أخيرا رحل أبوخليل أحمد وافي ممثل الثورة الفلسطينية في الجزائر حتى 1975..أبوخليل عنوان فلسطيني بارز في العلاقات الجزائريةالفلسطينية ..رجل أحب وطنه وثورته وأحب الجزائر وثورتها وشعبها، فمنح حياته وجهده لبناء أعمق وأقوى أواصر الأخوة بالجزائر، منحته الجزائر ثقتها وسلمته المفاتح لكل الأبواب المغلقة فيها..أبوخليل الجزائر كما كان يناديه الفلسطينيون. عندما يحب الجزائريون فتلك شهادة ترصع الجبين فخرا وكرامة.. فلقد انجبلوا بمعيار التمييز بين الغث والسمين..بين المؤمنين الصادقين المتفانين والأدعياء المرتزقة..ولذا فهنيئا لمن نال حب الجزائريين واحترامهم..وهكذا عشق الجزائريون رجال الفتح والعاصفة وزغردت أرواحهم مع أناشيد الثورة الفلسطينية، وكأن حربهم لم تنته بعد، وكأن جرحهم الراعف لايزال ينتفض يترع بلا توقف. أجل قال الجزائريونللفلسطينيين:"ياليتنا كنا بجوار فلسطين لكن لا عليكم اذهبوا أطلقوا الطلقة الأولى والجزائر بكل قدرتها وروحها معكم"..هنا تحرك الفاتحون الرواد القادمون في معظمهم من صفوف الإخوان المسلمين الفلسطينيين ليصنعوا نقطة التحوّل في تاريخ الشعب المنكوب والمشرد على المخيمات ووكالات الغوث..تحرك الفاتحون يفجرون ليل العرب ويمزقون ظلامه ويتجاوزون ركامه بعملية عسكرية كانت شرارة لفجر مبتسم القسمات فكانت الجزائر كما وعدت إمدادا وإعدادا وتهيئة للمرحلة القادمة، وممارسة كل الضغوط ونفوذ الثورة الجزائرية لتثبيت أقدام الثورة الفلسطينية الوليدة. فهل تعرفون من هو الرجل السر في هذا كله..إنه أبوخليل أحمد وافي رفيق أبوجهاد وأبو إياد وفتحي بلعاوي وأبويوسف النجار وأبو المنذر ورهط الثوار الأوائل وعلى رأس الموكب الكريم الرمز الزعيم أبوعمار عليهم رحمة الله جميعا.. اختارت الثورة الفلسطينية أبو خليل ليكون ممثلا لها في الجزائر..ولقد كان هذا الاختيار من حسناتها الكبيرة فكان الرجل بحجم فلسطين جلالا وضياء وبهاء زاهدا..كان الرجل فدائيا زاهدا مثقفا منظما سياسيا ثوريا ومقاتلا شرسا وحاميا بلا هوادة لقيم شعبه وثورته..وفي الوقت نفسه كان جزائريا حتى النخاع عاشقا لثورة شعب أعز العرب والإسلام في القرن العشرين.. كان سي أبوخليل كما أحب أن يناديه القادة الجزائريون مثالا للتفاني وحفظ المسلكية الثورية وصون العلاقات بين الجزائريينوالفلسطينيين كأروع ما يمكن أن تكون..أينما ذهبت تجد هذا القائد في ندوات وافتتاح مشاريع ولقاءات ومحاضرات واجتماعات مع ساسة وإداريين ومفكرين ومثقفين وإعلاميين..فكما كان مشغولا بتوصيل الدعم للثورة كان لايغيب عن جلسات مالك بن نبي رحمه الله.. همه الوحيد فلسطين وكيف يجمع لها المدد والعون وكيف تصبح الثورة حقيقة رغم مؤامرات النظام العربي مشرقا ومغربا..وكان إخوانه الجزائريون رجالا بحجم ووفاء ثورتهم وجلال شعبهم..لم يرفضوا للرجل أي طلب، وقد فتحت خزائن الجيش الجزائري أبوابها لفلسطين ولفتح بلا تردد متى شاء الفلسطينيون وخرجت الكليات العسكرية مئات القادة الفتحاويين المتخصصين..في ذلك كله كان أبوخليل المنسق والقائم ليل نهار على مهمته بنل وفداء قلّ نظيره. في أواخر أيام وجوده بالجزائر تمكن عملاء الموساد الإسرائيلي من إرسال طرد مفخخ له، فقد على إثره الجزء الأكبر من النظر وأصيب وجهه الوضاء بمثالب التفجير..ولم يعد قادرا على ممارسة المهمة في الجزائر، لكنه قد أرسى معالمها..وانتقل رافضا الركون إلى زاوية الراحة والدعة، وانتقل إلى خطوط المواجهة الأولى في لبنان رفيقا لأسر الشهداء واليتامى..وتنقل مع الثورة المهجرة والمطاردة حتى حطّ رحاله في الوطن.. رأيته منذ سنوات قليلة وكل شيء فيه مثقل السمع والبصر والصحة، وقد هجمت الأمراض على جسده..لكن روحه كانت روح شاب انخرط في الثورة للتو يدعو لترتيب الصفوف وتقوية اللحمة الوطنية..اليوم علمت بوفاته على فراش المرض..هكذا ارتاح هذا الجسد المعنى من همة رجل لايعرف المستحيل..رحمة الله على أبوخليل، ورحم الله شهداء فلسطينوالجزائر والأمة..تولانا الله برحمته.