لا نذيع سرا إذا قلنا بأن السلطة المتهمة بتزوير الانتخابات لا تثنيها لا المقاطعة ولا العزوف الانتخابي. ففي كل مرة تنجح في ترتيب الأرقام والنتائج وتعدها في إخراج يعطي الانطباع بنجاح الاستحقاق وفشل المقاطعين.. غير أن الكثير من الأحزاب والشخصيات لا تزال تمسك بورقة المقاطعة وتشهرها في وجه السلطة، وتصر على اتخاذها خيارا استراتيجيا لإدانة السلطة والتشكيك في الاستحقاق برمته.. فلماذا هذا الإصرار هل هو لمجرد تبرئة للذمة والنأي بالنفس أو لتسجيل موقف فحسب، أم أن للمقاطعة أثارا على المدى البعيد بعدما تأكد عدم جدواها على الواقع والمجريات.. خريطة المقاطعين لم تتغير كثيرا، إذ لا يزال الإسلاميون يمثلون النسبة الأكبر، بالإضافة إلى جبهة القوى الاشتراكية عميدة المقاطعين دون منازع. وإذا كانت الأحزاب المقاطعة تبرر موقفها بالتزوير وبأن الاستحقاق محسوم، وبأنها تسعى بمقاطعتها إلى معاقبة السلطة على "تزويرها" و"تعريتها" أمام الرأي العام الوطني على وجه الخصوص والرأي العام الدولي بصفة عامة، فإن غالبية الرأي العام حسب ردود القراء حول مسألة المقاطعة التي طرحها موقع الشروق أون لاين للنقاش، لم تعد ترحب كثيرا بهذا الخيار بل دعا معظم المعلقين إلى ضرورة مواجهة السلطة لمنع التزوير بعدما أثبتت المقاطعة فشلها في منعه.
المقاطعة.. "ملاذ" المعارضة و"شبح" السلطة لجأت الأحزاب السياسية في الجزائر إلى سلوك مقاطعة الانتخابات "اضطرارا"، بعد أن تأكد لها –عبر السنين- مُصادرة السلطة حقا ديمقراطيا مقدسا هو حرية الشعب في اختيار ممثليه في الرئاسة والبرلمان والبلديات. ونالت جبهة القوى الاشتراكية لقب "شيخ المقاطعين" بالنظر لعدد المرات التي قاطعت فيها مواعيد انتخابية عديدة، حيث سجلت الجبهة ست مقاطعات (محليات 1990، رئاسيات 1995، انسحاب آيت أحمد من رئاسيات 1999، تشريعيات ومحليات 2002، رئاسيات 2004، ورئاسيات 17 أفريل المقبلة)، أما نسبة المقاطعة الأكبر في تاريخ البلاد فستكون في الرئاسيات المقبلة، حيث أعلنت سبعة أحزاب انسحابها من السباق في انتظار أن تتسع القائمة، على اعتبار أن شخصيات وأحزابا قالت إنها ستقاطع إذا ترشح الرئيس بوتفليقة. ويشكل الإسلاميون الغائب الأكبر عن رئاسيات أفريل، فبعد أن كانوا يُمثلون بحزب أو حزبين -على الأقل- أجمعوا هذه المرة على المقاطعة، وهم: حمس والنهضة وجبهة التغيير وجبهة العدالة والتنمية. كما ظهر نوع جديد من أنواع المقاطعة بعد تشريعيات 10 ماي 2012، إذ أعلن 14 حزبا مقاطعة أشغال البرلمان رغم فوزهم بثمانية وعشرين مقعدا، وأنشؤوا "الجبهة السياسية لحماية الديمقراطية". وترى أحزاب سياسية أن المقاطعة هي ردّ فعل على السلطة، الهدف منه "مُعاقبتها" على "تزويرها" نتائج الانتخابات، ويعتقدون أنهم "يُعرّونها" أمام الرأي العام الوطني على وجه الخصوص والرأي العام الدولي بصفة عامة. آخرون يرون أنهم بسلوك المقاطعة لا يُشاركون في "مسرحية" من مسرحيات السلطة ويرفضون بذلك إضفاء الشرعية على انتخابات "مزورة مُسبقا". وقد ألقى قرار المقاطعة الحزبية للمواعيد الانتخابية وممارسات التزوير التي تنتهجها السلطة بضلالهما على المشاركة الشعبية، حيث سجلت تشريعيات 2007 امتناع 64 بالمائة عن التصويت وبلغت محليات 2012 نسبة امتناع فاقت 55 بالمائة بينما قفزت في تشريعيات 2012 إلى 56.86 بالمائة، وهي نسب متصاعدة عكست عزوفا شعبيا متواليا في كل المواعيد، هذا مع الأخذ في الحسبان أن النتائج التي نعتمد عليها هي نتائج رسمية. وبدا تأثير قرار المقاطعة جليا هذه المرة على السلطة، فقد عبر عن هذا الوزير الأول عبد الملك سلال ووزير الداخلية الطيب بلعيز، حيث قال سلال في اختتام الدورة الخريفية للبرلمان "إن المقاطعين لن يفلحوا لأن الشعب يريد الاستقرار" بينما قال بلعيز "إن الترخيص بالنشاط الخاص بالحملة الانتخابية والتجمعات في القاعات سيمنح للمرشحين الرسميين فقط وأن المقاطعين لا مكان لهم في هذه المساحات"، الأمر الذي أثار المقاطعين واعتبروه مصادرة لحق يكفله الدستور والمتعلق بحرية التعبير عن الٍرأي. وهذه هي أول مرة "تنزعج" فيها السلطة من سلوك المقاطعة وتعبر عن انزعاجها علانية، حيث يظهر أنها لم تجد له حلاّ وأنه بات "شبحا" يطاردها في كل استحقاق رغم امتلاكها آليات وأساليب عديدة ل"التزوير"، حسب مراقبين. وبقدر ما شكلت المقاطعة "شبحا" للسلطة باتت تحسب له حسابه، فإنها شكلت أيضا "الملاذ الأخير" لأحزاب المعارضة بعدما نفذت أمامها سبل التغيير السلمي.
المقاطعة بين "تبرئة الذمة" والحفاظ على "المصداقية السياسية" اتسعت دائرة الداعين إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية القادمة خلال الأيام الأخيرة من أحزاب وشخصيات ترى أن السباق مغلق والمشاركة فيه يعد تزكية ضمنية لاستحقاق استفردت السلطة بإعداده وتنظيمه حسبهم فهل هذا الخيار سيخدم التغيير الذي تنشده هذه القوى أم أنه بمثابة خطوة ستفسح المجال للنظام لتمرير مرشحه دون مقاومة سياسية؟ شهدت كل الاستحقاقات الانتخابية التي نظمت في الجزائر على الأقل منذ العام 1999 حملات مقاطعة مع اختلاف في حدتها من اقتراع إلى آخر لكن لم يسبق أن كان لهذا الخيار السياسي تأثير ملموس أدى إلى توقيف عملية انتخابية أو الطعن في شرعيتها من الناحية القانونية . كانت أكثر قرارات المقاطعة حدة تلك التي شهدتها الانتخابات الرئاسية لعام 1999 عندما انسحب ستة مرشحين عشية السباق تاركين الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة فارسا وحيدا بحكم أنه رفض التراجع واشترط تزكية شعبية واسعة لقبول المنصب. وكان مبرر المنسحبين آنذاك أن العملية الانتخابية شهدت تزويرا واسع النطاق حتى قبل بدايتها بعد أن اكتشفوا في اللحظات الأخيرة أن للسلطة فارسها وجندت كل الإمكانيات لفوزه في الدور الأول. ورغم انسحاب كل المنافسين إلا أن نسبة المشاركة المعلن عنها فاقت ال 60 في المائة ليفوز بوتفليقة بنسبة 73.79% من الأصوات المعبر عنها. وكانت الإنتخابات الرئاسية لعام 2004 أكثر حدة من حيث المنافسة بعد ظهور ثنائية بوتفليقة- بن فليس لكن هذا الإقتراع الذي كان الأفافاس الحزب الوحيد الذي قاطعه إلى جانب دعوة قيادات الفيس المحل إلى المقاطعة سجلت نسبة المشاركة تراجعا طفيفا مقارنة برئاسيات 1999 حيث بلغت 58.07 بالمائة بمعنى أن قرابة نصف الناخبين امتنعوا عن التصويت فيه. وشهدت الإنتخابات التشريعية ل17 ماي 2007 اكبر نكسة من حيث نسبة المشاركة التي لم تتعد 35.65 بالمائة بمعنى أن ثلثي الناخبين رفضوا التوجه إلى مكاتب الإقتراع رغم أن دعوات المقاطعة اقتصرت فقط على الأفافاس وقيادات الفيس المحل إلى جانب عبد الله جاب الله الذي أزيح من قيادة الإصلاح الوطني. وكانت التفسيرات السياسية التي قدمت لتدني نسبة المشاركة هي سلوك الناخبين الجزائريين تجاه الانتخابات البرلمانية باعتبارها اقتراعا لا يحظى باهتمام الشارع عكس الإنتخابات الرئاسية و المحلية. وفي عام 2009 أين قام الرئيس بوتفليقة بتعديل الدستور لفتح عدد العهدات الرئاسية التي كانت محددة باثنتين في دستور 1996 شهدت الرئاسيات نسبة مشاركة في حدود 74 بالمائة رغم أن السباق طبعته "البرودة السياسية" على اعتبار أنه كان محسوما مسبقا بترشح الرئيس لعهدة ثالثة فضلا عن دعوات مقاطعة من الأفافاس وجاب الله والأرسيدي وقيادات الفيس المحل. وتكرر سيناريو العزوف عن الانتخابات في تشريعيات ماي 2012 عندما سجلت نسبة مشاركة في حدود 43 بالمائة رغم الظروف السياسية التي جرت فيها منها موجة الربيع العربي التي أعطت انطباعا بحصد الإسلاميين لأغلبية مقاعدة المجلس الشعبي الوطني فضلا عن فتح المجال لاعتماد عدد كبير من الأحزاب الجديدة لأول مرة منذ وصول الرئيس بوتفليقة للحكم عام 1999. ولم تشهد هذه الإنتخابات حملات مقاطعة واسعة باستثناء التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي أعلن عدم المشاركة فيها عكس غريمه في منطقة القبائل جبهة القوى الاشتراكية الذي دخل هذا السباق . ويظهر السرد التاريخي لظروف وكذا نسب الإقبال الشعبي على الاستحقاقات الانتخابية السابقة أن دعوات المقاطعة لم يكن لها تأثير كبير على العملية رغم أن عزوف الناخبين خلال السنوات الأخيرة أضحى سلوكا يؤرق السلطات ودعا وزير الداخلية الأسبق نورالدين يزيد زرهوني علماء الاجتماع إلى الخوض في الظاهرة بعد تشريعيات 2007 لمعرفة أسبابها الحقيقية . ومن جانبها لا ترى المعارضة داعيا لاستدعاء علماء الاجتماع والمختصين لتحليل هذا الواقع لأن السبب حسبها هو في يأس الناخب من التغيير عن طريق الصندوق واختيار السلطة لممثليه بدلا عنه. وفي هذا السياق انصبت مبررات الأحزاب التي دعت عشيت انتخابات 17 أفريل القادم للمقاطعة حيث ترى أن السلطة برفضها إنشاء لجنة مستقلة للإشراف على الإنتخابات وتغيير وزراء الداخلية والعدل أبدت عزمها على فرض الأمر الواقع والاستفراد بالانتخابات وبالتالي فدخول السباق يعتبر مشاركة ضمنية في الالتفاف على الإرادة الشعبية. وأبدت هذه الأحزاب اعترافا ضمنيا بأن عدم مشاركتها في السباق لن يغير في اتجاه الأمور لذلك ترى في أن "تبرئة ذمتها" من نتائجه أضعف الإيمان على الاقل لإحراج السلطة خارجيا وكذا الإبقاء على مصداقيتها السياسية داخليا مع التهديد باستعمال كل الوسائل لإقناع الناخب بعدم جدوى المشاركة.
المقاطعة مسموحة في القانون ممنوعة في الميدان تستعمل مقاطعة الإنتخابات كوسيلة من قبل مجموعة الناخبين للتعبير عن الإحتجاج السياسي، عندما يرى الناخب أن احتمالات تزوير الانتخابات قوية، أو أن النظام المشرف على العملية الانتخابية متحيز لمرشح بعينه، أو أن النظام السياسي المنظم للانتخابات يفتقد إلى الشرعية. بهذا التعريف وصفت الموسوعة الحرة "ويكيبيديا" مقاطعة الأشخاص أو الأحزاب السياسية الإنتخابات كخيار سياسي تلجأ إليه للتعبير عن المخاوف التي تلف الوضع السياسي ورفض الممارسات التي تهدد حرية التعبير عن الرأي. في بعض الدول حيث التصويت إجباري، قد تعتبر المقاطعة نوع من أنواع العصيان المدني، ويكون الحل البديل لمؤيدي المقاطعة هو إبطال الأصوات عن طريق "الأصوات البيضاء" (ترك ورقة التصويت فارغة) أو اختيار خانة "أرفض كل الاختيارات" (إن وجدت هذه الخانة). ويمكن للمرشحين الامتناع عن دخول السباق وحشد مؤيديهم لمقاطعة التصويت. في حالة الاستفتاءات، يمكن لمعارضي المقترح المستفتى عليه استخدام المقاطعة كتكتيك تصويتي، وفي حالة وجوب حد أدنى من الأصوات المشاركة لصحة نتيجة الاستفتاء، فيمكن للمقاطعة أن تؤدي لإبطال العملية بأكملها. في الجزائر يختلف الوضع كلية باختلاف تركيبة النظام السياسي وطبيعة العمل السياسي الذي يفلت من أية ضوابط قانونية ترسم حدود الممارسة السياسية. ولم تتضمن الدساتير وباقي القوانين على نصوص تذكر المقاطعة كخيار سياسي واقتصرت على مواد لضمان حرية المعتقد والرأي في المادة 36 من دستور 1996 المعدل في 2008 والمادة 41 التي تنص على ضمان حرية التعبير وإنشاء الجمعيات والاجتماع والمادة 42 التي تنص على أن حق إنشاء الأحزاب السياسية معترف به ومضمون. غير أن المشرع الجزائري وضع ضوابط أخرى قد تكون معيقة لممارسة المقاطعة في الميدان أو يمكن توظيفها كمبرر لتجريم المقاطعة، وهو ما نجده في الفقرة 4 من المادة 42 من الدستور التي تقضي أنه لا يجوز للأحزاب السياسية اللّجوء إلى الدّعاية الحزبية التي تقوم على العناصر المبيّنة في الفقرة السّابقة وهي ضرب الحرّيات الأساسية، والقيم والمكونات الأساسية للهوية الوطنية، والوحدة الوطنية، وأمن التراب الوطني وسلامته، واستقلال البلاد، وسيادة الشّعب، وكذا الطّابع الدّيمقراطي والجمهوري للدّولة. ويرى المحامي الأستاذ سمير بن موفق أنه ليس ثمة قانون يمنع المقاطعين من اتخاذ قرار مماثل، إلا أن قانون الإنتخابات يمنع المترشحين للرئاسيات من الإنسحاب من السباق بعد إيداع الترشيحات والمصادقة عليها من طرف المجلس الدستوري مثل ما تنص عليه المادة 141 من قانون الإنتخابات. وأضاف الأستاذ بن موفق في اتصال بموقع "الشروق أونلاين"، أن المادة 189 من قانون الإنتخابات تنص على أنه لا يمكن لأي كان ومهما كانت الوسيلة وبأي شكل كان أن يقوم بالحملة الإنتخابية خارج الفترة المنصوص عليها في المادة 188 من هذا القانون العضوي، وهو ما يعتبر منعا ضمنيا وليس قانونيا لنشاط المقاطعين في الأماكن المخصصة لإجراء الحملة الانتخابية. لكن هذا – يضيف الأستاذ بن موفق – لا يمنع الأحزاب المقاطعة من عقد لقاءات وتجمعات داخل مقراتها. وأشار المتحدث بخصوص تصريح وزير الداخلية بمنع المقاطعين من النشاط في الأماكن المخصصة للحملة الإنتخابية، أن الوزير صرح شفويا فقط وهو لا يستند لأية مادة قانونية. وأكد الأستاذ بن موفق أنه يحق للأحزاب المقاطعة فرض الأمر الواقع بتنظيم تجمعات للتعبير عن خيارها السياسي بطلب رخص لعقد التجمعات من السلطات الإدارية وفي حالة الرفض يتم اللجوء إلى السلطة القضائية باعتبار أن قرارات وزارة الداخلية تخضع للرقابة القضائية (القضاء الإداري). ورغم غياب المانع القانوني لممارسة المقاطعة في النصوص والمراسيم، إلا أن الأحزاب المقاطعة تواجه تحدي النشاط في الميدان وهو ما حددته المادة 192 من قانون الإنتخابات التي تنص على أن التجمعات والإجتماعات الإنتخابية تنظم طبقا لأحكام قانون التجمعات والتظاهرات العمومية. وتحظر المادة 197 من قانون الإنتخابات استعمال أماكن العبادة والمؤسسات والإدارات العمومية ومؤسسات التربية والتعليم والتكوين مهما كان نوعها أو انتماؤها لأغراض الدعاية الإنتخابية بأية طريقة كانت. كما تنص المادة 219 من نفس القانون على أنه يعاقب بالحبس من ستة (6) أشهر إلى سنتين (2) وبحرمانه من حق الانتخاب والترشح لمدة سنة (1) على الأقل وخمس (5) سنوات على الأكثر كل من عكر صفو أعمال مكتب تصويت أو أخل بحق التصويت أو حرية التصويت أو منع مترشحا أو من يمثله قانونا حضور عملية التصويت، كما تم التشديد على معاقبة كل من يتسبب بوسائل التعدي والتهديد في تأخير عمليات الانتخاب او حال دونها. ويحدد قانون التجمعات والتظاهرات العمومية رقم 89-28 المؤرخ في 3 جمادى الثانية عام 1410 الموافق 31 ديسمبر سنة 1989 والمعدل بالقانون رقم 91 - 19 مؤرخ في 25 جمادى الأولى عام 1411 الموافق 2 ديسمبر سنة 1991 شروط وكيفيات عقد التجمعات الشعبية وهو يهدف إلى تكريس حق الاجتماع طبقا لأحكام المادة 39 من الدستور و حدد كيفيات سير الإجتماعات والمظاهرات العمومية .
المقاطعون: الرئيس المقبل معين ولا معنى للانتخاب وصف حزب جبهة العدالة والتنمية قرار مقاطعة الانتخابات الرئاسية القادمة بالخيار الصائب الممكن تبنيه لمواجهة "التزوير الذي تأبى السلطة التخلي عنه في أي استحقاق انتخابي"، واعتبر رسالة حمروش مبادرة موجهة للأطراف المتصارعة داخل السلطة، أكثر منها رسالة موجهة للشعب، وبذلك فهي "خيار ثالث يمكن مناقشته". بن خلاف: لن نعطي الشرعية لانتخابات مزورة أكدت جبهة العدالة على لسان القيادي لخضر بن خلاف، بقاء نفس الظروف التي أجريت فيها كل الانتخابات السابقة والتي " تم تزويرها تزويرا مفضوحا، بلغ حدوده القصوى في الانتخابات التشريعية لسنة 2012". وقال لخضر بن خلاف في توصيفه للوضع السياسي القائم في البلاد أن حزبه شارك في عدة انتخابات سابقة، بناء على ضمانات قدمتها السلطة، إلا أن تلك الضمانات لم تحترم، وتم تزوير كل الانتخابات السابقة، تزويرا فاق كل التصورات في الانتخابات التشريعية لسنة 2012 والمزورة تزويرا "أنسانا كل عمليات التزوير السابقة". وعاد لخضر بن خلاف الذي يشغل منصب نائب رئيس جبهة العدالة عبد الله جاب الله ونائبا لرئيس المجلس الشعبي الوطني، للحديث عن ظروف إجراء الانتخابات السابقة، قائلا " سنة 1997 صدرت التعليمة رقم 16 للرئيس اليامين زروال، تحث الإدارة على احترام نتائج الانتخابات التشريعية، وتدخل قائد أركان الجيش وحث على نزاهة الانتخابات واحترام نتائجها وقال سنقبل بمن انتخبه الشعب حتى لو كان جاب الله، وأثناء عملية الفرز فوجئنا بتدخل جهاز معين، وقام بتزوير النتائج، وعندما ذكرناه بالتعليمة رقم 16 للرئيس زروال ، قال نحن لدينا التعليمة (16 مكرر). وأضاف أن الضمانات التي أعطيت من طرف رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في الانتخابات السابقة، لم تحترم، وظهر أن لجنة الإشراف التي استحدثها قانون الانتخابات لم تحم الانتخابات من التزوير، بل لاحظنا أن "الرئيس بوتفليقة ذاته تدخل في آخر لحظة ، عندما قال (طاب جناني) بالقيام بحملة انتخابية لصالح حزب معين، وتخلى عن حياديته كرئيس للدولة. ويرى بن خلاف في حديثه مع "الشروق أون لاين" أن مقاطعة الانتخابات المقبلة، هو الخيار الأنسب "لفضح السلطة" وعدم إعطاء الشرعية لانتخابات مزورة مرة أخرى"، وأوضح أن المقاطعة التي أقرها الحزب هي مقاطعة سلبية (الاكتفاء بعدم المشاركة دون دعوة المواطنين للمقاطة) وإذا اقتضى الأمر "سنلجأ للمقاطعة الإيجابية"( بالدعوة لعدم الانتخاب). انسداد في جهاز اختيار الرؤساء وقال عن المشهد السياسي القائم حاليا في البلاد، بأن الجهاز المتعود على اختيار الرؤساء، وصل إلى طريق مسدود، "ما اضطر بدعاة العهدة الرابعة، إلى محاولة فرض رئيس مريض غير قادر حتى على خدمة نفسه". واعتبر ما قاله رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش مؤخرا عبر وسائل الإعلام، رسالة سياسية موجهة للسلطة وليس للشعب، وهي عبارة عن دفتر شروط قدم فيه مقترحاته لأطراف السلطة من أجل طي صفحة الصراع القائم بينها، وحسب بن خلاف فإن تصريحات حمروش جاءت تحت ضغط جهات معينة حتمت عليه الخروج عن صمته، و"قد تشكل تصريحاته خيارا ثالثا بين أنصار العهدة الرابعة والرافضين لها داخل السلطة" والمبادرة في رأي بن خلاف أشبه بالدعوة إلى مرحلة انتقالية، وهو "خيار قابل للنقاش من جانب جبهة العدالة والتنمية". حمس: الرئيس المقبل معين جدد رئيس الكتلة البرلمانية لحركة مجتمع السلم نعمان لعور قناعة الحزب بقراره القاضي بمقاطعة الانتخابات الرئاسية القادمة، وسجل بارتياح انتهاج الحزب لهذا الخيار بوصفه خيارا صائبا، كون المشاركة في الاستحقاق الرئاسي القادم "لن تؤدي سوى إلى نفس النتائج المزورة التي عرفتها الانتخابات السابقة". وقال القيادي في حركة مجتمع السلم نعمان لعور ل"الشروق أون لاين" أن حركته شاركت في 14 عملية انتخابية، كلها عرفت سيناريوهات التزوير نفسها، ولا تزال المعطيات السابقة نفسها تحيط باستحقاق يوم 17 أفريل. وتساءل هل يمكن أن تكون انتخابات يشرف عليها مقربون من الرئيس بوتفليقة انتخابات شفافة؟. حمروش عرض نفسه على العلب السوداء وتحدث الناطق باسم "حمس" عن أشكال عديدة من التزوير، من بينها عدم اطلاع الأحزاب على العدد الحقيقي للهيئة الناخبة، مشيرا إلى أن ما تقدمه وزارة الداخلية من أرقام غير حقيقي. وقال في قرائته لرسالة رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش الأخيرة عبر وسائل الإعلام، أن حمروش عرض من خلال هذه الرسالة نفسه على العلب السوداء، وينتظر الجهة التي تتبناه. المقاطعة ستشمل الدعوة لعدم الانتخاب وأوضح المتحدث أن حركته ستقوم بحملة تشرح فيها أسباب مقاطعة الانتخابات الرئاسية، وتوضح للمواطنين حيثيات موقفها ومحاولة إقناعهم به "ويبقى المواطن حر في الذهاب أو عدم الذهاب للانتخاب". عمل سياسي بالمنطق المقلوب وعلق القيادي الحمسي نعمان لعور على مجريات العملية السياسية في الجزائر بالقول أن " أن العمل السياسي في الجزائر أصبح يدار عكس المنطق وعكس ما هو متعارف عليه، لقد أصبح الأشخاص أكبر من المؤسسات، وأصبحنا نرى أحزابا تباع لأشخاص بينما الأصل أن الشخص هو الذي يطلب دعم الأحزاب"، ويشير نعمان لعور إلى انسياق أحزاب وراء الأشخاص، في اختيار رئيس الدولة المقبل، بينما الأصل هو اختيار رئيس من داخل الطبقة السياسية والأحزاب، حتى يمكن محاسبته، و- في رأيه- فإن القصد من إبراز الأشخاص واعتلائهم مواقع أعلى من الأحزاب، هو القضاء على العملية السياسية، والقول بأننا لسنا بحاجة إلى تعبئة الشعب. الأرسيدي: ضبابية تؤشر لعدم حصول تداول على السلطة من جانبه يتمسك التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، على خيار مقاطعة الاستحقاق الرئاسي المقبل، وحجته في ذلك حسب تصريحات قيادييه هي أن السلطة لم تحدث القطيعة مع التزوير الذي طبع كل المواعيد الانتخابية منذ 1962. وترى التشكيلة ذاتها أن الضبابية التي تميز المشهد السياسي ، تؤشر "لعدم حدوث تداول على السلطة" . واتصلنا بمسؤول الإعلام والاتصال ب"الأرسيدي" معزوز عثمان، لمعرفة توضيحات أكثر حول مبررات حزبه ودوافع مقاطعته الانتخابات، إلا أنه رفض الإدلاء بأي تصريح ل"الشروق أون لاين" لموقف يخصه.
المقاطعة... القرار والتأثير قراء "الشروق أون لاين" يفضلون المواجهة يتواصل الجدل والنقاش بين قراء ومعلقي موقع "الشروق أون لاين" بشأن الرئاسيات، وسط إرتفاع الأصوات الداعية إلى تشكيل جبهة للمقاطعة، حيث كانت التعليقات مقسمة بين من هو مؤيد للمقاطعة، ومن هو معارض، ولكل حججه وآراءه حول عملية الترويج لها، في ظل بدء العد التنازلي للإستحقاقات الرئاسية المقبلة. المقاطعة ... فشل سياسي وليس تعبيرا ويرى المعلقون في هذا الجدل، أن المقاطعة هي فشل سياسي وليست تعبيرا، ففي إعتقادهم أن السياسي القوي يفتح الأبواب المغلقة، وهو حفظ لماء الوجه، ذلك لأن العمل السياسي يتطلب الكثير من الحنكة في التعامل مع كل التحولات التي تعرفها مختلف المواعيد السياسية، حيث وصف المعلقون موقف المقاطعة بالسلبي إذ يتعارض ومبادئ الديمقراطية، وبالتالي لا جدوى منها. الأحزاب المقاطعة فقدت مكانها في الساحة السياسية كما إعتبر العديد من المعلقين، أن مختلف الأحزاب السياسية التي تنادي للمقاطعة أصبح قرارها "لا حدث" وأعطوا نماذج كأمثلة عن حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية أول الأحزاب المقاطعة للإستحقاقات الرئاسية المقبلة معتبرين بأن الحزب فقد مكانه في الساحة السياسية منذ سنوات ومقاطعته أصبحت لا تغني ولاتسمن من جوع ، أما حركة مجتمع السلم وحزب عبد الله جاب الله "جبهة العدالة والتنمية" والأحزاب المشاركة في تكتل الجزائر الخضراء، فيرى المعلقون أن صراعاتها الداخلية أكبر دليل على ذلك فقد قاطعت نفسها منذ مدة. وطرح بعض المعلقين عدة تساؤلات من بينها "لماذا المقاطعة؟" ، أليس هذا هو الإستسلام الواضح؟ أتظنون أن هذا سيؤثر شيئا؟ إنكم لن تعجزوا دواليب سلطة ظالمة ولن تزيدوها إلا فرحا بقراركم، و هذا ما يجعلنا نشك فعلا في نواياكم.... وإن كان لكم برنامج فهلموا إلى الإنتخابات وهي الفيصل، و إلا فكفوا عن تصديع الرؤوس بهذا التذمر وهذه الشكوى من التزوير وما شابهه، و ليكن النصر للأكثر إخلاصا، ولا ينبغي أن يسقط الجزائريون في الفخ. الهروب إلى الوراء .. والمواجهة أفضل بكثير وعلى المستوى السياسي يضيف بعض المعلقين بأن الجزائر تواجه حالة فقدان ثقة وأزمة شرعية عميقتين، لكن لا يعني هذا أن يقاطع الجزائريون الصناديق في 17 أفريل المقبل، وقال العديد من المعلقين أن المقاطعة سوف لن تحل مشاكل المقاطعين بل هي هروب إلى الوراء، معتبرين المواجهة المفصلية أفضل بكثير لأن الخصم في إعتقادهم كلما أحس بضعفك باغتك، حيث ستسهل عليه الطريق ويضعك جسرا لتمرير مآربه، فحتى وأن لم تفز المهم أنك لم تتراجع وأثبت على الأقل وجودك. المقاطعون... وعقدة أرنب السباق بينما أكد آخرون أن للمقاطعة شروطا سياسية واضحة المعالم ودقيقة المفهوم حيث من عرف أن الشعب سيلغيه نظرا لسياسته الفاشلة والاقصائية قد أعلن المقاطعة ومن أراد أن يكون هو وإلا لا أحد أعلن المقاطعة ، وهذا يعتبر حسب المعلقين موقفا غير سياسي، فالمقاطعة -حسبهم- تكون ذات معنى في أربع حالات أولا لما تعمد الجهة الوصية إلى إقصاء الآخرين، ثانيا عندما تشعر الأحزاب أن مرشحيها مجرد أرانب سباق، ثالثا في حالة انسداد الحوار بين الرفقاء السياسيين رابعا في حالة الطوارئ. وحرص المعلقون على مطالبة الجميع بالإحسان إلى الشعب وتقدير صوته الذي سيعطه لمن يستحق. اللعبة مغلقة والنظام سيخلف نفسه فيما رأى آخرون، أن المقاطعة أفضل حل لأن القائمين على تسيير ثروات البلاد ، لم يستحوا ولم يشبعوا؟؟ ويريدون أن يعيثوا فسادا في رزق هذا الشعب المغلوب على أمره؟ معتبرين في ذات الوقت أن اللعبة مغلقة و النظام سيخلف نفسه، و لا يؤمن بالتغيير السلمي أو التبادل السلمي على السلطة مثله مثل الأنظمة العربية، حيث أصبحت السلطة في يد مافيا المال وهي غير مستعدة للتفريط أوالتنازل على مصالحها غير المشروعة. خيار حتمي لابديل عنه ...والنظام أغلق كل الأبواب من جهة اخرى أكد الطرف المؤيد للمقاطعة، أن هذه الأخيرة خيار حتمي لابديل عنه لأن النظام -حسبهم- أغلق كل الأبواب أمام الشعب والأحزاب، والمشاركة في الإنتخابات معناها تزكية للنظام وإعطائه الشرعية مرة أخرى ، مؤكدين في تعليقاتهم أن الشعب قد تعلم من التجارب السابقة، والكيس من إتعظ بغيره ،مضيفين أن الجزائر تعيش منذ الاستقلال أزمة من نوع آخر، وهي أزمة سلطة أو أزمة نظام، ولكنها أزمة مخيفة لأنها أخذت أشكالا لم يعرفها النظام السياسي الجزائري منذ قيامه، وأن الفترة الحالية تتسم بغياب الرئيس وضعف المؤسسات كلها، وقد تحمل ما يهدد المؤسسة العسكرية ويضعفها أو يدخلها في دوامة أو في ضرورة التحكيم في خلاف سياسي غير مسبوق. إن أغلب المعلقين يرون أن الجزائر تعيش حاليا حالة من التيهان والضياع الجماعي على كل المستويات السياسية والاجتماعية وما ينقص هو وثبة على جميع الأصعدة يقودها غيور حقيقي على الوطن يلتف حوله كل الشعب بدون خلفية تصفية الحسابات.