بقلم: د.بشير مصيطفى Messaitfa.bachir@gmail.com أنهى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، أمس، زيارته للجزائر على وعود باستثمار 7.5 ملايير دولار في قطاعات الاقتصاد. رقم مهم على خارطة الاستثمارات الأجنبية المباشرة يضيف للجزائر نقاطا أخرى في سلم ترتيبها من حيث استقطاب الرساميل الأجنبية في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط »مينا«، لكنه قد لا يعني شيئا يذكر من وجهة نظر قدرات الجزائر ودخلها من العملة الصعبة ومصلحتها في تنويع اقتصادها. فالرئيس الفرنسي حلّ بالجزائر بعد أن أمضى عقود استثمار أخرى في كل من المغرب وتونس وهما دولتان غير نفطيتين ولا تمثلان فرصا للاستثمار كتلك التي تتمتع بها دولة تخطط لتصدير 120 مليار متر مكعب من الغاز سنويا وتطمح الى تزويد ألمانيا بجزء مهم من طاقتها الكهربائية، وأعني بها الجزائر. فما هي دلالات الاستثمارات الفرنسية في بلادنا؟ وما الجديد فيها في سياق انفتاح الاقتصاد الوطني على المحيط الخارجي؟ يقظة العملاق النائم من الشرق عند زيارة الرئيس الفرنسي الأولى للجزائر شهر أوت الماضي كتبت »زيارة ساركوزي للجزائر: عين على الغاز«، ذكرت فيها بأن أوربا معنية بإمدادات الغاز الجزائري بسبب التهديدات التي مازالت تحيط بأنبوب الغاز الروسي نحو القارة الباردة وبسبب الفرص الكامنة في قطاع الذهب الأبيض الجزائري، وبالفعل جاءت تصريحات المسؤول الفرنسي الأخيرة لتؤكد هذا المعنى. أما الزيارة الثانية فتأتي على وقع حدثين مهمين، واحد ميز أحداث هذا الأسبوع والثاني سيميز الربع الأول من العام المقبل وأعني بذلك: التقارب الإيراني الخليجي في الدوحة، أول أمس الثلاثاء، حول فكرة منطقة التعاون الإقتصادي. والثاني فكرة منطقة التجارة الحرة بين دول الخليج والصين والتي من المتوقع أن يشرع الجانبان في المفاوضات بشأنها خلال الربع الأول من 2008. وإن حصل شيء ملموس من هاتين الفكرتين فستتحول المنطقة الممتدة من الصين الى إفريقيا عبر الجزائر الدول المحركة الأولى لمسار النيباد الى ساحة استثمارية واقتصادية كبرى لا تجد فيها الشركات الأوربية موطئ قدم. العملاق الصيني يغزو الأسواق الأوربية بحذائه المتميز لدرجة أوحت لي يوما بالكتابة عن »حرب الأحذية بين إيطاليا وبكين« ويبدو أنه يفكر في أن يغزو إفريقيا باستثماراته المتميزة أيضا وقد بدأ فعلا في التوسع داخل الدول النفطية الإفريقية: نيجيريا والجزائر من خلال شركات صيانة المنشآت البترولية. أما إيران فتقدمت، أول أمس، بمقترحات ملموسة لدول الجوار النفطية حول التبادل العلمي وممرات التجارة ومنطقة التعاون الاقتصادي وإطلاق بنك مشترك للودائع الناتجة عن الطفرة النفطية. مقترحات تهدد المصالح الأوربية ولاسيما الفرنسية التي شرعت منذ العام 2005 في التوسع بين دول الخليج واستطاعت إقناع الكويت بفك ارتباط عملتها بالدولار وهو ما وقع فعلا قبل أشهر. فماذا بقي أمام الشركات الفرنسية على خارطة الاستمار الأجنبي غير مستعمراتها القديمة: المغرب، تونس ثم الجزائر؟ سؤال يسمح لنا بإعطاء إجابات إيجابية تخدم المصلحة الوطنية في التفاوض من موقع القوة وزاوية نظر توفر البدائل ويخدم الهم الوطني في تحقيق تنمية سريعة للسكان. الجزائر مستفيدة من زيارة ساركوزي الثانية إذا هي وجهت الطرف الفرنسي للقطاعات المفيدة لكلا الطرفين والتي تخدم أهداف التنمية: التشغيل، اقتسام الثروة ثم توطين التكنولوجيا العالية. تنفيذ الاستثمارات وتنويع البدائل لماذا تجد مقترحات الاستثمار الفرنسية الصدى الإعلامي داخل الجزائر وباريس ولا تجد مثلها مقترحات الدول العربية والمقترحات الصينية؟ ولماذا تظل جل وعود الاستثمار حبرا على ورق وبعضها يلغى مثل ما وقع مع شركة »ربسول« الإسبانية شهر أكتوبر الماضي؟ والى متى تظل الجزائر ضائعة بين أرقام الاتفاقيات واحتمالات التنفيذ؟ كلنا يذكر رقم 30 مليار دولار التي حملتها وعود الاستثمار الخليجي بالجزائر خلال مؤتمر رجال الأعمال العرب: ديسمير 2006 بالجزائر: ماذا حصل من ذلك ونفس الرجال يستعدون للاجتماع بدمشق في الربع الأول من 2008؟ وحتى الاستثمارات الفرنسية السابقة: ماذا حصل منها وفي أي قطاع؟ وكم شغلت؟ وكم أضافت؟ وماذا حققت؟ لماذا يطلق قانون جديد للمحروقات ثم يعدل؟ وتفتح مظاريف خوصصة البنوك ثم تجمد؟ وتوقع اتفاقيات الغاز ثم توضع بين يدي التحكيم الدولي؟ قد يكون في ذلك شيء من مراعاة المصلحة الوطنية وهذا جيّد في ظروف تشبث الشركات الأوربية بمصلحتها الرأسمالية، لكنه غير ذلك عندما يتعلق الأمر باستثمارات عربية تحسب بعشرات الملايير دولار لسبب واحد هو: تضييق هامش الاختيار والتنوع أمام واضعي السياسات في الجزائر والذي من شأنه تخفيض أعباء الاستثمار وبالتالي توسيع السوق ومساعدة متوسطي المشاريع. بكل تأكيد ستكون زيارة ساركوزي للجزائر مفيدة للجزائر أكثر فأكثر لو تسفر عن مشاريع كالتي أطلقت بالمغرب: القطار السريع »تي.جي.في«، أو بتونس: محطة استخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية، أو حتى تلك المنتظرة في نواقشوط والتي كانت موضوع مفاوضات بين موريتانيا والاتحاد الأوربي في باريس أمس الأربعاء. وفي هذا الصدد نحيي مقترح الجزائر الرامي إلى إطلاق بنك عربي للاسثمار في قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمتوقع عرضه على قمة الكويت الاقتصادية العربية نهاية 2008 ؛ مقترح يصب في مصلحة الجزائر وليس بالضرورة في مصلحة الشركات الأوربية وهذا شيء مشروع في دنيا المال والأعمال إذ يبدو أن المصلحة تعلو على الصداقة: هناك مصالح دائمة تحد من علاقات الصداقة التي من الواضح أنها مؤقتة وخاصة على المشهد الفرنسي الجزائري لاعتبارات تاريخية الجميع يعرفها.