تصل المبالغ المالية التي توزعها المساجد على المحتاجين والفقراء خلال شهر رمضان إلى الملايير، وتبلغ قيمة أموال الزكاة على مستوى مسجد واحد ما لا يقل عن 200 مليون سنتيم، فضلا عن قفة رمضان وملابس العيد، ما جعل المسجد ينافس وزارة التضامن في العمل الخيري والمساعدة الاجتماعية. تكثف المؤسسات المسجدية خلال الشهر الفضيل من النشاط التضامني والخيري، وتتحول إلى مراكز لتقديم الإعانات ورفع الغبن عن الفئات الهشة، متفوقة في كثير من الحالات على وزارة التضامن وعلى الجمعيات ذات الطابع الخيري، نظرا للثقة الكبيرة التي يحظى بها المسجد لدى عامة الناس، الذين يفضلون إيداع الصدقات لدى بيوت الله، ويشرف على العمل التضامني ما يسمى بمجلس سبل الخيرات، ويتكون من أئمة بمختلف رتبهم، إلى جانب موظفين بقطاع الشؤون الدينية يتم تعيينهم من قبل المدير الولائي، علما أن هذا المجلس الذي يعد من بين تركيبات المؤسسة المسجدية، يخضع لنص قانوني، لكنه لم يتم تفعيله، وفق تأكيد "جمال غول" رئيس المجلس المستقل للأئمة، ما جعل العمل الخيري يخضع لاجتهادات الإمام، دون أن يرقى إلى نشاط إلزامي منصوص عليه في القانون، وتعد هذه الإشكالية من بين المطالب التي يريد الأئمة تسويتها، فضلا عن ضرورة التزام كل إمام بإعداد تقرير مفصلة عن النشاط التضامني على مستوى المسجد الذي يؤمه، لتبيان مقدار مساهمة هذه المؤسسات الدينية في العمل الخيري. وتسبق عملية جمع المساعدات وضع إعلانات داخل المساجد تدعو المحسنين إلى المشاركة في العمل الخيري عن طريق التبرع بمواد غذائية، وبالموازاة مع ذلك يوضع صندوق خاص لإيداع المساعدات المالية لمن يريد تقديمها نقدا، والتي توجه لاقتناء قفة رمضان، ويسبق كل ذلك ضبط قائمة الفقراء بدقة، استعانة بأهل الحي الذي يوجد به المسجد، إلى جانب مطالبة المستفيدين من المساعدات بإعداد ملف يتضمن شهادة الإقامة وشهادة عائلية ونسخة عن بطاقة التعريف الوطنية وكذا استمارة القسم، التي تعد ضرورية لرفع كل شبهة عن المستفيدين من قفة رمضان وكذا زكاة الفطر، وعلى خلاف مصالح البلديات التي توزع قفة رمضان مرة واحدة في الشهر بطريقة علنية وعلى مستوى مقراتها، في ظروف تطبعها غالبا مظاهر الإهانة، بسبب التدافع والطابور الطويل الذي يتشكل أمام مزاكز تجميع الإعانات، فإن المساجد تعتمد على شباب متطوعين يقومون بإيصال قفة رمضان إلى غاية بيوت المحتاجين ليلا بعيدا عن الأعين، حفاظا على كرامتهم، وتتكرر هذه العملية أسبوعيا على مدار الشهر. وأعطى ممثل نقابة الأئمة على سبيل المثال المسجد الذي يشرف عليه، والذي يعرف باسم "أبوعبيدة بن الجراح" ببلدية باش جراح، الذي وزع أول قفة مع بداية رمضان بقيمة 10 آلاف دج، في انتظار قفة الأسبوع الثاني والثالث بقيمة 3000 دج، وقفة مماثلة خاصة بمستلزمات العيد بنفس القيمة تقريبا، كما سيحظى هؤلاء المعوزين من إعانة مالية معتبرة أخرى من خلال توزيع زكاة الفطر، التي تبلغ سنويا على مستوى هذا المسجد ما لا يقل عن 200 مليون سنتيم، علما أن هذه الأرقام قد ترتفع حسب مساهمات المحسنين، والمستوى المعيشي لكل بلدية. وتعد مائدة الإفطار من بين أهم أنشطة المساجد في رمضان، غير انها تخضع للإمكانات الممنوحة لها، من بينها المساحات التي يمكن أن تستقبل عشرات المحتاجين وعابري السبيل لتناول وجبة الإفطار، ويبلغ عدد الوجبات التي تقدمها الكثير من المساجد إلى أكثر من 500 وجبة يوميا، ونذكر على سبيل المثال مسجد "أسامة بن زيد" ببئر مراد رايس بالعاصمة، وهناك بعض المساجد التي توسع نشاطها الخيري ليشمل دور العجزة، وفق تأكيد "جلول حجيمي" رئيس النقابة الوطية للائمة، إلى جانب ضمان إفطار يومي بسيط بعد أذان المغرب لفائدة المصلين، وإفطار جماعي لفائدة تلاميذ المدارس القرآنية رفقة ذويهم، وهي مبادرة تهدف إلى ترسيخ علاقة المسجد بالمجتمع. وتتمتع المساجد بالحرية الكاملة في ممارسة النشاط التضامني طيلة رمضان، ولا تتعرض لأي مضايقات تذكر من قبل الإدارة أو جهات أخرى، رغم الفراغ القانوني الذي يطبع العملية، خصوصا فيما يتعلق بجمع الإعانات المالية لاقتناء قفة رمضان، وهي عملية لا يمكن أن تتم دون الحصول على ترخيص من الوالي، وفق ما ينص عليه قانون جمع التبرعات، ويطمح الأئمة إلى إيجاد تنسيق بين وزارة التضامن لتنظيم العمل الخيري، وكذا استصدار مرسوم مشترك بين وزارة الداخلية ووزارة الشؤون الدينية لتأطير النشاط التضامني والخيري.