أكد تقرير أعده الصحافي الأمريكي سيمور هيرش ونشرته مجلة "لندن ريفيو أوف بوكس"، نقلا عن أحد ضباط الاستخبارات الأمريكيين رفيعي المستوى، أن إدارة الرئيس أوباما تلاعبت بالأدلة الكيميائية لاتهام حكومة الأسد، وإبعاد التهمة عن جبهة "النصرة". ويقول الصحافي الأميركي سيمور هيرش، المعروف بعمله الاستقصائي منذ أن غطّى مجزرة "ماي لاي" خلال حرب فيتنام وفضيحة سجن أبو غريب في العراق، أن إدارة أوباما "تلاعبت بمعلومات استخبارية" في ما يتعلّق بالأسلحة الكيميائية، فتجاهلت المعلومات التي تؤكد أنّ "جبهة النصرة" تملك الوسائل التقنية والإمكانيات لإنتاج كميات كبيرة من غاز السارين. ويضيف الصحفي، يوم 23 أوت 2013، استيقظ العالم على موجة من أشرطة الفيديو والصور على مواقع التواصل الاجتماعي، ظهر فيها عدد كبير من الأطفال الذين ماتوا نتيجة تعرضهم لهجوم بغازات سامة، بحسب ناشري الصور، في الغوطة الشرقية في ريف دمشق واتهمت المعارضة حكومة الرئيس الأسد بهذا الهجوم. وكالعادة تبنّت واشنطن القضية، موجّهة أصابع الاتهام بشكل فوري إلى نظام الأسد، مهددة بشن عدوان على سوريا، تلك التهديدات انتهت بتسوية اقترحها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أفضت إلى تخلي دمشق عن ترسانتها الكيميائية. لم يخبر باراك أوباما القصة الكاملة عندما حمّل بشار الأسد مسؤولية الهجوم الكيميائي الذي حصل قرب مدينة دمشق في21 اوت الماضي، ففي بعض الحالات، أغفل معلومات إستخبارية مهمة، وقدّم في حالات أخرى افتراضات على أنها حقائق. والأهم، أنه فشل في الاعتراف بشيء معروف لدى أجهزة الاستخبارات الأمريكية وهو الآتي: أن الجيش السوري ليس الطرف الوحيد في الحرب الذي لديه إمكانية في الوصول إلى إنتاج السارين واستخدامه. قبل أشهر من الهجوم، قدّمت وكالة الاستخبارات الأمريكية سلسلة من التقارير بالغة السرية، تحتوي أدلة على أن "جبهة النصرة" المرتبطة بتنظيم "القاعدة" أتقنت آليات إنتاج السارين، وعندما وقع الهجوم، كان على تنظيم "النصرة" أن يكون مشتبهاً فيه، لكن الإدارة راوغت لتبرير توجيه ضربة ضد الأسد. وفي خطابه الشهير عن سوريا في 1 أفريل الماضي، حمّل أوباما بحزم حكومة الأسد المسؤولية عن هجوم غاز السارين. وفيما كان أوباما حازماً وحاسماً في خطابه بأن نظام الأسد هو من شنّ الهجوم الكيميائي، تكشف مقابلات عدة (أجراها سيمور هيرش) أخيراً مع ضباط في الجيش والاستخبارات ومستشارين، وجود "قلق شديد وغضب في بعض الأوقات، بسبب ما اعتبر مراراً أنه تلاعب متعمد بالاستخبارات. وبحسب هيرش، فإن "عدم وجود إنذار فوري داخل الاستخبارات الأميركية، يوضح أنه لم يكن يوجد معلومات استخبارية حول النيات السورية في الأيام التي سبقت الهجوم". ويضيف هيرش، "هناك على الأقل طريقتان بإمكان أميركا أن تعرف من خلالهما مسبقاً بالهجوم: الاثنتان مرتبطتان بأحد التقارير الاستخبارية السرية التي سرّبها ادوارد سنودن منذ أشهر". وبحسب الأممالمتحدة، تم تسجيل 4 هجمات كيميائية لكن من دون تحديد المسؤولية. بعد شهرين، أعلن بيان البيت الأبيض أن الاستخبارات لديها "ثقة عالية" بأن حكومة الأسد مسؤولة عن مقتل 150 شخص في هجوم غاز السارين. لكن مرة جديدة، لم يكن هناك تفاصيل. وأضاف الصحفي انه في أواخر سبتمبر الماضي، أخبرني المستشار الإستخباري أن "وكالة الاستخبارات المركزية أطلعت إدارة أوباما على "جبهة النصرة" وعملها مع السارين، وأن الوكالة أرسلت تقارير مثيرة للقلق عن جماعات أصولية تنشط في سوريا، كتنظيم "القاعدة" الذي تمكّن من فهم كيفية إنتاج السارين". في 20 جوان الماضي، أرسل ملخّص من أربع صفحات عن تورط "جبهة النصرة" في تصنيع السارين إلى نائب مدير وكالة استخبارات الدفاع ديفيد شيد. وفي الصيف الماضي، أرسلت سلسلة من البرقيات السرية من سوريا تردد أن عناصر في "الجيش السوري الحر" اشتكوا لعملاء الاستخبارات الأميركية من اعتداءات متكررة على قواتهم من قبل "جبهة النصرة" و"القاعدة"، ووفقاً للمستشار ألاستخباري الذي قرأ هذه التقارير، فقد تبيّن أن "الحر يشعر بالقلق من هؤلاء المجانين أكثر من حكومة الأسد". يثير تشويه الإدارة الأميركية للحقائق المحيطة بهجوم السارين سؤالاً لا مفر منه: هل لدينا القصة الكاملة لرغبة أوباما في السير بعيداً عن تهديده بضرب سوريا بحسب "خطوطه الحمراء"؟ يبدو أن هذا ممكن، فقد واجه معلومات متناقضة: أدلة قوية بما يكفي لإقناعه بإلغاء خطة هجمته العسكرية.