لم تعد الموضة مقتصرة على اللباس ولونه، تسريحة الشعر والإكسسوارات فقط بل امتدت إلى جوانب أخرى في الجسم أضفت على الوجه لمسات جديدة، فمن تغيير رسم الحواجب للنساء من موسم إلى آخر ومن سنة إلى أخرى لمسايرة ما تطرحه دور الموضة لدى عارضاتها، امتدت هذه الأيام إلى تسريحات الشعر وصولا إلى إطلاق اللحية بين الشبان العرب بصفة عامة والجزائريين بصفة خاصة، اقتداء بما هو متعامل به في الدول الغربية وعلى رأسها فرنساوالولاياتالمتحدةالأمريكية بدليل الخرجات الأخيرة لفناني هوليوود في حفل الأوسكار الأخير. اللحية التي تعرفها كل ثقافات العالم منذ زمن طويل، والتي كانت برغم بساطتها وطبيعتها، مصدر جدل في كل الأزمنة، كما ورد ذكرُها في كثير من المواقف والأحداث التاريخية، أصبحت اليوم مصدر إعجاب الرجال باعتبارها موضة تواكب الجمال والطبيعة خاصة إذا تم تحسينها، ولعل أغرب القصص حولها هي ضريبة فرضتها الملكة إليزابيث الأولي، في أعقاب تتويجها ملكة لإنجلترا، على كل من يطلق لحيته؛ كما يروي بعض المهتمين بالتاريخ الأمريكي أن لحية أبراهام لينكولن كانت أحد أسباب انتزاعه الفوز في انتخابات الرئاسة، عام 1860، وكان إطلاق القساوسة البروتستانت للحاهم إعلانا لنهاية البتولية المفروضة عليهم من الكنيسة. أما الإسكندر الأكبر، فقد أمر جنوده المقدونيين بأن يتخلصوا من لحاهم قبل أن يبدأ حملته العسكرية ضد الفرس، فوقف يخطب فيهم عام 323 ق. م. قائلاً: "أنا لا أطلب منكم شيئاً ذا بال عندما آمركم بأن تزيلوا لحاكم، فليس ثمة أفضل من اللحية أداة للسيطرة على رجل، إن تمكن منها غريمه عند النزال". ولأن من فطرة البشر حب التغيير، فقد حرصوا، في كل العصور عبر التاريخ، على أن يعيدوا ترتيب ما يحيط بهم من أشياء، وأن يبدّلوا مظهرهم، من حين إلى آخر، استجابةً لحاجة لديهم، أو رغبة في التعبير عن مشاعرهم وأحاسيسهم. وقد شمل ذلك الحرص على التغيير في الملبس والحلي وأدوات الزينة وطرق قص وتصفيف شعر الرأس - نساء ورجالاً- وشعر وجه الرجل (لحية وشارب)؛ وكانت اللحية، بجميع أشكالها، وسيلة للإعراب عن أشياء كثيرة، بدءاً من المعتقد الديني والفكري، أو التصنيف السياسي، وقد تكون دالة على الوضع الاجتماعي، كما أن وجودها، بحد ذاته، يمكن أن يكون إعلانا عن الرجولة والقوة البدنية، وكانت اللحية ترسم الوضعية الاجتماعية لصاحبها، وتميز بين الرجال منهم الحكام والمواطنين العاديين، وكان فرعون أحد مطلقيها كذلك حسب ما تذكره بعض الروايات. والحديث عن تاريخ اللحية قد يطول بطول تواجد الإنسان على الأرض غير أن رسولنا الكريم كان من الذين يطلقونها وطالب بإعفائها مع حلق الشارب وذلك تجنبا للتشبه بالمشركين في وقته، وقد تواترت الأحاديث النبوية الواردة في الأمر واتفق جل العلماء على أنها شعيرة ثابتة من شعائر الدين الإسلامي للتمييز بين الرجال والنساء، وفطرة ثابتة ووقار لمطلقيها ليبقى الاختلاف بين جمهور العلماء قائما حول الموضوع. وتمثل اللحية أحدث صيحات الموضة هذا العام، ويعد نجوم هولييوود مصدر الهام هذه الموضة التي اشتهرت بشكل كبير في السبعينات من القرن الماضي مع أشهر فرق موسيقى الروك مثل "بيجيز" و"ميتاليكا"، لتعود هذه السنة بشكل أكثر جاذبية، انطلق انتشارُها من باريس عاصمة الموضة العام الماضي لتستوردها الولاياتُالأمريكية خاصة منهم نجوم هوليوود المنتمون إلى عالم الفن والموضة ك"جورج كلوني" و"بن افليك" المشهورين بشكل كبير في عالم السينما. وتضاربت الآراء عند استفسارنا للأمر وسط الشبان بين إطلاقها للاقتداء بأشهر الفنانين الغربيين والممثلين الذين بدت آخر إطلالاتهم بشكل جديد ووسيم تعبر عن أحدث موضة بإطلاق لحاهم وتركها على طبيعتها ولكن بشكل محسّن في معظم الأوقات، ولأن البعض يقول إن إطلاقها صحي حسب ما توصّل إليه جمهور علماء الجلد وغيرهم.. غير أن الكل يعترف أن إطلاقها يُعتبر في هذه الفترة بالتحديد موضة عالمية انطلقت من باريس ثم أمريكا التي لجأت مؤخرا إلى عملية الزرع لمن حُرم منها وصولا إلى نجوم السينما التركية ك"مهند" و"أنجين أكيوريك" بطل مسلسل فاطمة و"خالد آرجنش" المعروف بسليمان القانوني بطل مسلسل "حريم السلطان". وإذا كانت مثل هذه الموضة تجلب الراحة للبعض وتنفس عن جلد الوجه وتعيد له عافيته، إلا أن الإشكال يطرح بشكل كبير لدى أكبر شركات شفر الحلاقة العالمية التي ستشهد إفلاسا حقيقيا في حالة الاستمرار في التعاطي مع مثل هذا النوع من الموضة.