق التاريخية تبقى غامضة و صعبة، علما أن جيش بلونيس ظل يقاتل المجاهدين حتى بعد مقتله في جويلية 1958 . تؤكد الشهادات التاريخية بما فيها وثائق فرنسية رسمية أن جيش جبهة التحرير الوطني حاصر بلونيس في الفترة الممتدة بين 1957 و1958 وقام بعمليات قوية ضده في مناطق الولاية الرابعة حيث تولى "لخضر الطابلاطي" و"سي مراد" من جهة بوغار بالمدية وعميروش من جهة المسيلة وسي الحواس من منطقة الصحراء، وتولى هؤلاء محاصرة بلونيس وتم الاستيلاء على بعض الجيوب التي كان يديرها، ناهيك عن السيطرة الفكرية على أتباعه والتأكيد لهم أن بلونيس ومن معه لا يمثلون الثورة الجزائرية، وإنما يعينون فرنسا على بقائها في البلاد، وهو ما ساعد على فهم التعقيدات السابقة. وتحرر العديد من الجنود من بلونيس، حيث فر عدد معتبر نحو الجبهة، وهنا شعر الجنرال بالمحاصرة العسكرية والفكرية لاسيما في القبائل، في حين بدأت فرنسا تتنكر له، ما جعله يتنصل من مبادئ مصالي الحاج ورفض الانضمام إلى الثورة، ولم يعد يتحكم سوى في مئات الجنود من أصل 4 آلاف جندي وأحسّ الجنرال أنه خسر جبهة التحرير وفرنسا معاً، ما جعله يفكر في الخروج من الأزمة الحاصلة وتحدَّث لبعض ضبَّاطه قائلاً في اجتماع حضره عدد قليل منهم "فرنسا تركتنا في حالنا الآن، وتفكّكُ صفوف الوطنيين يساعدها على ذلك بما أن خصمها الوحيد أصبح جبهة التحرير" وهو اعتراف ضمني على أن بلونيس لم يكن يُقلق فرنسا في تلك الفترة بقدر ما كانت متخوفة من الثورة، ولما طرح عليه سؤال: لمَ لا يقوم بالصلح مع فرنسا؟ أجاب: "لأنها أقوى وستهزمنا جميعا" وكان يقصد عناصره وكذا جبهة التحرير.
انتهى كالدخان عاش بلونيس مدة 13 شهرا جنرالا أي من جوان 1957إلى غاية جويلية 1958، وبعد أن كان مجرد "كابران" ومناضل في حزب مصالي الحاج و"حركة انتصار الحريات والديمقراطية"، تحول إلى ما تصفه فرنسا ب"الوحش" حيث فرض الرعب في بوسعادة وبولغزال وعين وسارة ثم انتهى كالدخان بعد أن تعالى في السماء. في أفريل 1957 قام "لوسيان باي" وهو مدير الشؤون السياسية في حكومة "لاكوست" مع ضباط فرنسيين من أجل وضع بلونيس ضد جبهة التحرير، أو ما يُعرف بقضية "الإخوة الأعداء" وتذكّر بلونيس مجزرة "ملوزة" التي أعدمت فيها جبهة التحرير أكثر من 300 شخص من أنصار مصالي الحاج، فقبل بالانضمام إلى حلف فرنسا، وضمنت له المال والسلاح وأجرا مغريا، شريطة أن لا يرفع الراية الوطنية التي صمّمها مصالي في وجه فرنسا "وهي الراية الحالية"، وعدم فرض غرامات مالية على المواطنين، لكنه لم يحترم هذه الشروط، ما جعل الإدارة الفرنسية تغضب عليه وتحاربه. في أوائل عام1958 وبين شهري جانفي وفيفري، عاد بلونيس إلى ديار الشيوخ بالجلفة، بعد أن كان يحارب في جبهة التحرير، وترك جنوده يقاتلون في الميدان، وقام بعملية جرد كلي للعتاد والسلاح، وهو ما جعل فرنسا تشك فيه وفي قدراته، وأصبحت تنظر إليه على أنه شخص غير مرغوب فيه، كما أن جنوده اكتشفوا أنه لم يعد يثق فيهم ويشدِّد عليهم الرقابة.
ليلة كشف "مونيا" مخطط اغتيال والدها بتاريخ 7 جوان 1958 قام سي العربي القبائلي بقتل قويدر النعار وهو من جماعة بلونيس، فضلا عن 18 ضابطا، وفي 19 جوان 1958 جهز عبد القادر لطرش كتيبة من الجنود تم اختيارهم خصيصا من بينهم جنود وضباط سي مفتاح ونقباء بلقاسم (موسطاش) والمدعو عزوزي، من أجل اغتيال بلونيس، لكن سرعان ما انكشف المخطط من طرف "مونيا" البنت الكبرى لبلونيس التي كانت رفقة عبد الله سالمي وهو رائد الحراسة والموكب الخاص بالجنرال، وفي الصباح أقدم بلونيس على إعدام 3 ضباط بينهم حوسين حجاجي ويعمل ضابطاً وقائد تدخل والعلاقات العامة لدى بلونيس وفي 21 جوان 1958 أعدم 160 محبوس منذ مدة كبيرة بدون محاكمة رغم أن الجنرال أسس محكمة في ديار الشيوخ. وفي 25 جوان 1958 خرج بلونيس من ديار الشيوخ وتقول الوثائق التاريخية أنه كان محملا بالسلاح رفقة حرسه وأغلبهم من منطقة القبائل وكان بحوزته أموال جمة موجهة للحرب وترك وراءه أزيد من 300 جثة حيث توجه رفقة زوجته وسي العربي القبائلي نحو جبل زمرة، 26 كلم عن بوسعادة.
فرنسا تصف بلونيس ب"الخائن" في 30 جوان 1958 قامت فرنسا بجمع عدد كبير من المواطنين المساندين لبلونيس ووجهت تعليمات صارمة للكولونيل الفرنسي "جيرار" مسؤول منطقة الجلفة بإتخاذ تدابير لإنهاء حكم بلونيس وتعتمد الخطة على 3 مراحل وهي: أولا: جمع كل المتعاطفين مع بلونيس وحثهم على وجوب الانضمام إلى فرنسا. ثانيا: استعمال القوة ضد أعوان كل من جيش بلونيس وجبهة التحرير. ثالثا: جمع الأشخاص الذين لا يرغبون في الانضمام إلى فرنسا وتصفيتهم جسديا. وفي الفترة الممتدة بين 18 إلى 25 جويلية 1958 قامت الطائرات الفرنسية بتوضيح قضية بلونيس وعلاقتها بفرنسا وأطلقت مناشير ضده لضربه من الداخل ومعظم جنوده تفطنوا لحقيقة جنرالهم ومنهم الرائد سي مفتاح أقرب شخص إلى الجنرال، غير أن هذا الأخير لم يعد يحتمل أفكارا أخرى تأتي من أي شخص ولو من مصالي الحاج نفسه ورفض عرض المصالحة الذي عرضه سي مفتاح ودخل في سوء تفاهم معه، وهنا عملت فرنسا على محاولة تفكيك مربع بلونيس، وهي تعلم أن ضباطه سوف يتحولون إلى محور جبهة التحرير.
المخابرات الفرنسية تنهي حياة بلونيس العقيد شبعاني تسلّم عبد الله سالمي آخر قائد لبلونيس من عبد الرحمن فارس ونهاية قصة 800 جندي بعد اتفاق توقيف القتال في 19 مارس 1962 وبتاريخ 14 جويلية 1958، توصلت المخابرات الفرنسية عن طريق عميل لها إلى أن بلونيس قد قتل في جبل زمرة من طرف جندي تابع للفرقة 27 المسماة "الوحوش الفرنسية" وهو ما ورد في تقرير الضابط "مازوني" حيث قُتل الجنرال وهو هارب متنكر في زيِّ راعٍ يقود بعيرين. ويُعتقد أنه أعدم بأربع رصاصات نارية في صدره بعدما تم إلقاء القبض عليه دون محاكمة من طرف فرنسا، من جهة أخرى ذكر صوت جبهة التحرير في القاهرة أن بلونيس أعدمه عناصر من جبهة التحرير من قبل دورية عسكرية تابعة للجبهة، وانضمام معظم جنوده إلى جبهة التحرير.
تشتت جيش بلونيس في الجبال بعد التأكد من مقتل بلونيس ونهاية قصة الكابران الذي تحول إلى جنرال في 13 شهرا، انقسم جيشه في الجلفة إلى 4 أجنحة؛ الأول انضم إلى الجيش الفرنسي والثاني إلى جبهة التحرير والثالثة ظل يقاتل ضد جبهة التحرير في الجبال، بينما عاد عناصر الجناح الرابع إلى بيوتهم. وفي هذه الأثناء دخل جيش جبهة التحرير بقوة إلى ديار الشيوخ والجلفة وسيطر عليهما. وفي 27 جويلية 1958 قام العقيد "لوفات" قائد منطقة بوسعادة وأعلن عن عملية عسكرية بالطائرات مدعومة بفرق مقاتلة بجبل بوكحيل في خطوة للقضاء على سي مفتاح ومجموعته التي فرت إلى الجبال، وأسفرت المعركة عن مقتل 300 جندي تابع لمفتاح إلى جانب 12 جنديا فرنسيا بينهم ضابط قتلوا في نفس المعركة وتم إلقاء القبض على 15 محبوسا بينهم شخص برتبة رائد من جماعة سي مفتاح، وفي بداية أوت 1958، نفس السيناريو قام به الكونويل "جرار" في "جبل صخري" ضد جبهة التحرير وأسفرت العملية عن استشهاد 34 من جنود جبهة التحرير ومعظمهم قتلوا ب"النبالم" وتكبّد الجيش الفرنسي خسائر منها مقتل 3 جنود وقائد طائرة تم إسقاطها من طرف المجاهدين و21 جريحا في صفوف الفرنسيين واستمرت المعركة بين الطرفين لأيام، كما قامت معركة ثانية بين عناصر سي مفتاح والجيش الفرنسي وألقي القبض على 200 جندي تابع لسي ميلود و400 جندي من جماعة "بن دغمان"، ما يؤكد أن بقايا بلونيس بقيت في الجبال ولم تنضم إلى الثورة، وفي نفس التاريخ المذكور أعلاه تقدم سي مفتاح وأعدم ضابطين كانا رفقته وهما أحمد بلحية وعامر قوميري.
إعدام سي مفتاح وفي بداية أوت 1960 تم إعدام سي مفتاح من طرف أحد نقبائه وهو المدعو سالم بن خليفة، وحسب شهادة بعض المجاهدين ومنهم المجاهد أحمد قادة والوثائق التاريخية، فإن سي مفتاح لم يقتل بلونيس، وإنما تمرد عليه علانية بحثا عن الزعامة وفر منه خوفا من السقوط بين يديه لأنه كان ذراعه الأيمن. ورغم مقتله بقيت جماعته مرابطة في الجبال يقودهم محمد بلعلمي ونائبه عبد الرحمن النوي المكنى "الرَّافال"، وتم توزيعهم إلى 4 فِرق في كل من جبل زمرة وجبل منعة وجبل بوكحيل، وهو مؤشر على تآكل هيكلة "الحركة الوطنية الجزائرية" المصالية وبقايا بلونيس الذين فشلوا في تنظيم الصفوف، بينما قامت فرنسا بملاحقة ما تبقى منهم الواحد تلو الآخر إلى أن تم القضاء عليهم نهائيا، مرة من طرف فرنسا ومرة أخرى من قبل جيش التحرير، وفي 20 فيفري1961 لقى بلعلمي وحيوازة وبن خليفة وبدرينة النوي حتفهم في غارة فرنسية على اجتماع كانوا قد نظموه بمنطقة "قنة الحسباية" وكان معهم 14 جنديا في خطوة يائسة لإعادة تنظيم الصفوف. وفي بداية فيفري 1962 تسلم قيادة بقايا بلونيس المدعو عبد الله سالمي وظل يقاتل جبهة التحرير لاسيما جنود العقيد محمد شعباني الذي أعاد تنظيم الولاية السادسة بعد وفاة سي الحواس، وبقي سالمي يقاتل إلى غاية نهاية فيفري 1962.
نهاية ورثة الجنرال في هذه الأثناء وأثناء تسليم المهام بين الجيشين الجزائري والفرنسي بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي توصّل إليه الطرفان يوم 18 مارس ودخل حيّز التنفيذ في منتصف نهار يوم 19 مارس 1962، تقدم آخر بقايا بلونيس وهو عبد الله سالمي رفقة 800 جندي وسلموا أنفسهم لجيش جبهة التحرير الوطني في بوسعادة وحضر اللقاءَ وزيران في الحكومة المؤقتة وهما محمد بوتفيتيفة ومصفاي شوقي، إلى جانب حاكم منطقة المدية المسمى محيو، ناهيك عن الجنرال الفرنسي "روايا" وممثل عن الولايتين الخامسة والسادسة لجبهة التحرير وعبد الرحمن فارس، وقد قبل الجميع بقضية استسلام سالمي ومن معه، وإلى حد الساعة لم يتضح مدى انضمام هؤلاء إلى جيش التحرير الذي أصبح يسمى فيما بعد الجيش الوطني الشعبي، بينما تقول رواية تاريخية أن عبد الرحمن فارس سلّم "سالمي" إلى العقيد محمد شعباني قائد الولاية السادسة آنذاك والذي "تولى شؤون هذا الخائن"، بينما توضح رواية ثانية أن ال 800 جندي أغلبهم أعدموا، لأنه من المستحيل عودتهم إلى قراهم والعيش بين الناس بعد الاستقلال كون الجميع ينظر إلى تاريخهم على أنه ملطخ. وتبقى الحقيقة الكبرى مغيَّبة إلى حين الكشف عن الأرشيف الاستعماري الموثق لفترة تزيد عن 132 سنة.