1-الاشتراكية هي مستقبل الجزائر ولا خيار أمامنا اليوم إلا فتح أبواب التيارات التقدمية. 2- آسيا جبار خدمت التيار الفرانكفوني المتعجرف وهاجمت الجزائر في عز الإرهاب. 3- من واجب فرنسا أن تعوض الجزائر لكن علينا أن نعيد النظر في شأن الحركى. وصفته إحدى الجرائد اللبنانية بقولها "يرى فيه البعض المحارب لطواحين الهواء بحثا عن بطولة وهمية أو شهرة زائفة، ويرى فيه البعض الآخر البطل المصر على الإمساك بجمرة الحقيقة بحثا عن وعي ما"، هو هكذا باختصار رشيد بوجدرة الكاتب الثائر ضد الكل والمصر دوما على مواقفه التي سجلته ككاتب مثير للجدل. في الحوار الذي جمعه ب "الشروق"، جدد التمسك بمواقفه من المصالحة والتيار الإسلامي وأشياء أخرى قالها صاحب "الحلزون العنيد" بصوت مرتفع. - بعد طول انقطاع، لماذا عاد بوجدرة للغة الفرنسية مع أنه من المبشّرين بصعود الرواية المعربة في الجزائر؟ *** كتبت بالعربية منذ 1982 وصنّفت تقريبا عشر روايات بالعربية آخرها "تيميمون 1993"، ولما جاءت فترة الإرهاب رفضت دور النشر الجزائرية الخاصة التي بدأت حينها في الظهور كما رفضت الدور العمومية "ايناق" طبع تيميمون وأجبرت على طبعها في ألمانيا مجانا وأدخلتها إلى الجزائر في الحقائب ووزعتها مجانا على بعض المكتبات التقدمية والمتفتحة وبعض الأصدقاء. وهكذا بقي بوجدرة ممنوعا طيلة العشرية السوداء، ممنوعا لدى الدور الخاصة خوفا من الإرهاب، والغريب أن لا أحد يتحدث عن هذا الموضوع رغم أن الكثير من المبدعين كانوا على علم بأن كانت هناك نوع من الرقابة مفروضة على بوجدرة، وهنا قررت أن أعود للكتابة بالفرنسية لأني كنت مخيرا بين أن أكتب بالفرنسية أو لا أكتب لأني رفضت الصمت، وهكذا عدت للكتابة بالفرنسية ووقعت عقدا مع الدار الفرنسية بست روايات وكانت هذه آخر رواية، وكان من المقرر أن تصدر في باريس ولكن دار الغرب بوهران طلبت مني بإلحاح أن تصدر الرواية لأسباب اجتماعية وسياسية، وحتى نخرج من مركزية العاصمة ونعطي الفرصة للمدن الأخرى والدور الشابة حظها في الثقافة والإبداع منحت الرواية لدار الغرب والآن سأعود للكتابة بالعربية بعد نهاية عقدي مع الدار الفرنسية. - هذه الرواية أهديتها إلى الأقدام السوداء والرفقاء الشيوعيين الفرنسيين، هل تساند تيار الحركى؟ *** أنا كمواطن لي تاريخ معروف، كنت في الجبال وقاومنا الاستعمار الفرنسي وليس لي أي مشكل من هذه الناحية ولكن احبتت من خلال هذه الرواية التي كل أحداثها واقعية معاشة من خلال مذكرات أحد الجنود الفرنسيين التي حصلت عليها من ابنته، أن أقول أن هناك فرنسيين يحبون الجزائر ودافعوا عن الجزائر وحتى أنهم رفعوا السلاح إلى جانب الثورة، ومن جهة أخرى، أردت أن أطرح قضية الحركى رغم أني مبدئيا ضد هؤلاء الناس الذي اخطأوا في تاريخهم ولكن الأغلبية الساحقة منهم الآن صاروا شيوخا كبارا وعاودهم الحنين إلى البلد، وهم اليوم يدفعون ثمن أخطائهم تائهين مرفوضين من فرنسا ومرفوضين من الجزائر. وأردت عبر "فندق سان جورج" أن أنبّه إلى أبناء الحركى أيضا، هم أبرياء مما ارتكبه أوليائهم، كما أن هناك من الجنود الفرنسيين من رفضوا المجيء إلى الجزائر ضربوا وأجبروا على المجيء وفيهم من عذب وضرب من طرف الجيش الفرنسي باستثناء طبعا الأقدام الحمر الجزائريين من المسيحيين واليهود الذين دخلوا المقاومة بعد سنة ونصف من التردد ولدينا اليوم شهداء كثيرون منهم " مايو" والدكتور "كوليو" في الأوراس وغيرهم مئات كانوا شيوعيين لكنهم أحبوا الجزائر وناضلوا من أجل استقلالها. الأمور بالنسبة لي واضحة ولا عقدة ذنب لدي في هذا الاتجاه. - انطلاقا من هذا التاريخ، ما رأيك في مطلب اعتذار فرنسا عن جرائمها في الجزائر ؟ هذا حق وعلى فرنسا أن تعترف بهذا الحق وتعترف وتطلب السماح وتعوض الجزائر ماديا كما عوضت إيطاليا ليبيا وتعوض كل مستعمراتها، وهذا واجب فرنسا تجاه ماضيها، وعلينا أن نحترم واجب الذاكرة، لا ننسى ما فعلته هنا فرنسا في 54 وقبل 54 من مجازر وتجاوزات رهيبة، ورغم أن هناك أطرافا حاولت أن تستغل القضية بطريقة سياسوية وتخلق نوعا من العداء والكراهية والعنصرية تجاه فرنسا، نحن لسنا عنصريين ولا عقدة لنا تجاه الفرنسيين واعتذار فرنسا لنا واجب ومطالبتنا به حق مباح. - لماذا هاجمت آسيا جبار لما دخلت إلى الأكاديمية الفرنسية، هل لأنها كتبت بالفرنسية؟ بالنسبة لي هي كاتبة متواضعة جدا جدا ولا تمتلك الشعرية التي تكلمنا عنها منذ قليل، وهذه حقائق وأنا شخصيا لا أرى في كتابات آسيا جبار أدبا، كما أنها من حقها أن ترفض أدبي إذ هي كوفئت عن خدماتها للتيار الفرانكفوني ثم لا تنسي أنه حتى تدخلي إلى الأكاديمية الفرنسية يجب أن تقصدي الأربعين عضوا الموجودين في الأكاديمية واحدا واحدا وتقنعيهم وتطلبين منهم التصويت لصالحك، وهي قامت بمجهود جبار في هذا الاتجاه. ومن جهة أخرى، عندما كانت الجزائر تعاني من الإرهاب كانت آسيا جبار تلعب دورا سياسيا ضد الجزائر والجيش الجزائري والمقاومة وكانت تساند مقولة "من يقتل من" وأن الجيش هو الذي كان يقترف المجازر والجرائم، كانت تروج لمثل هذا الكلام وهي تعيش في باريس منذ 30 سنة، وهي موظفة لدى الدولة الجزائرية بحيث ذهبت لأول مرة بعد الاستقلال إلى فرنسا في إطار مهمة كلفتها بها التلفزة الجزائرية للبحث عن بعض الصور والتاريخيات المتعلقة بالجزائر في الثورة وقبل الثورة، ثم مكثت هناك 10 سنوات بأجرة عظيمة وعظيمة جدا ثم أصبحت مديرة مساعدة في المركز الثقافي الجزائري ولم تطأ رجلها يوما مكتبها المغلقة طوال المدة وتتقاضى أجرة ضخمة مثل سفيرنا في باريس، وتأتي فيما بعد لتفتح النار على الجزائر في عز الإرهاب يعني "يأكل الغلة ويسب الملة ". هذه أشياء أنا ارفضها وأقولها لآسيا جبار علنا وقد تناقشت معها في هذه الأمور، والحقيقة أن آسيا جبار كانت وقتها في تيار الأفافاس الذي تعاطف مع الفيس ونحن كنا في تيار آخر، هي اختارت الانتماء إلى فرنسا وهذا خيارها "الله يعاونها ويزيدها"، أنا شخصيا لو طلب مني أن أدخل إلى هذه الأكاديمية كنت سأرفض، بالإضافة إلى أنني لم اقتنع يوما بفضاء وعوالم آسيا جبار، ليس لها لغة ولا بنية، لديها قصص وسرد و"تجيد الحكاية". - في أحد تصريحاتك حمّلت النخبة مسؤولية صعود التيار الإسلامي، في رأيك لماذا فشلت النخبة في التأسيس لخيار آخر؟ *** نعم النخبة فشلت وأنا لا استثني نفسي من هذا الفشل، فشلنا ولست أدري لماذا. هذه قضية تاريخية عويصة جدا على المؤرخين أن يجيبوا عليها. في فترة ما كان التيار الاشتراكي التقدمي أو الشيوعي قويا جدا في الجزائر وفجأة بعد وفاة بومدين رحمه الله ووصول الشاذلي إلى هرم الدولة بدأت الأمور تتدهور إلى حد وصولنا إلى هذا الواقع، كذلك لا نغفل أن قضية التيار الإسلامي مربوطة بقضية العروبة والتيار الناصري خاصة الذي كان برغم عيوبه ونقائصه تيارا تقدميا، عندما سقط التيار الناصري صعد التيار الإسلاموي وقد كان الإخوان المسلمين يناصبونه العداء ومنذ سقوط التيار الناصري بدأ الشقاق والمشاكل تدب في الأحزاب والقوى التقدمية في الوطن العربي بمساعدة طبعا أمريكا أولا هي التي خططت من خلال حرب أفغانستان مع السعودية والوهابية لصعود هذه التيارات. لا ننسى أعداءنا الكبار الذين تسببوا وأخذوا الجزائر كمخبر للإرهاب هي السعودية أولا وثانيا وأمريكا فيما بعد أعطت المستندات والمساندة، وحدثت فيما بعد نوع من الثورة السياسية التي جاءت فجأة ولم نقرأها، لم نستبق الأمور ولم نفهم صراحة ونحن كنخبة مسؤولين وأنا منهم مسؤول عن هذا الفشل الذريع، الكارثة التي حطت بنا منذ 15 سنة ولم تنته بعد. - في نفس السياق عارضت بشدة المصالحة والعفو الشامل، برأيك ما هي البدائل المطروحة اليوم أمام الجزائر للخروج من الأزمة؟ *** بالنسبة لي الأطروحة مبسطة وبسيطة، هو العودة إلى الإسلام الجزائري الوطني، إسلام العائلات الجزائرية البسيطة، الإسلام الطيب والسلمي السليم والمتفتح، نحن نريد أن يعود هذا الإسلام ويأخذ مكانه من جديد، ولكن كذلك يجب فتح المجال للتيار التقدمي الذي ينادي بتحرر المرأة والمساواة الاجتماعية. كل هذه الأمور يجب أن تعود رويدا رويدا، هذا هو الحل الوحيد لمعالجة الأزمة الاجتماعية العميقة لدينا. في هذا الصدد، أنا جمهوري أناصر النظام الجمهوري، أما قضية الدولة الإسلامية اليوم فما معناها ونحن نرى أن الفقير ازداد فقرا والغني استغنى أكثر وأصبح الفقر فاحشا والغنى فاحشا، هنا في العاصمة وحدها 38 ألف شخص من رجال ونساء يبيتون في العراء والشوارع وهذا في الجزائر العاصمة وحدها، هذا بالنسبة لي عيب كبير نحن لم نحرر البلد من أجل أن يبيت الناس في العراء ونرى من جهة أخرى البذخ، الفيلات والمسابح... - في هذا الجانب، هل ترى أن التيار الاشتراكي الذي تؤمن به مازال له من دور يلعبه؟ ***** الاشتراكية هي حقيقة مستقبل الجزائر والعالم، وهذه حتمية ودورة التاريخ، ولنرى ما يجري في أمريكا اللاتينية من عودة الماركسيين للحكم وأغلبية الدول أمريكا اللاتينية البرازيل التي تمثل ثلاثة أرباع أمريكا ونفس الشيء الأرجنتين والشيلي والإكواتور.... التاريخ يشهد تقلبات وتحولات وهو ليس شيئا جامدا، من هذا المنطلق مستقبل الإنسان والإنسانية هو الاشتراكية. ثم ما معنى الاشتراكية؟ هي ببساطة وبدون فلسفة ولا إديولوجية أن الذي يملك خبرة عليه أن يقتسمها مع من لا يجد ما يأكل، الاشتراكية هي هكذا لا أكثر ولا أقل. - أنت تتحدث كثيرا عن اختراق الطابو الجنسي والمحظور في كتاباتك، لماذا تعتبر تجاوز المحظور شرطا إبداعيا؟ ***** اعتبر التجاوز شرطا إبداعيا لأن الكاتب الذي لا يخترق الطابوهات ليس كاتبا، ولأني اعتبر الكاتب هو الذي يستفز الوضع والواقع الاجتماعي الذي وصل حدا من المجون والانحلال والسرقة والتعفن والفساد. وفي نفس الوقت نتحدث عن مجتمع صحي ومجتمع فاضل، مثلا المرأة التي لا تدخن في الشارع لماذا تدخن في الأماكن المظلمة، هذا نوع من النفاق الاجتماعي رغم أن المرأة غزت مختلف الميادين من القضاء والصحافة والطب والتعليم أي هذه المرأة التي تحمل اليوم هم المجتمع مازالت مظلومة من طرف الرجل، لهذا لا اعتبر الكتابة في هذا السياق من باب تحطيم الطابو ولكن هذا واقع، وهكذا أنا، صريح مع نفسي، أكره النفاق والظلم، أكره الاستبداد واللامساواة. - يشتكي بعض الكتاب الشباب من غلق المجال أمامهم من طرف كتاب السبعينيات والحرس القديم؟ **** قضية قتل الأب شيء صحي وظاهرة صحية وأنا من آثارها وتحدثت عنها طويلا، أنا لما كتبت التطليق كانت لدي فكرة قتل الأب الأدبي وهو كاتب ياسين، لكني أتسائل هنا أين الجيل الذي جاء بعدنا أمثال حمدي رزاقي حرز الله كلهم اضمحلوا اليوم وقد كانوا يسمون أنفسهم "المغضوب عليهم"، أين هو غضبهم، كلهم ذابوا في السلطة وتبوّؤوا مناصب عليا منهم مدير كلية وسيناتور وغيرهم. أنا أبدا لم أصل ولن أصل إلى منصب سيناتور القضية تبدأ من هنا، فهناك جماعة دخلت الأدب طمعا في أشياء أخرى أو دخلوه قرصنة وقد اضمحلوا، وهناك الجيل الذي جاء بعدهم يكرر نفس الشيء، وأنا اعتبر أن هذه الأمور والنقاشات عادية جدا وتحدث في كل جيل. في جيل ياسين كانت قلة فقط من الجزائريين بإمكانها أن تكتب، وفي جيلنا زاد العدد قليلا وفي جيل اليوم تضاعف العدد وهكذا. أما مشكلة الجيل الجديد أنه يريد الوصول بسرعة إلى البطولة والمناصب والظهور الإعلامي، ونحن بعيدون عن هذه الأمور ولا نحتاجها، أنا مثلا ترجمت رواياتي إلى 32 لغة عبر العالم ولم أقصد يوما أية دار نشر أطلب منها أن تترجم لي لأني ومنذ البداية لم أكن أريد إلا أن أصبح كاتبا وفضلت أن أكون معلما في الثانوية ولا أدخل الجامعة حتى أتجنب "الأستذة"، وهذا خيار، ولذا أقول لهؤلاء الشباب نحن اليوم نريد ألف بوجدرة وألف وطار وألف كاتب ياسين وألف محمد ديب بل نحن بحاجة إليهم ولكن بدون "تهافت التهافت". - في الأخير، هل هناك مشروع ما في الأفق؟ لدي مشروع رواية ضخمة بالعربية عن الثورة الجزائرية، لكن بمفهومي أنا وبطريقتي وأسلوبي، أن تصدر في الجزائر وفي بيروت ليست فيها لا بطولة ولا أشخاص كبار. حوار زهية منصر