عابد شارف بعد أيام أو أشهر، سيلقي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة خطابا للجزائريين يعلن فيه عن موقفه تجاه فكرة العهدة الثالثة التي ينادي بها حزب جبهة التحرير الوطني والمنظمات الجماهيرية، تلك الكائنات التي اعتقد الجزائريون أنها اختفت في كل بلدان العالم، باستثناء كوريا الشمالية. وسيأتي خطاب الرئيس بوتفليقة على أحد الشكلين، لا ثالث لهما. فإذا اختار الخطاب الأول، سيقول: »أيها الشعب الجزائري،»بناء على طلب الجماهير الشعبية، وتلبية لرغبة الأحزاب والجمعيات الوطنية، ونظرا للظروف التي تمر بها البلاد والتي تتطلب المزيد من العطاء والتضحيات، ورغبة منّا في ترسيخ المكتسبات التي حققتها الجزائر العزيزة خلال العشرية الماضية، والإنجازات التي حققتها جزائر العزة والكرامة والمصالحة، وبعد المسيرات الشعبية العارمة التي أبدى خلالها الشعب الجزائري بأكمله رغبته في أن تواصل الجزائر مسيرتها لبناء مستقبل زاهر، ومن أجل توسيع الحريات وتعميق دولة القانون، وتعزيز مكانة الجزائر التي استعادت كرامتها بين الأمم، قررت أن ألبي نداء الوطن مرة أخرى، وأن أضحي من جديد مثلما تعلمنا أن نضحي في سبيل الوطن، وأن أكون وفيّا لعهد شهدائنا الأبرار، وأؤدي الواجب المقدس في خدمة الجزائر، وأن أقبل نداء الملايين من المواطنين الذين طلبوا مني أن أترشح لرئاسة الجمهورية لعهدة ثالثة«. انتهى الخطاب الأول. أما إذا اختار الرئيس بوتفليقة الخطاب الثاني، فسيقول: »أيها الشعب الجزائري، إن الجزائر قطعت أشواطا كبيرة منذ أن تحملت أعلى المسئوليات في البلاد. وقد اجتهدنا وحققنا ما حققناه، وأدى مسعانا إلى نجاح يمكن أن نفتخر به في عدد من الميادين، فقد سعينا من أجل لمّ شمل الجزائريين، ووضع حد للفتنة والاقتتال، وعملنا كل ما في جهدنا للوصول إلى المصالحة الوطنية، واستعادة الأمن والاستقرار، وفرض سلطة الدولة. وشاركت معنا في هذا المجهود أطراف عديدة، من مؤسسات وأحزاب وجمعيات، وكان للشعب الجزائري الفضل في تحقيق ما توصلنا إليه. ولعلنا أخفقنا في بعض الميادين، لا بسبب تقصير منّا أو لأننا لم ندرك أهمية هذه القضايا، لكن مشاكل البلاد كانت معقدة، وكانت الأزمة متعددة الجوانب، وفرضت علينا أن نعطي الأولوية للنقاط التي اعتبرناها ضرورية. ورغم أننا وضعنا مبالغ هائلة في المشاريع التنموية، وهو المجهود الذي أصبح ممكنا بفضل ارتفاع أسعار المحروقات، إلا أنني أعترف كما سبق لي أن قلت من قبل أننا لم نتمكن من إقامة اقتصاد وطني قوي. ويبقى هذا الهدف من مسئوليات الأجيال القادمة. واليوم، وبعد هذا المشوار، وقد حان الوقت لتقييم حصيلة هذا المجهود الجماعي الذي كان للجزائريين والجزائريات دور أساسي في تحقيقه، فإني أدعو الله تعالى أن يسدد خطانا، ويعفو أخطاءنا. كما أتوجه إلى كل الجزائريين والجزائريين، سواء ساندونا في مساعينا أو رفضوا خياراتنا، أتوجه إليهم كلهم لأعلن أن خياري الطبيعي اليوم هو أن أحترم قواعد الدستور، وأن أمتنع عن الترشح مرة ثالثة، حتى يتمكن الجزائريون والجزائريات من تحقيق خطوات جديدة نحو دولة القانون، وإقامة نظام ديمقراطي، وتطبيق مبدأ التداول على السلطة، ليختار الجزائريون، وبكل حرية، من سيمثلهم في السنوات القادمة. وبذلك نفتح المجال لاستكمال أهداف نوفمبر المجيد. وكان لجيل نوفمبر الفضل في تحقيق الهدف الأول، وهو إقامة الدولة الجزائرية المستقلة على كافة أطراف التراب الوطني، فإن المشوار مازال طويلا لتحقيق الأهداف الأخرى، من أجل بناء نظام ديمقراطي والوحدة المغاربية التي تبقى الهدف الأسمى لكل بلدان المنطقة. وباتفاق مع المؤسسات الفاعلة في البلاد، وخاصة الجيش الوطني الشعبي، سأعمل لتكون الانتخابات الرئاسية القادمة انطلاقة جديدة لخروج البلاد من الأزمة نهائيا«. انتهى الخطاب الثاني. وإذا جاء خطاب الرئيس بوتفليقة على الصيغة الأولى، فإنه سيكرس المأزق الذي تعاني منه البلاد، وتدخل الجزائر طريقا مسدودا تقتصر فيه الحياة اليومية على الفضائح، وأعمال العنف، والفشل الاقتصادي والاجتماعي، والانهيار الأخلاقي، واندثار المؤسسات. وإذا كان خطابه على هذا النحو، فإنه لا داعي إطلاقا للكلام عن انتخابات سنة 2009، اللهم إلا إذا ظهرت في البلاد موجة شعبية كبرى من نوع »تسونامي«. أما إذا جاء خطاب بوتفليقة على الصيغة الثانية، صيغة تفتح بابا لإعادة بناء ما دمرته الأزمة، فإن بوتفليقة سيطمح للحصول على مركز لائق في تاريخ الجزائر، خاصة إذا كان حريصا على تنظيم نقاش سياسي حقيقي حول مستقبل البلاد. وسيبرهن بها أنه أدرك أن التحدي الحقيقي بالنسبة لرجل السلطة لا يتمثل في طريقة الوصول إلى الكرسي، إنما التحدي الحقيقي هو طريقة مغادرة السلطة: هل سيمجده شعبه بعد مغادرة السلطة أم أنه يرميه في منسيات التاريخ؟.