ستأخذ انتخابات الرئاسة المنتظرة في 17 أفريل المقبل على الأرجح صورة لن تختلف كثيرا عن استحقاق 2009. فالسلطة بشقيها المدني والعسكري ستعرض على الناخبين مرشحها، مرفوقين بتشكيلة من “المترشحين” من أجل الديكور ومتطلبات ديمقراطية الواجهة. وما يزيد من فقدان نكهة التنافس أن الحكومة عازمة على غلق اللعبة الانتخابية بمنع دعاة مقاطعة الموعد من النشاط في الفضاءات العمومية أثناء الحملة، بذريعة أنها مخصصة للمشاركين في هذا الاستحقاق فقط. هل تقنع الناخبين بإدارة ظهورهم للرئاسيات؟ أحزاب المقاطعة أمام امتحان “المصداقية على الأرض” فتح جزء من المعارضة عداد المقاطعة الانتخابية لموعد 17 أفريل المقبل دونما تأكد من حجم الكتلة المتوقع عدم مشاركتها في الانتخابات، بما يطرح تساؤل: هل تملك المعارضة مصداقية تمكنها من إقناع الناخبين بعدم التوجه إلى صناديق الاقتراع؟ المقاطعة مسألة “مصداقية على الأرض” يترجمها العزوف عن التوجه إلى صناديق الاقتراع يوم الانتخاب، بناء على قرار سياسي حزبي تطلقه قيادة الحزب ويتبناه مناضلوها، وإذا كان قرار كل من “التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية” و“حركة مجتمع السلم” بمقاطعة الانتخابات متوجها إلى مناضلي الحزبين ممن يمتلكون بطاقات الانخراط، فأمر قياس مصداقية القرار على الأرض سهل سهولة حساب عدد المناضلين، أما إن كان متوجها للشعب الجزائري، فمصداقية المقاطعة تتحكم فيها عوامل عدة لكنها محكومة بقناعات كل جزائري. وخارج المقاطعة التقليدية “غير المهيكلة” حزبيا ولا سياسيا، هل يمكن لدعاة مقاطعة رئاسيات 17 أفريل من الأحزاب تحقيق هدف تقليص الرقم الذي سوف يعلنه وزير الداخلية حول عدد المصوتين؟ والجواب له محدد واحد يتصل بمصداقية المعارضة وسط الجزائريين، في مقاطعة أو مشاركة يتدخل في حجمهما أيضا مسألة جوهرية تتعلق بترشح الرئيس بوتفليقة من عدمه. “الكتلة الصامتة” على الدوام هي شريحة تقاطع الانتخابات دائما منذ انتخابات عام 90 التي حققت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ فوزا ساحقا، حيث لم يتوجه إلى صناديق الاقتراع 41% من الجزائريين، والكل يعلم المكانة التي كان يحظى بها الفيس حينها، وهي كتلة ظلت تقاطع إلى غاية آخر انتخابات في الجزائر، ويتعلق الأمر بالانتخابات التشريعية في ماي 2012، ثم محليات نوفمبر من نفس السنة، حيث قاطع 57% من المواطنين مراكز التصويت. الأمر في نظر دعاة المقاطعة لا يتعلق بشك في قدرتها على التعبئة من أجل المقاطعة أو “مصداقيتها” في إلزام مناضليها التقيد بالقرار على الأرض، ولكن يتعلق بعدم إمكانية قياس حجم الكتلة النضالية لأحزاب المقاطعة، باعتبارها (أحزاب المعارضة والمقاطعة) لا تثق في نتائج الانتخابات المتعاقبة، والتي لم تمنحها مراتب أولى بدعوى التزوير، لذلك تتحدى هذه الأحزاب السلطة القائمة أن تنظم انتخابات نزيهة وشفافة، حتى تتيقن “السلطة” أن لخصومها فعلا الوعاء الانتخابي الكفيل بجعلها تفوز بالانتخابات، على غرار ما أفاد به رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري في آخر ندوة صحفية له الاثنين المنصرم، ورددها سابقوه من المعارضين مرارا. وتتراوح “مصداقية” أحزاب المقاطعة في إقناع الناخبين بإدارة الظهر لصناديق الاقتراع يوم 17 أفريل المقبل، بين قدرتها على التعبئة على الأرض، وأيضا بمدى قدرتها على “مواجهة” منع السلطة القيام بحملة مضادة للحملة الانتخابية النظامية، وهي بذلك أمام تحدٍّ مزدوج: الأول يتعلق بضرورة محافظة قيادات الأحزاب المقاطعة على “ماء الوجه” أمام مناضليها، والثاني إثباتها للسطة أنها فعلا متغير أساسي في أحداث “ديكليك انتخابي” باستطاعته قلب الموازين في العملية الانتخابية، من أجل دفع السلطة إلى إيلائها اعتبارا كفاعل في الاستحقاقات الانتخابية ما بعد رئاسيات 17 أفريل. غلق اللعبة الانتخابية قد يؤدي إلى فتحها السلطة قد تسلم مصير الرئاسيات للمجهول أو تدخلها منقسمة أكبر تحدي تواجهه السلطة عند كل موعد انتخابي هو كيفية تنفير المواطنين عن صناديق الاقتراع حتى تتمكن من إخراج نتائج لا على المقاس دون أثر للتزوير أو التعسف في استعمال السلطة، أو أي مظاهر أخرى تفسد الواجهة الديمقراطية التي تظهر بها الجزائر عند شركائها الأجانب. وتنفير المواطنين عن صناديق الاقتراع هي أحسن طريقة لغلق اللعبة الانتخابية كون السلطة حينها تكون اللاعب الوحيد في السباق، وكل الاتهامات والانتقادات ستوجه بعد ظهور النتائج إلى المعارضة التي لم تقدر على تجنيد الناخبين أو تقديم مرشح واحد ينافس مرشح السلطة. غير أن الرهانات تغيرت بمناسبة الرئاسيات المقبلة كون السلطة هذه المرة لا تبحث عن غلق اللعبة أمام المعارضة التي فهمت أنها مغلقة منذ فترة، بل هي تبحث عن غلقها أمام المترشحين الذين يتسابقون على دخول الرئاسيات بقبعة “مرشح السلطة”. “الديمقراطية الجزائرية” تنفرد عن كل ديمقراطيات العالم بتزاحم المساندين والناخبين على تقديم خدماتهم لمرشح السلطة، وتغرق الأحزاب والنخب المثقفة في رحلة البحث عن الشخصية المؤهلة لقيادة البلاد وترضى بها السلطة الحاكمة. وهذه الميزة التي تنفرد بها “الديمقراطية الجزائرية” جعلت السلطة أو من يصطلح عليهم بأصحاب القرار يؤجلون الحسم في خيارهم رغم دخول الحملة الرئاسية مرحلة متقدمة من عملية جمع التوقيعات. وقد يتأجل هذا الحسم لفترة أطول وتزداد معها الصراعات داخل حزب جبهة التحرير الوطني الذي يمثل بوصلة كل الجزائريين لفهم خيار السلطة في الانتخابات الرئاسية. واستمرار هذه الصراعات يعني غياب البوصلة، أضف إليها تضخم قائمة المترشحين للترشح وما رافقها من تعليقات هزلية لوسائل الإعلام التقليدية وعلى شبكات الإنترنيت. يصبح المشهد الرئاسي في المرحلة الحالية وكأنه خال من الرهانات. والنتيجة الوحيدة التي يمكن أن نتوقعها من مثل هذا المشهد هي أن المواطن الجزائري لن يقبل أن يتحول مصير البلاد إلى مسرحية كالتي نشاهدها حاليا مع المترشحين للترشح. وعليه يكون الحل هو ترك مهمة صناعة هذا المصير لمن يعرفون مصلحة البلاد ضمن المجموعة الصغيرة التي تعودت على صنع الرؤساء، خاصة في ظل التوترات التي يشهدها محيطنا الجهوي والدولي. غلق اللعبة إذن اكتمل ولا شيء يمكن أن يغير مجرى الرياح في الأسابيع المتبقية عن موعد 17 أفريل، ومع ذلك فالسلطة ربما لا تتحكم في أهم عنصر دخل في حسابات الرئاسيات هذه المرة ويتمثل في مدى قدرة الرئيس على الترشح لعهدة رابعة. وحتى إن كانت السلطة قد قررت تجاوز كل العوائق الصحية للرئيس وقررت تكييف حالة الرئيس مع بنود الدستور مهما كانت الأحوال، فهي لا تملك سلطة قرار إبقاء الرئيس على قيد الحياة إلى غاية 17 أفريل ولمدة معقولة بعد أفريل، كي لا تضطر لتنظيم موعدين انتخابيين في ظرف أشهر قليلة. أما إذا قرر صناع الرؤساء عدم ترك أي ورقة خارج أيديهم، فهذا يعني أن العهدة الرابعة قد أبعدت من الحسابات مسبقا، وفي هذه الحالة ستتحول كل مؤشرات غلق اللعبة الانتخابية التي نلمسها في كل ترتيبات السلطة إلى عوامل تفتح السباق أكثر مما تغلقه. حوار المناضل السياسي والباحث في التاريخ امحند أرزقي فراد ل “الخبر” “محيط بوتفليقة ينتظر فرجا من السماء“ ”هل تعتقد أن تأخر الرئيس بوتفليقة في إعلان موقف الترشح من عدمه متعمد لإضفاء ضبابية على الرئاسيات؟ “الضبابية” هي نقيض الأخلاق السياسية، وهي سمة بارزة في ذهنية التسلط، وركن من أركان السياسة الشمولية، تعتمد على المناورة والمخادعة والمخاتلة في الممارسة السياسية، بدل الشفافية المرتبطة بثقافة الديمقراطية، والضبابية أيضا لا تقيم وزنا للرأي العام. وقد يكون الرئيس معذورا في ذلك لأنه يدرك تمام الإدراك أن الأخلاق الديمقراطية لا تصنع الرؤساء في العالم العربي. ومن جهة أخرى يمكن تفسير هذه الضبابية باقتناع الرئيس المريض أنه لا يستطيع الترشح لعهدة رابعة، لكنه يعاني من ضغوط محيطه السياسي الذي يصرّ على عدم رمي المنشفة، ولعله ينتظر فرجا من السماء يعيد له بعض صحته، ويمكنه من الوقوف على رجليه لدقائق لإعلان ترشحه ولو بصوت خافت تسعفه تكنولوجية الإخراج، وتظهره في شكل يقترب من الصوت الطبيعي. لماذا تصر السلطة على توفير كامل الظروف التي تجعل من الانتخابات مغلقة؟ الفعل من جنس طبيعة النظام السياسي القائم. وما دام الاستبداد هو السائد عندنا فمن الطبيعي أن تسير قرارات السلطة عكس اتجاه القيم الديمقراطية. كما أن خيار غلق الانتخابات الرئاسية يؤكد بوضوح غياب إرادة سياسية لدى صناع القرار لتغيير النظام السياسي الحالي الذي كرّس الفساد والمظالم، ونهب المال العام، وأهدر الموارد البشرية القادرة على إنقاذ الجزائر من التخلف. ويؤكد هذا الغلق أيضا أن المال الوسخ قد تغوّل إلى درجة أصبح يشارك في تمديد عمر النظام الفاسد. ومن جهة أخرى فإن ترجيح خيار غلق الانتخابات الرئاسية القادمة يؤكد تواطؤ الدول الكبرى الناهبة لثروات الجزائر مع نظامنا السياسي الفاسد، فالأولوية لمصالحها الاقتصادية وليس للقيم الديمقراطية كما يعتقد البعض. هل تملك المعارضة التي أعلنت المقاطعة المصداقية الكافية لإقناع الناخبين بموقفها؟ ليس سهلا أن تمارس المعارضة دورها السياسي في ظل غلق الساحة السياسية والمجال الإعلامي والدوس على حرية التعبير، كما حدث أخيرا عندما أعلن وزير الداخلية منع دعاة المقاطعة من شرح موقفهم السياسي للشعب. فمن أين تأتي المعارضة القوية ونظامنا السياسي الشمولي قد وظف الريع لشراء السلم الاجتماعي، ووظف أموال الإشهار العمومي لخنق الإعلام الحر، وأغلق منابر السمعي البصري العمومي لغير المناصرين له؟ وأودّ أن ألفت انتباه القارئ الكريم أن مهمة نشر “الوعي الديمقراطي” ليست ملقاة على عاتق المعارضة فقط، بل يشترك فيها المثقف والنقابي والإعلامي والجامعي وجميع من له صلة بالنخبة والمجتمع المدني. ومن ثم فليس من باب تثبيط العزائم إن أقررت بأن نجاح المعارضة ليس على مرمى حجر. وعلى أي حال فمسيرة ألف ميل تبدأ بخطوة، وقد بدأت فعلا بتلاقي الإسلامي والعلماني الذي أعتبره خطوة جبارة في الاتجاه الصحيح. رئيس جبهة التغيير عبد المجيد مناصرة ل “الخبر” “السلطة تسمح لغير الأسوياء بالترشح” ما سبب الغموض السائد قبل شهرين من الرئاسيات؟ لقد أصبح هذا الأمر سلوكا ثابتا من قبل السلطة، بل طريقة سياسية في تسيير شؤون الدولة والتحضير للمحطات المصيرية في البلاد، لكني شخصيا أعتقد أن سبب كل هذا الغموض هو الوضع الصحي لرئيس الجمهورية، وهو الذي سيحدد مستقبل البلاد، أي أن الرئيس لم يحدد بشكل قطعي مدى قدرته الصحية على الترشح، ما جعل الرئاسيات في مرحلة انحباس سياسي، وهذا يؤثر على مصداقية الرئاسيات في حد ذاتها. لكن العشرات من المرشحين يتوجهون يوميا إلى مقر وزارة الداخلية لإعلان نية الترشح. أليس هذا مظهرا من مظاهر رئاسيات مفتوحة؟ تلك غلطة فظيعة من وزارة الداخلية أنها أطلقت تسمية مترشح على كل من سحب ملف الترشح، الداخلية تريد تصوير أن هناك منافسة وإقبالا على الرئاسيات، والصورة هنا موجهة للخارج وليس للداخل، لكنها تغالط الرأي العام لأنه بإمكان أي شخص حتى غير الأسوياء في عقولهم سحب الملفات للترشح، وربما يدخل تصرف الداخلية هذا أيضا في محاولات ربح الوقت إلى أن يكشف الرئيس بوتفليقة عن نواياه، فتفكير الجميع متوقف فقط في ترشح الرئيس من عدمه، والأكيد أنه لو يسمح وضعه الصحي بذلك لجهروا من الآن وفكوا انحباس الرئاسيات، اللافت والخطير والمؤسف أن الرئاسيات قد دخلت مرحلة الخطر والتأزيم، هناك مؤشرات أننا أمام رئاسيات دون مرشحين حقيقيين، وهذا ما يجعل الاقتراع المقبل فرصة لتعميق الأزمة بدل أن تكون فرصة لإعطاء حلول. هل تتصور أن بإمكان الأحزاب المقاطعة جر الناخبين نحو هذا الخيار؟ المقاطعة ستكون على علاقة بالضمانات السائدة في الرئاسيات، فالجزائريون إذا لاحظوا أن الانتخابات ستجري في شفافية ونزاهة سيصوتون، أما إذا اقتنعوا أنها كالانتخابات السابقة مجرد موعد فلكلوري فسيكون العزوف هو الموقف السائد، كما أني لست من القائلين إن انسحاب الرئيس بوتفليقة مثلا من السباق هو ضمان لرئاسيات نزيهة، لأن النظام القائم هو من يجري الانتخابات وليس الرئيس، أما في حالة العكس، أي إذا ترشح الرئيس، فهناك أسئلة أخرى يجب طرحها، هل سيكون هناك التزام بنصوص القانون، هل نتصور أن الرئيس سيذهب بنفسه لمكتب التصويت ليدلي برأيه، هل سيخاطب الجزائريين ويظهر أمامهم بكامل قدراته، أظن أن بوتفليقة رجل مسؤول ولعله يرى أن صحته لا تسمح ومؤهلاته لا تجعله قادرا على مسايرة وضع البلاد فينسحب، بخلاف محيطه المرتبط ارتباطا غريبا بالعهدة الرابعة.