من المقرر أن يبدأ اليوم الثلاثاء السابع والعشرين من نوفمبر، مؤتمر" أنابوليس" حول السلام في الشرق الأوسط والذي يكثر بشأنه الجدل منذ الإعلان عنه قبل أربعة أشهر من طرف الرئيس الأمريكي جورج بوش . و إلى جانب الوفد الفلسطيني الذي سيرأسه رئيس السلطة،محمود عباس، أكدت خمسة عشر دولة عربية مشاركتها من مجموع حوالي خمسين دولة . وجاءت المشاركة العربية التي ستمثل معظمها بوزراء الخارجية، استجابة لدعوة الرجل الأول في البيت الأبيض والذي يرغب في إنهاء مشواره السياسي بانجاز ما حتى ولو كان مجرد مؤتمر تأخذ فيه صور تذكارية لمسؤولين عرب وإسرائيليين .. فمنذ وصولها إلى السلطة قبل ست سنوات تعاملت إدارة بوش باستخفاف كبير مع القضية الفلسطينية وبقيت تقدم الوعود تلوى الأخرى حول إقامة الدولة الفلسطينية المنشودة في الضفة الغربية وقطاع غزة ،ولكنها من الناحية العملية ظلت تعمل في الاتجاه المعاكس،الأمر الذي أدى إلى حدوث شرخ كبير داخل الصف الفلسطيني،حيث انقسم بين تيارين،الأول يجري وراء أوهام بوش والثاني وراء خياراته. وفي المقابل فقد تعزز الموقف الإسرائيلي واستطاعت حكومة ايهود أولمورت أن تستغل الظرف لصالحها وتتمسك بنفس شروطها ولاءاتها السابقة " لا لعودة اللاجئين " ،لا للقدس " .. في"أنابوليس" ، وهي منطقة في ولاية ماريلاند الأمريكية، يريد بوش ووزيرته للخارجية، كوندوليزا رايس أن يدخلوا الفلسطينيين في دوامة أخرى من المفاوضات واللقاءات العقيمة ، بدليل أن الحديث يدور الآن حول كيفية تطبيق خطة "خارطة الطريق" وبعض القضايا العامة ،في حين يتم تجاهل القضايا الجوهرية المصيرية .. الأمريكيون لا يقدمون ضمانات للفلسطينيين حول إمكانية حدوث المعجزة هذه المرة، بعدما فشلت كل محاولات التسوية السابقة التي احتضنتها شرم الشيخ في مصر. فكل المعطيات تؤكد أن بوش لا يملك استراتيجية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، وأن إستراتيجيته الوحيدة هي محاولة خلط المزيد من الأوراق في منطقة الشرق الأوسط للتغطية على الفشل الذي يلاحقه في العراق. ومن ناحيته، فان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس "أبو مازن" الفاقد للإجماع الداخلي، يدرك جيدا أن "أنابوليس" لن يحقق المعجزة بسبب النوايا الأمريكية والإسرائيلية المعروفة لديه ، ولكنه يذهب إلى هناك لأنه يريد أن يثبت للعالم وللفلسطينيين أنه متمسك بالسلام وبأنه شريكا في العملية السلمية بخلاف سلفه الراحل ياسر عرفات الذي قاطعته إسرائيل وواشنطن في عهد بوش الابن . وأيضا لأن " أبو مازن" يريد أن يربح معركته الداخلية مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة ..أما إسرائيل، فهي الطرف الأكثر إدراكا بأن هذا المؤتمر لن يختلف عن سابقيه ولن يحقق للفلسطينيين حلمهم. وبرأي المراقبين ،فإنها ستحاول استغلال هذه الفرصة التاريخية لانتزاع المزيد من التنازلات من سلطة عباس وعلى رأسها الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية التي وضعتها مؤخرا كشرط مسبق لتحقيق أي تقدم في العملية السلمية . ولكن إسرائيل تشارك برئيس وزراءها في المؤتمر،لأن التطبيع مع الدول العربية هو هدفها الأساسي قبل التفكير في استرجاع حقوق الفلسطينيين المسلوبة. ولما لا ،فقد جاءت الفرصة ل أولمورت كي يجالس الوزراء العرب بمن فيهم السعوديين والسوريين الذين ظلوا يرفعون شعار رفض التطبيع .ومن جهة أخرى ، فان الإدارة الأمريكية التي تفتقد إلى رؤية واضحة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تحاول خلط مسارات التسوية في الشرق الأوسط مع بعضها البعض، حيث قبلت بإدراج هضبة الجولان السورية المحتلة على جدول أعمال المؤتمر ،وذلك بعدما كانت تعارض حتى توجيه الدعوة إلى دمشق التي تتهمها بدعم المقاومة في العراق وفلسطين . وتهدف إدارة بوش من وراء القبول بشرط سوريا إلى محاولة عزل الأخيرة عن حلفائها في المنطقة وخاصة إيران وحزب الله اللبناني وحركات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس . وتبقى إيران هي الهاجس الأكبر لإدارة بوش ،حيث تسعى إلى تشكيل تحالف دولي وعربي ضد هذه الدولة على خلفية ملفها النووي. وقد أكد المسؤولون الأمريكيون مرارا أن خيار القوة ضد الجمهورية الإسلامية ما يزال قائما . ومن جهتها ،أبدت القيادة السورية استعدادها لدخول الخط الأمريكي ،ترجمته من خلال موافقتها المشاركة في "أنابوليس" على مستوى نائب وزير الخارجية فيصل مقداد ، ولكنها ما تزال متحفظة من المؤتمر ومتخوفة من المناورات الأمريكية والإسرائيلية ،وهو ما عكسته تصريحات وزير خارجيتها ، وليد المعلم الذي قال لقناة الجزيرة القطرية أمس أن " سوريا لن تعترف بإسرائيل قبل انسحابها من كل الأراضي العربية المحتلة في جوان 1967 ، مؤكدا أن الجولان "ليست قابلة للتفاوض" .. ليلى // ل