قال السيد عبد العزيز بوتفليقة يوم الخميس 12 فبراير، لما أعلن رسميا عن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، إن الرئيس الحقيقي هو ذلك الذي يحظى بمساندة الأغلبية الساحقة للشعب. وجاء تصريح السيد بوتفليقة ليحدد خريطة الطريق التي يجب على الحكومة والإدارة احترامها أثناء عملية تنظيم وإجراء الانتخابات، خاصة فيما يتعلق بنقطة أساسية وهي النسبة التي يريد أن يفوز بها في الاقتراع. * وكان الرئيس بوتفليقة قد فاز أثناء »انتخابات 2004« بنسبة 82 بالمائة. ومن الواضح أن نتيجة أفريل 2009 ستتجاوز أرقام 2004 بكثير، حتى يتأكد الجميع أن شعبية السيد بوتفليقة ازدادت من سنة إلى أخرى. وإذا عرفنا أن المنافسة ستقتصر على مرشحين من حجم موسى تواتي وعلي فوزي رباعين، فإنه من المنتظر أن السيد بوتفليقة سيحصل على أصوات ما يقارب 95 بالمائة من الناخبين. ومهما يكن، فليس من الممكن أن يحصل على أقل من تسعين بالمائة، وهو الرقم الذي سيؤكد حسب رأيه أن الشعب الجزائري اختار أن يمنحه ثقة تامة لقيادة البلاد. * هذه الأرقام معروفة. إنها أرقام ترمز إلى مراحل تاريخية محددة وأنظمة سياسية معينة. إنها أرقام تحمل معاني سياسية أصبح العالم العصري يرفضها. وحتى في زمبابوي وكينيا، حيث أدت الانتخابات إلى أزمات سياسية خطيرة، فإن هذه الأرقام قد اختفت لتفتح المجال أمام نتائج أخرى لها معانيها ودلالاتها السياسة. وأكدت بلدان مثل السينغال وغانا أن فوز المعارضة ليس حراما ولا كفرا، ولا يؤدي بالضرورة إلى حرب أهلية ولا إلى صدامات، خاصة إذا تصرفت السلطة الحاكمة بالحكمة الضرورية في مثل هذه المرحلة. * أما الأرقام التي تشير إلى أن الحاكم أو الزعيم حصل على أغلبية ساحقة تفوق 90 بالمائة، فإن العالم كله يعرف اليوم أنها لا تحمل أية مصداقية، ولا أي معنى سياسي، باستثناء التخلف الاجتماعي وضعف المؤسسات والانهيار الأخلاقي. وفي مثل هذه البلدان، فإن السياسة انتهت، وتركت المجال لسباق دائم من أجل الإعلان بالولاء للسلطان. وتقتصر المنافسة السياسية في تلك البلدان على السعي لإرضاء الحاكم بهدف الحصول على بعض الامتيازات. * ولا توجد هذه الأرقام في الوقت الحالي إلا في كوبا وكوريا الشمالية وعدد من البلدان العربية. أما في كوريا الشمالية، فإنها تعبر عن جمود بلد ونظام سياسي، ورفضه مواكبة العصر، حيث أن النظام القائم في كوريا الشمالية لم يتغيّر شبرا واحدا منذ أكثر من نصف قرن. وفي كوبا، فإن الأرقام الخيالية ترمز إلى نظام سياسي كانت له شعبية حقيقية في الماضي، لكنه غلق الأبواب أمام كل تطور، ورفض التغيير، مما دفع بالبلاد إلى الانكماش السياسي والفكري والاقتصادي، ليصبح الكوبيون في مؤخرة قافلة التقدم بعد أن كانوا طليعة حقيقية وأنموذجا للكرامة والتقدم الاجتماعي. * ومن جهة أخرى، فإن هذه الطريقة في تنظيم انتخابات »أحادية« تشكل نتيجة للتخلف وسببا للتخلف في آن واحد. إنها طريقة تمنع كثيرا من البلدان من التقدم الفكري والاجتماعي والسياسي، لأنها تحرم النقاش وتمنع بروز مؤسسات عصرية. وفي نفس الوقت، فإن غياب المؤسسات والتقاليد السياسية لا يسمح بالتقدم الاقتصادي والسياسي والفكري. * لكن ما لوحظ في العشرية الماضية هو أن عددا من البلدان استطاعت أن تفك هذه المشكلة وتخرج من الدائرة المفرغة، بفضل بروز نخبة جديدة استطاعت أن تتفهم هذه المعطيات وتتعامل مع العالم الجديد الذي يفرض نفسه. وفي الصين مثلا، استطاع الحزب الشيوعي أن يضع القواعد الضرورية ليفصل الاقتصاد عن السياسة، ويضمن قفزة اقتصادية كبرى. وفي البرازيل، فإن التطور السياسي والاقتصادي سمح ببروز معادلة جديدة فتحت الباب أمام سلطة عصرية حولت البرازيل من بلد متخلف يعيش بالانقلابات العسكرية إلى قوة اقتصادية كبرى. وبصفة عامة، فإن بلدان أمريكا اللاتينية دخلت عهدا ديمقراطيا جديدا، أدى إلى تقدم اجتماعي واضح وتحسن مستوى المعيشة للفئات الضعيفة دون أن يقهر الأغنياء. وشمل هذا التطور دولا عديدة مثل فنزويلا والبرازيل والتشيلي والإكوادور وغيرها، التي بدأت تتعلم كيف تتجنب الاصطدامات، واختارت اللجوء إلى الانتخابات الشفافة، وإلى المفاوضات لحل الأزمات بدل الانقلابات التقليدية التي كانت تميز هذه المنطقة من العالم. * كل هذه الظواهر انتخابات حرة، مفاوضات، احترام القانون، رفض العنف، خضوع السلطة للدستور، احترام حقوق الإنسان تشكل ما يمكن أن نسميه التقدم السياسي. كل هذه الظواهر اجتاحت أمريكا اللاتينية والشرق الأقصى، من سنغافورا إلى طايوان وغيرها. وفي نفس الوقت، فإن هذه الظواهر تعرف تراجعا واضحا في الجزائر، حيث أن مصداقية الانتخابات تتراجع من موعد إلى آخر، كما تتراجع معها طريقة تسيير البلاد. فالخطر لا يكمن في عدم مصداقية الانتخابات فقط، بل يكمن بالدرجة الأولى في الاتجاه العام للبلاد: إن الجزائر تسبح حاليا ضد التاريخ.