إذا حدث وصادفت في الطريق شابا بمظهر (فاشن) أو مجار للموضة وسألته عن سبب اختياره لتسريحة شعره وملابسه الغريبة، فإنك ستعرض نفسك لثلاثة احتمالات، فإما أن ينفجر في وجهك ضاحكا، أو يقول إنه أمر لا يعنيك أو خاطيك وإنك لا تفهم في الموضة، وإما يفسر لك الأمر ويرحب بالحديث عن مظهره. كلها أمور إن لم نكن قد لمسناها بشكل مباشر من أصدقائنا فإننا سمعنا عنها، وهي في أغلب الأحيان تعكس عقلية المهووسين بالموضة التي تجاوزت الملابس والأحذية والأكسسوارات وتصفيفات الشعر الغريبة التي انتشرت كثيرا في مجتمعنا خلال السنوات الأخيرة. الحديث عن الأقراط الرجالية يعيدنا إلى الماضي حين كانت النسوة في المجتمع الجزائري وفي حالة وفاة رضيع ما بعد ولادته، يلجأن إلى ثقب أذن المولود الذي يليه ووضع قرط يسمى (العياشة) وهي مشتقة من كلمة ''العيش'' كنوع من التبرك حتى لايموت المولود الثاني، وهذه المعتقدات وإن اقتربت من الخرافات إلا أنها تبقى من عادات المجتمع التي تدخل في تركيبته البنيوية وتعطي بعدا لهويته. لكن ما كانت عبارة عن وسيلة للتبرك وللفال ولإبعاد الشر، أصبحت اليوم صرعة من صرعات الموضة، وتحولت ''العياشة'' إلى ''مناشة''، ولم يعد ''البيرسنغ'' أي ثقب الأذن مختصرا على الأذن، بل تعداه إلى أجزاء أخرى من الوجه كاللسان والفم والأنف والحواجب.... ولايبالي هؤلاء بالرسائل التي تبثها مثل هذه المظاهر بالنظر إلى مرجعها، فكثيرا ما تكون تعبيرا عن شعارات ورموز بعض الجماعات الماجنة في أوروبا وأمريكا كالوميناتي (عبدة الشيطان) التي تستهدف الشباب والمراهقين باعتبارهم سريعي التأثر لا يسألون عن خلفية الأزياء قبل ارتدائها وهذا من أجل تسريب بعض الأفكار التي تخدم أهدافا معينة، وهي تنشئة جيل بعيد عن هويته وعن قضاياه الأساسية، جيل مجرد من كل انتماء لوطنه ومجتمعه.. أحد الذين التقيناهم في الشارع وتحدثنا معه عن الموضوع أرشدنا لمكان بيع مثل هذه الإكسسوارات الخاصة بالشباب في أحد المراكز التجارية بباش جراح... وهناك التقينا بعدد معتبر من المحلات الصغيرة التي تتخصص في بيع إكسسوارات للرجال والنساء معا، والطريف أن معظم البائعات اعتقدن أننا نريد شراء الأقراط من أجل وضعها، إلا أننا أوضحنا لهن أننا بصدد إجراء استطلاع حول الانتشار الكبير لهذه الإكسسوارات في الوسط الرجالي وهو الأمر الذي استحسنته البائعات باعتبار أن الأمر أضحى ملفتا للانتباه ويدعو إلى التساؤل، ويستحق فعلا أن نستطلع حوله. وأكدت معظم البائعات أنهن توقفن عن بيع الأقراط للرجال تفاديا للمشاكل، وأشرن إلى أن أغلب الزبائن الذين يقبلون على مثل هذه الاكسسوارات هم من فئة المحبوسين السابقين أو من مفتعلي المشاكل، وفي قليل من المرات يكونون من المراهقين الذين يلبسونها لمجاراة الموضة أو من أجل تقليد نجوم السينما أو الغناء الذين يعشقونهم. ورغم أن جل الجزائريين لا يستحسنون وضع الرجل لأقراط باعتبارها عادة دخيلة، فإن البعض الآخر له رأي مخالف، حيث صارحتنا إحدى النساء التي التقيناها عند محل الأقراط قائلة: ''أنا لا أستبعد أن يطلب ابني نقودا كي يشتري قرطا لأذنه، فهو كثير الاهتمام بمظهره وأنا بدوري لن أمنعه من ذلك لأنني متأكدة من أنه لن يطيل ارتداءه فهو ابني وأنا أعرفه''. ولكن نتمنى أن تكون هذه الأم على معرفة حقا بابنها، لأن استحسان مثل هذه الأمور أو استسهالها عن غير قصد قد يقود إلى أمور أكبر وأخطر من مجرد لبس القرط، إذ قد يتعدى إلى تبني أفكار أخطر، ومن هنا تبرز الحاجة إلى التوعية والنصح. قصات شعر غريبة اقتداء بالنجوم الطبيعي والمعروف أن تشهد صالونات الحلاقة إقبالا كبيرا من قبل النساء من أجل التنويع في تسريحات الشعر وتجريب صبغات جديدة، والغريب أن يقصد الرجال الحلاق ليتفنن في تصفيف شعرهم، بل ويطلبون قصات عجيبة بعضها طويلة والأخرى بأشكال متنوعة، وهكذا أصبح مطلوبا من الحلاق التنويع بعدما كان يقتصر عمله على قص الشعر فقط، والغريب اليوم أنك ستجد المهتمين بتصفيف شعرهم قادرين على إعطائك درسا في كيفية الحفاظ على الشعر وتجدهم ملمين بآخر الطرق من أجل تطويله وتسريحه ويعتبرون أنه ومع إشراقة كل شمس عليهم تغيير تسريحة شعرهم... منهم من يجاري أصدقاءه ومنهم من يلجأ إلى تسريحات شعر مختلفة من أجل تلبية رغبة خاصة. اخترنا التوجه إلى أحد الصالونات الموجود بأحد الأحياء الشعبية وتفادينا الصالونات المعروفة، وذلك من أجل التحقق من أن ظاهرة التسريحات ليست متعلقة فقط بالأغنياء وأصحاب المال. وحسب ما أخبرنا به الحلاق فيصل فإن التجعيد (الديفريساج) أصبح مطلوبا من الشباب أكثر من الفتيات حيث أنه يستقبل حوالي 15 إلى 20 شابا من أجل التجعيد الذي يصل سعره إلى 800 دج، وفي كثير من المرات يقوم بإعادة التجعيد بطلب من الزبون الواحد مرة كل شهر على عكس الإرشادات التي تنصح بتجعيد الشعر مرة كل ستة أشهر وهذا ما يعرض الشعر إلى التلف وإلى الاحتراق من الجذور، وهي أمور يتغاضى عنها الكثيرون من أجل الظفر بتسريحة شعر مميزة وعصرية، ويضيف الحلاق أن الكثيرين يعمدون إلى طلب رسومات وخطوط يقوم الحلاق بنقشها على جلدة الرأس اقتداء بنجوم كرة القدم في دول مختلفة. لا شك أنه من الغباء انتقاد الموضة أو الاعتراض عليها إذا كانت تصب في زاوية تحسين المظهر والترفيه عن النفس أو الزيادة في أناقة الفرد فالاهتمام بالمظهر بالنسبة للجنسين أمر ضروري وتتوقف عليه أمور كثيرة شئنا أم أبينا... فالمظهر أصبح ورقة رابحة لمن يحسن استغلالها في حدود المعقول لكن الأشكال الجديدة والغريبة التي تنقلها لنا وسائل الإعلام والتي لا تتوافق مع طبيعة المجتمع الجزائري والعربي أضحت تشكل خطرا يهدد القيم والمبادئ التي لا يجب التغافل عنه.