مع حلول موسم الحر في كل عام، يظهر تهديد جدي يتربص بصحة الجزائريين، الذين يستهلكون مياه معدنية ومشروبات مختلفة، معبئة في قارورات بلاستيكية، يتم عرضها ونقلها تحت أشعة الشمس الحارقة، ما يحولها إلى مادة مسرطنة، تفتك بمن يستهلكها، ويجري كل هذا أمام أعين الجهات الأمنية والإدارية المختصة، التي تتساهل مع هذه الظاهرة، التي يفاقمها غياب الوعي الاستهلاكي لدى فئة كبيرة من المواطنين. يعتبر ماء الشرب، إلى جانب العصائر وغيرها، من أهم مصادر المياه للجسم. وهذا ما جعل الأطباء ينصحون بضرورة تناول لترين من المياه يوميا تجنبا للجفاف. وحتى يضمن الفرد هذه الكمية، وخصوصا في موسم الصيف، الذي تزداد فيه نسبة تناول المشروبات بأنواعها، فإن الإقبال على محلات المواد الغذائية يتضاعف، حيث تجاوزت الكمية المتناولة من قبل الجزائريين ال 07 ملايير لتر سنويا، غير أن أصحاب هذه المحلات، جهلا منهم أو استهتارا بحياة المستهلك، يعمدون إلى عرض قارورات المياه المعدنية والعصائر مباشرة لأشعة الشمس. وهذا ما حذّر منه المختصون، إذ إن تعريض القوارير البلاستيكية للشمس لفترة طويلة قد يؤدي بحياة المستهلك إلى الخطر والإصابة بأمراض مع مرور الوقت.. ولاية بومرداس، على غرار باقي ولايات الوطن، تشهد انتشارا كبيرا لظاهرة عرض المشروبات بأنواعها خارج المحلات التجارية، وقد أخذناها كعينة في هذا الموضوع.
عندما تتحول قوارير المشروبات إلى موطن لبكتيريا "البوليمار" ومن بين المحلات التي زارتها "الشروق"، خلال جولتها للوقوف على هذه الظاهرة، محل كائن ببلدية يسر، شرق الولاية، والذي لم يحدد صاحبه طبيعة النشاط الذي يمارسه. فبحكم ضيق محله، استغل الرصيف المحاذي له لعرض مختلف المنتجات المرتبطة بفصل الحر، منها لعب الأطفال، وعلى وجه الخصوص لعب البحر، نظارات شمسية، مثلجات، وكذا قوارير المياه المعدنية، التي كدسها هذا البائع فوق بعضها البعض تحت أشعة الشمس المحرقة. ولأن المنطقة معروفة بحرّها الشديد وكثرة الغبار، فإن هذا الأخير تراكم على هذه المنتجات وغيّر لونها الخارجي. وهذا ما قد يسبب فيما بعد العديد من الأمراض للمستهلك، خاصة وأن تحلل المواد الكيميائية لمواد تغليف المشروبات والعصائر بعد تعرضها لدرجات حرارة تتجاوز تلك المنصوص عليها في الوسم يؤدي إلى تجمع بكتيريا "البوليمار". نفس الأمر وقفنا عليه بعدد من بلديات ولاية بومرداس، حيث تحول عرض المشروبات خارج المحلات إلى ظاهرة تعود عليها مواطنو هذه الولاية الساحلية، التي لم يشفع لها توافد المصطافين عليها بشكل كبير، في الحد منها، وإنما ساهم في زيادتها، وذلك للفت انتباه الزبون، وبالتالي التقرب من المحل، وتحديدا بدائرة برج منايل التي يقدم تجارها على هذه الطريقة في ترويج منتجاتهم. والأدهى والأمر في هذه الظاهرة هو قيام عدد من الباعة المتجولين بعرض قوارير المياه تحت أشعة الشمس بمحطات نقل المسافرين بعد تبريدها في المنزل وترويجها داخل الحافلات.. وهذا ما رصدته "الشروق" بمحطتي الثنية وبومرداس.
ترسانة من القوانين والتعليمات يداس عليها ولا تطبق على أرض الواقع عربات تنقل المشروبات تحت أشعة الشمس وتجتاز الحواجز الأمنية ب "سلام" فاقت تجاوزات شاحنات نقل المياه المعدنية كل الحدود مع حلول فصل الصيف، بعد أن أصبحت لا تحترم أدنى شروط النقل والمعايير الصحية أو تغطية المياه بغطاء واق من أشعة الشمس أوالنقل أثناء الليل، حيث يتم تعريضها لأشعة الشمس وإبقاؤها لفترة طويلة تحت درجات حرارة تتجاوز تلك المنصوص عليها في الوسم، ما يهدد صحة المستهلك بعد أن يتحول الماء إلى "سم قاتل" في غياب أدنى شروط النقل الصحي والسليم للمياه المعدنية. ورغم ترسانة القوانين والتعليمات والقرارات المتعلقة بحماية المستهلك من كافة أنواع التسممات والأمراض التي قد تصيبه جراء تناوله مشروبات معرضة لأشعة الشمس، إلا أنه يداس عليها ولا تطبق على أرض الواقع، ولا يجد ناقلو المياه المعدنية أي حرج في تحويلها من ولاية إلى أخرى، وتحت درجات حرارة عالية، دون تغطيتها، حيث يجتازون جميع الحواجز الأمنية "نهارا"، من دون مراقبتها أو التحقق من مدى مطابقتها لسلسلة التبريد، في غياب سياسة واضحة لإحكام السيطرة على أصحابها وتضييق الخناق على المخالفين.. فأغلبية أصحاب شاحنات نقل وتوزيع المياه المعدنية، الذين تضاعف عددهم في الفترة الأخيرة، بعد أن تحول نقل المياه المعدنية إلى تجارة مربحة كونها تترأس قائمة المواد الأكثر تسويقا في فصل الصيف، لا يحترمون قوانين وشروط سلسلة التبريد، ويخالفون أدنى شروط التخزين والنقل، والذي يتم في ظروف مخالفة تماما لشروط الصحة والسلامة.
أصبحت من المواد الأكثر استهلاكا في الجزائر بعد النفور من الحنفية المياه المعدنية تستهوي الجزائريين وطريقة تسويقها تحولها إلى سموم قاتلة يصنف سوق المياه العدنية في الجزائر ضمن الفوضى الصامتة التي تعرف اختلالات كبيرة، وأخطارا متعددة على الصحة العمومية، مرتبطة بطرق العرض والتسويق والشحن. فالكارثة تبدأ من خروج المنتَج من المصنع إلى غاية وصوله إلى المستهلك، الذي لا يتساءل عن طبيعة وحالة المياه التي يشربها. حسب المختصين، فإن معظم القارورات التي تعبأ فيها المياه المعدنية آمنة إلى حد ما، لكن عندما تخزن في درجة حرارة ساخنة أو دافئة، فإن البلاستيك يسرب مواد كيميائية تؤثر على تركيبة الماء الذي يصبح بدوره خطرا على صحة المستهلك. ورغم النصائح التي يقدمها المختصون في هذا المجال، إلا أن أغلبية تجار المواد الغذائية لا يترددون في عرض المياه المعدنية خارج المحلات، وتصفيفها على الرصيف.. وهو المشهد الذي يكاد يطغى على أغلبية المحلات التي يفضل أصحابها تكويم قارورات الماء والمشروبات الغازية، لإظهار موقع المحل وجلب انتباه الزبائن.. لكن هذه الحركة البسيطة قد تودي بحياة أشخاص، على اعتبار أن مادة البلاستيك قابلة للتحول تحت تأثير الحرارة، وأشعة الشمس، وتكون لها تأثيرات سلبية على المادة المستهلكة. وحسب خبراء الكيمياء، فإن من أبسط المواد التي تحويها القارورة، هناك مادة تدعى "أونتي موني" التي تدخل في صنع القارورات البلاستيكية، والتي تزداد نسبتها كلما طال بقاء الماء في القارورة، سواء في المحل أم في البيت. ويزداد هذا التفاعل كلما ارتفعت درجة الحرارة، وبالتالي تزداد تأثيرات هذه المادة التي لها انعكاسات سلبية على الجهاز الهضمي، ومن أعراض هذا التأثير الإصابة بالإسهال والغثيان.
بقاط بركاني رئيس عمادة الأطباء الجزائريين ل "الشروق": أنصح باستعمال قارورات الزجاج للمحافظة على الصحة العمومية كشف الدكتور بقاط بركاني محمد، رئيس عمادة الأطباء الجزائريين ل "الشروق"، أن الاستعمال المفرط للمواد البلاستكية التي تحتوى على المياه المعدنية والمشروبات الغازية، التي لا تسوق وفقا للمعايير العلمية والطبية، منها دراجة الحرارة الكبيرة، قد تنتج مواد كيمائية تكون خطرة على الصحة. ربط محدثنا ذلك بالوقت الطويل وليس الاستهلاك المؤقت فقط، الذي يكون مرة أو مرتين، مشيرا إلى أن المياه المعدنية يجب أن لا تكون عرضة لأشعة الشمس الحارقة. كما أن نقلها لا يتطلب مبردات خاصة على غرار الحليب ومشتقاته، وأنه من المستحيل أيضا إنجاز مخازن تبريد عملاقة في بعض الولايات الجنوبية، التي تعرف درجة حرارة كبيرة كون المياه لا تتلوث في مدة قصيرة بل تمتد إلى عدة سنوات، مؤكدا أن جميع دول العالم منها الجزائر تفضل البلاستيك على الزجاج والعلب الكرتونية، غير أن الفرق يكمن في المراقبة ومدى الحرص على سلامة المستهلكين لتفادي الأمراض. وعليه يجب مراعاة جوانب الحفظ وتاريخ الصلاحية ومدة الإنتاج، وإلا أصبح الاستهلاك من دون مواصفات مضبوطة يشكل خطورة على الصحة، مؤكدا أن البلاستيك عادة ما يفرز مادة "بولي. إي. تيلان". وقد تحدث بعض المواد المؤثرة في حال التعامل مع المنتَج خارج الضوابط وفي مدة كبيرة جدا. واستبعد محدثنا تشكيل القارورات بعد استعمالها ثانية أمراضا على الصحية، قائلا: ينبغي التأكيد على النظافة الدورية والتعقيم فقط. وذهب محدثنا إلى أبعد من ذلك، حينما حذر من ترك قارورات المشروبات الغازية وغير الغازية البلاستكية عرضة للشمس وعدم وضعها في أماكن الحفظ المحدد لشروط السلامة، لأنها تفرز- حسب قوله- مصبرات وملونات كيمائية قد تتلوث وتحدث تسممات جسمانية، لكنه استبعد في نفس الوقت الإصابة بالسرطان، إلا في حالات معينة لأن جسم الإنسان يختلف من شخص إلى آخر ولكن قد يكون أحد الدواعي، إذا كان تناول المشروب غير المراقب صحيا بصورة مستديمة وكبيرة. وذكر الدكتور بقات أن انتشار سرطان الأمعاء حول العالم، والجزائر خصوصا، قد تكون من بين أسبابه المصبرات والمواد الحافظة للمشروبات الغازية التي تظل لسنوات في قارورات بلاستكية ثم تروج بطرق مختلفة، داعيا إلى ضرورة العودة إلى قارورات الزجاج باعتبارها أكثر أمنا على الصحة العمومية.
رئيس الفيدرالية الوطنية لحماية المستهلكين ينصح بالشراء من المراكز التجارية احذروا... قارورات المياه والمشروبات المعرضة للشمس تسبّب السرطان حذّر رئيس الفيدرالية الوطنية للمستهلكين، حريز زكي، من اقتناء المياه والمشروبات المعروضة لأشعة الشمس، على مستوى المحلات، لأنها تسبب السرطان، داعيا إلى الصرامة من قبل مصالح مديرية التجارة ومصالح الأمن في مراقبة شروط عرض هذه المنتجات. أوضح زكي حريز، في تصريح ل "الشروق"، أنّ أصحاب المحلات التجارية لا يبالون بصحّة المستهلكين، وأنّ هدفهم الرئيس هو الربح، بعيدا عن شروط الحفظ والعرض، مؤكّدا أنّ المحلاّت الصغيرة يلجأ أصحابها غالبا إلى تكديس قارورات المياه والمشروبات بالخارج، وذلك ما يؤثّر في تركيبتها، على اعتبار أنّ مادّة البلاستيك مصنوعة من مادّة بترولية، ومع ارتفاع درجات الحرارة يقع تجاذب ما بين العبوة والسائل ويتحول البوليمار إلى مونومار في شكله الأصلي وهي ملوثات كيميائية يؤدّي استهلاكها لعدّة مرّات إلى الإصابة بداء السرطان، مضيفا أنّ هذه السلوكات التي تظهر بكثرة في فصل الصيف سواء بالنسبة إلى تجار الجملة أو التجزئة، تمثّل خطرا حقيقيا على الصحّة العمومية، ويجب اتخاذ الإجراءات اللازمة بشكل عاجل لوضع حدّ لها. وقال إنّ الخطورة تكمن أكثر بالنسبة إلى أكياس الحليب وعلب الياغورت، بحيث إنّ الانقطاعات في التبريد نتيجة الشحن من منطقة إلى أخرى تؤدّي إلى تلفها وتحوّلها إلى مواد مسرطنة. وللوقاية من هذه المخاطر، اقترح رئيس الفيدرالية الوطنية لحماية المستهلكين، تغيير القارورات البلاستيكية التي تباع فيها مختلف المنتجات إلى أخرى زجاجية، ناصحا المستهلكين باقتناء حاجياتهم من المراكز التجارية الكبرى التي تحترم إلى حدّ ما شروط الحفظ والعرض. وأشار زكي حريز، إلى أنّ هناك مرسوما تنفيذيا يمنع عرض مثل هذه المنتجات تحت أشعّة الشمس، إلاّ أنّ هناك تماطلا من قبل مصالح مديرية التجارة ومصالح البلديات في تطبيقه على أرض الواقع. كما دعا مصالح الأمن والدرك إلى تشديد الخناق على الناقلين بإلزامهم احترام شروط التبريد، عن طريق قياس درجة الحرارة بالترمومتر على مستوى الحواجز الأمنية.