عندما وقف الرئيس الأمريكي قبل خمس سنوات على متن سفينة سلاح الجو الامريكي "ابراهام لينكولن" ليعلن بأن "المهمة قد أنجزت وان العمليات العسكرية في العراق قد انتهت".. كان ذلك تعبيرا عن عجرفة وغطرسة مفرطة تماماً مثل تقديره الحالي بأن: "هجمة الجنرال (بتروس) في تنفيذ الخطة الأمنية في العراق قد أدت الى انتصار استراتيجي في الحرب الأوسع نطاقا ضد الارهاب".. ان الحرب في العراق والتي انطلقت في1991 واستمرت بأشكال متعددة هي الأطول والأكثر تكلفة في تاريخ الولاياتالمتحدة التي قدرها الحائز على جائزة نوبل المختص الاقتصادي (جوزيف شتيغلتس) بثلاثة ترليونات دولار، هي ايضا الأقل حسما من بين كل الحروب التي خاضتها امريكا.وكما قال ونستون تشرشل: (ان الحروب قائمة أخطاء).. فستظهر غدا عندما تتداول محكمة التاريخ هذه الحرب كم هي الخسارات الفادحة التي منيت بها الولاياتالمتحدةالأمريكية.. ان كل الأهداف الأمريكية المعلنة وغير المعلنة باءت بالفشل، فرغم انها حطمت المجتمع العراقي الى شراذم طائفية وعرقية وارهقت اعصاب المنطقة تخويفا وترويعا، الا انها لم تستطع ان تعزز تسيدها على المنطقة وفي العالم، وأصبحت دعوتها لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط مزحة سخيفة... وألقت بظلال خطيرة على الاقتصاد الأمريكي والمجتمع الأمريكي تهددهما بكوارث.. وبرهنت للأصدقاء والأعداء على حد سواء عن ان القوة الأمريكية محدودة.كما اعطت هذه الحرب الفرصة لإيران في تعاظم تطلعاتها النووية، حيث يدرك الايرانيون ان المعارضة للحرب داخل الولاياتالمتحدة على اثر نتائج الحرب على العراق قد شطبت خيار الضربة المضادة على ايران من جدول الأعمال. وهكذا استطاعت ايران ان تبرز زعامتها في المنطقة.. كما ان ايران النووية قد تهدد قدرات الولاياتالمتحدة في ارسال قوات تقليدية الى الخليج في حالات الطوارئ. وآخر مآسي الرئيس بوش التي اكتشفها ان كل محاولة لتعزيز الديمقراطية العربية تقود الى وصول الاسلام المناهض للغرب كنموذج للحياة لسدة الحكم. هذا ما يحدث مع الإخوان المسلمين في مصر والشيعة في العراق او حماس في السلطة الفلسطينية.. او العدالة والتنمية في تركيا او المحاكم الشرعية في الصومال، وهكذا.. الأمر الذي يجعله وجها لوجه في حرب ضد الديمقراطية وهذه خسارة استراتيجية تمنى بها السياسة الأمريكية.ان امريكا مصابة بدوار القمة وجاءت حرب العراق لتكون المنعطف التاريخي نحو الانهيارات المدوية.. وكما لاحظ البروفيسور شلومو بن عامي وزير خارجية الكيان الصهيوني الأسبق: (حقيقة ان امريكا ليست مصدر الهام للشعوب في منطقتنا التي تحكم من قبل الأنظمة الاستبدادية الفردية بدعم من امريكا ليست مسألة جديدة تماماً ومدوية، ولكن الأمر الجديد هو ان أمريكا قد تفقد قدرتها الردعية).