عبد الناصر معظم الدول الكبرى وُلدت بعد الأزمات والحروب الكبرى، فظهرت اليابان وألمانيا بقوتيهما الحاليتين بعد دمار شلّ الحياة فيهما نهائيا بعد خسارتهما الحرب العالمية الثانية، كما صنع الانتصار في الحرب دولا من العدم مثل إسرائيل التي منذ أن قهرت العرب عام 1948 وهي تنتقل من عصابة إلى كيان إلى دولة إلى أمة عظمى لا تكاد تغرب الشمس عن موسادها المتمكن من اقتصاد ومجتمع وسياسة وحتى دين مختلف الأمم شرقا وغربا.. إلا عندنا فالهزيمة تتحول إلى خيبة تشلنا والنصر إلى فتنة تبتلعنا، وما حدث في لبنان هو صورة بائسة لأمة تسقط أمامها كل القواعد الحياتية، فهي تأكل أبطالها وتنتحر في الوقت الذي تُنفخ فيها الروح وتتلذذ بنفسها وهي ترمي بذاتها في الهاوية، فقد عشنا حقبة من الزمن تحولت إلى قدر محتوم كانت فيها الجيوش العربية تحشد الملايين من الجنود وتنفق الملايير من الدولارات في السلام وتدخل الحرب أمام عصابة صهيونية، ثم تخرج بالهزائم المذلة وصور الجنود العرب تبين الراكعين المقبّلين لأحذية الجنود الاسرائيليين، وتتحول هاته الهزائم والمشاهد التي تكررت من 1948 إلى 1982 في خمس حروب إلى عقد وخزي يعتصر الأفئدة، ثم حدثت المعجزة في صائفة 2006 عندما تمكن حزب الله برغم قلة حيلته وعتاده من الصمود في حرب اسرائيلية قادتها أمريكا وضخت فيها المال الكثير ووفرت لها الدعم العالمي والغطاء العربي، وخشي الإسرائيليون أن يعيد التاريخ نفسه بالمقلوب فيبني العرب دولتهم العظمى أو على الأقل يبنى لبنان وطنه الجميل، وتوالت المشاهد المتناقضة بعد ذلك، فكلما كشف الإسرائيليون عن خيبتهم والتي اعترفوا بأنها هزيمة بكل المقاييس أمام عصبة من المقاومين إلا واشتد لهيب الفتنة في لبنان إلى أن بلغ الفرقاء حبل المشنقة في سيناريو أشبه بالانتحار الجماعي إلى درجة أن لبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي يسير بدون رئيس ولا حكومة!! إسرائيل انتصرت عام 1948 على جيوش خمس دول عربية وانتصرت عام 1956 في العدوان الثلاثي على مصر وانتصرت عام 1967 في حرب الستة أيام عندما ابتلعت الجولان وسيناء والضفة وكل القدس وانتصرت عام 1973 في العبور الذي لم يكتمل وانتصرت عام 1982 عندما شرّدت الفلسطينيين وأنهكت كاهل لبنان، ولكنها انهزمت عام 2006 أمام حزب الله العربي المسلم.. ومع ذلك انتصرت وأي انتصار!!