العمامة التي نسفت الإمامة.. اجتمع ثلاثتهم في مكان منزوي عن بقية الجيش المرابط بتقرسان ومن موقعهم كقادة راحوا يناقشون طلب بلونيس العاجل بإرسال الضابط الأسير "محاد بلهادي" المسعدي إلى مركز القيادة بحوش النعاس حيث كان الجنرال يدير لعبته ، الضابط "مزيان مفتاح" المدعو "مفتاح" ونائبه "بلقاسم نويجم " المعروف بسايق الإبل و عبد القادر لطرش دخلوا في اجتماع مغلق للرد على طلب بلونيس في قضية الضابط "محاد بلهادي" الذي ألقي عليه القبض أياما بعدما تمكن من الفرار من شاحنة كانت تضم عشرة من خيرة ضباط جبهة التحرير تم تنفيد حكم الإعدام فيهم من طرف العربي القبايلي بناء على أوامر مباشرة من بلونيس ، ليلقى القبض على الهارب مرة ثانية من طرف جماعة "مفتاح" ، ويكون محل أخذ ورد بين القيادة العامة بحوش النعاس وجيش مفتاح ليتفق ثلاثتهم على عدم تسليم الأسير مالم يضمن بلونيس حياته وهو العهد الذي قطعه الجنرال لضابطه مفتاح ، لينقض بلونيس عهده بمجرد أن استلم "محاد بلهادي"ويقوم بقتله في الساحة العامة أمام أعين الأهالي وشيوخ القبائل الذين لم يخفو تذمرهم فكان رد بلونيس أن أمر جنوده بنزع عمائم السكان من على رؤوسهم في إهانة علنية للمنطقة كاملة ، الأخبار بلغت مفتاح وسايق الإبل وعبد القادر لطرش و خيانة بلونيس لعهده مع مفتاح وكذا نزعه لعمائم النوائل وتعرية رؤوسهم كانت الشعرة التي قضمت ظهر البعير ، ليقرر ثلاثتهم إنهاء حكاية بلونيس واجتثاث جذورها من العمق، كان القرار جماعيا وجيش مفتاح الغاضب من بلونيس أصدر حكمه النهائي في إعدام الخائن وإسقاط مملكته، الزمن بداية جوان من سنة 1958 وبلونيس أحس بفضاعة غلطته حينما خان الأمان وأعدم أسير الضابط مفتاح ضاربا وعوده في الصفر ، ولأن الأعين أبلغته بأن تململا قد سرى في صفوف جيشه المرابط بحوش النعاس بعد حادثة تعرية الرؤوس ونزع العمامات فإن الجنرال المزيف أعطى أوامره بتصفية المشتبه فيهم والمشكوك في ولائهم لتفعل آلة الحصاد فعلتها في رقاب المجندين إجباريا من شباب المنطقة كانوا بالعشرات وكانت جثثهم مرمية في الشعاب وبين الوديان وكان ذنبهم الوحيد أنهم صدقوا بأن الاستقلال جاء وأن مصالي الحاج زكى بلونيس كممثل شرعي له ليستغل الجنرال قدسية الرجل وتاريخه ويصدر أوامرا بفرض التجنيد الإجباري لمائة شاب من كل قبيلة أو عرش ، كان مصيرهم أن يذبحوا ليلا وغيلة بعدما أنفضحت المؤامرة وتعرت الملامح وسقطت الأقنعة والعمائم وتحركت الرمال لإلتهام الدخيل ، في الجهة الأخرى بجبال تقرسان بمنطقة الشارف صدر القرار الذي لا استئناف فيه والقضاة كانوا ثلاثة قادة ، مفتاح ، بلقاسم سايق الإبل ، وعبدالقادر لطرش وصيغة القرار تنفيذية ولا تحتمل الإستئناف والمدان بلونيس المطلوب إعدامه أما منفذي الحكم فهم ذات القضاة ، ليزحف جيش مفتاح المقارب لألف جندي باتجاه وكر الثعلب بحوش النعاس ويرابط على الحدود خلسة في حصار للمدينة في انتظار إطلاق إشارة النار ، كانت الخطة أن يدخل الضابط مفتاح ومرافقيه إلى مكتب الجنرال الذي لازال يظن أنهم رجاله ومعه وبمجرد أن يستفردوا به يقتلوه لتكون طلقات الرصاص إشارة لزحف الجيش على دابر الخونة وينهي جيش بلونيس أو جيش الشمال بعدما أنقسم جيش بلونيس إلى طائفتين ، جيش شمال يتكون من مقربي الجنرال ورجاله الذين التحقوا به من مناطق الشمال وجيش مفتاح الذي يظم رجال الصحراء وبسطائها ممن التحقوا زرافات بالثورة في عهد زيان عاشور، كانت الخطة محكمة وكان شهر جوان ينذر بنهر من الدم ، لكن بين خطة الإغتيال في المكتب وشكوك بلونيس في الحجر والشجر ، راح بلونيس يعتذر لمفتاح ومرافيقيه عن خطأ مقتل "محاد بلهادي" الذي نفذه دون علمه العربي القبايلي ذراع بلونيس الأيمن ، كان يخادعهم في محاولة أخيرة لإعاداتهم لسابق ولائهم لكن صوت الرصاص الذي صدر من المكتب قطع قول كل خائن ، سائق الإبل وعبدالقادر لطرش أنهيا الحكاية بتوجيه الرصاص إلى صدر الخائن وأطرافه ولأن الرصاص صدر من المكتب وبطريقة لم تكن متوقعة فإن القيامة قامت واختلط الحابل بالنابل ليسقط عبدالقادر لطرش وسايق الإبل برصاص إبنة بلونيس التي كانت على دين أبيها بعدما علمها القنص والقتل بلا رحمة ولا شفقة ، وكانت طلقات الرصاص إشارة مواجهة بين جيش مفتاح وجيش بلونيس الشمالي وكثر القتل وأسدل الليل ستاره لتصحو المنطقة على انتشار 700 جثة لمواجهات مفتوحة أنتهت باختفاء جثة الجنرال وكذا عائلته بالإضافة إلى فرار العربي القبايلي الذي قيل بأنه ارتدى "حائكا" نسويا وطار مع الريح،وقبل أن يدفن الضابط مفتاح صاحبيه بلقاسم وعبدالقادر كان يفتش وينقب عن جثة الجنرال التي تركها وراءه حينما غادر مكتبه وهو موقن بأنه لقى حتفه.. الجنرال..في سيدي عامر الثلاثة الذين قاد لهم الحظ صيدا ثمينا بمنطقة واد الخرزة بفيض البطمة في العاشر من بداية جويلية من سنة 1958 صدموا بعدد الرسائل التي كان يحملها رسول بلونيس إلى شيوخ القبائل والرائد عمر إدريس الذي كان يجهل أخبار الجنرال الهارب بين إن كان ميتا أو حيا وجد نفسه أمام كنز ودليل حي على بلونيس لازال يتنفس بمنطقة تسمى رأس الضبع بسيدي عامر حيث كان الجنرال متخفيا في انتظار المدد وبناء على اعترافات الرسول المقبوض عليه ، شكل الرائد عمر ادريس ثلة من الرجال تحت إمرة "العيساوي"وأوكل إليهم مهمة أن يأتوه برأس بلونيس ، وبعد مسيرة أيام وصل الفتية إلى الهدف ليقرروا المبيت لحين انبلاج الصبح وكانت المفاجأة أن يصطدم المكلفون بالمهمة بانزال فرنسي بالمنطقة يعرف بالفيلق الحادي عشر واعتقد العيساوي ورفاقه أنهم تعرضوا لوشاية وأن الفيلق جاء لإجلهم ليظهر لهم بأنهم غير معنيين وأن هدف الإنزال الفرنسي كان تمشيطيا وحسب شهادات العديد من المجاهدين على رأسهم الأمين الولائي لمنظمة المجاهدين بالجلفة الحاج أمخلط المختار و التي تقاطعت مع الرواية الرسمية الفرنسية التي تناولها الكاتب الفرنسي "Jacques Valette " في كتابه المعنون "La guerre d algerie des massalisstes 1954/1962 " فإن فرقة المضليين التابعة للفيلق الحادي عشر كانت متجهة إلى خيم منصوبة في منطقة رأس الضبع بسيدي عامر فشاهدت شخصا يرتدي برنوسا ويقود بعض الإبل وحينما نادى عليه أحد الحركى أو "البيوعية" الذي كان مرافقا للحملة الفرنسية ، التفت الراعي ليظهر "كلاشنكوف" من تحت برنوسه وهو ما ادى بالبيوعي "المجهول" إلى رميه بالرصاص ظنا منه بأنه من المجاهدين ، ليظهر بعدها أنه "بلونيس"..هكذا وببساطة وعن طريق الصدفة وحدها يتم اغتيال شخص مجهول من طرف بيوعي فيكتشف الفيلق الفرنسي بأن المقتول هو بلونيس الذي يسمر فوق لوح خشبي من طرف الفرنسيين ليتم عرضه في الأسواق والقرى وجر جثته وفرنسا تقول ها قد قتلنا الخائن..؟ رواية فرنسة أخرى ، تم تناولها في بعض الكتب تقول بأن بلونيس قبض عليه حيا من طرف الفرنسيين وتم ادخله السجن ليقوم بعض السجناء بقتله والمهم في الروايات الثلاثة أن من يرى هذا التناقض في الطروحات يعتقد بأن الواقعة حدثت قبل الميلاد وأنها تحتاج إلى علماء أثار ليعرفوا من نال شرف قتل بلونيس والسؤال الغائب والمغيب حتى هذه اللحظة ترى أين دفن بلونيس وأين جثته وأين موقع رجل يتفق الكثير من المجاهدين أنه كان شجاعا ووطنيا ولولاه لما سقط بلونيس ليصبح بلا ذكرى ولا رسم ولا تاريخ ونعني به الضابط "مفتاح " أو "مزيان مفتاح" ورجاله الذين كان لهم الفضل في اجتثاث الخيانة..؟ العقيد شعباني والضابط مفتاح على طاولة واحدة شهادات متطابقة من مجاهدين وشيوخ أكدت أثناء إجراء هذا التحقيق واقعة أن الضابط مفتاح الذي كان يقود ألف جندي قد فتح مفاوضات مع الجبهة من أجل أن ينظم إليها بجيشه لتنقطع المفاوضات بسبب خلافات هامشية وتتجدد بعد مقتل بلونيس ويلتقي الضابط مفتاح مع العقيد شعباني في تقرسان ويسلمه رسالة وقد شهد شهود على رأسهم الأمين الولائي لمنظمة المجاهدين بالجلفة الحاج المختار بلمخلط بأن جيش مفتاح وجيش جبهة التحرير كانا يشربان الماء من نفس البئر كما أن جيش مفتاح كان يزود المجاهدين بالمؤونة إثناء المفاوضات التي دخل فيها شعباني مع مفتاح والتي انتهت إلى القطع وإلى عودة المواجهات بين الطرفين بعدما أصدر العقيد الحواس كقائد للمنطقة بقطعها وهي في أخر مراحلها والتي اصطدمت بخلاف حول توزيع جيش الضابط مفتاح على كافة الولايات وعدم تركه مجموعا وهي النقطة التي كانت محل جدل بين مفتاح وشعباني ليصدر القرار من سي الحواس وينهي المفاوضات المتقدمة والمهم أن المواجهات عادت لكن ما يشهد به الكثيرون أن الضابط مفتاح رفض عرضا ومراودة فرنسية لكي يكون بديل بلونيس ليدخل مع قوات الاستعمار في مواجهات وقد ذكر لنا المجاهد بلمخلط واقعة عن معركة كبيرة دامت يوما كاملا بجبال تقرسان فحسب روايته فقد كان رفقة بعض المجاهدين يتحركون بين الوديان ليفاجئوا بآليات وانزال فرنسي كبير يحاصر المنطقة وبعدما اعتقدوا بأنهم المقصودون بالحصار والحملة الفرنسية اصطدموا بأن القوات الفرنسية وهي تغير اتجاهها وتدخل في مواجهة مفتوحة استعملت فيها كافة الوسائل من طيران ودبابات وغيرها وعكس ما اعتقد المجاهد بلمخلط وأصحابه بأن القوات الفرنسية حاصرت مجاهدين من الولاية الخامسة ، علموا بأن الأمر يتعلق بشخص "محاد بلعلمي" من جماعة مفتاح كان برفقة ثلاثين جنديا تمت محاصرتهم من طرف الفرنسيين ليقودوا معركة حامية الوطيس على إثرها اسقاط طائرة وتكبيد الفرنسيين مالا يحصى من القتلى ليبيد الفرنسيون الثلاثين نفرا عن أخرهم بعدما يوم كامل من النار والنيران ، في النهاية تتفق الراويات أن الضابط مفتاح كان رجلا مخلصا وشجاعا وأنه لأخر لحظة كان يود الإلتحاق بجبهة التحرير لكن إغلاق سي الحواس لباب الحوار معه بقراره أدى به إلى التشتت ليأت قراره بالإعتزال بعدما جمع ضباط جيشه وأخبرهم بأنه قرر العودة إلى أهله ومنطقته ببلاد القبايل وهو الأمر الذي لم يستسغه البعض لتكون نهاية مفتاح مأساوية جدا بمنطقة تسمى "العامرة" تابعة لبلدية عين الإبل بالجلفة حيث تربص به أحد الرعاع بناء على تحريض من بعض الجنود ليقوم بقتله منهيا أسطورة رجل ظلمه التاريخ حينما لم يعطه حقه على الأقل بكونه كان السبب المباشر في إجتثاث بلونيس وإبطال المؤامرة الفرنسية..في النهاية كما ظلم مفتاح فإن نزع الشرف عن بلقاسم سايق الإبل وعبدالقادر لطرش بأنهما كانا وراء مقتل بلونيس يعتبر إجحافا وتهربا من حقائق لأغراض تاريخية فالرواية الشعبية والمتداولة تؤكد أن قاتل بلونيس لم تكن فرنسا ولكنهما إثنان قررا فنفذا فقتلا وسط الواقعة بعدما أصابا هدفهما فلما التجاهل وفي فائدة من تنفى هاته الرواية ويتم تبنى رواية "البيوعي" أو المضليين، وللعلم فإن سايق الإبل وكذا عبدالقادر لطرش كان الفضل لتجنيدهما لأول جندي في الصحراء كلفه زيان عاشور بتجنيد الشباب وهو "رويني لخضر" المدعو لخضر الساسوي والذي تمكن وهو واحد من تجنيد المئات لينتهي به المطاف إلى النكران ويسحب منه شرف أنه كان أول جندي يضع قدمه بجبل بوكحيل..