شهادات مهرّبة ومسرّبة من عدّة اجتماعات رسمية، لوزراء وولاة ورؤساء دوائر وأميار ومديري مؤسسات، لا يجدون لغة يعبّرون بها عن غضبهم وتذمّرهم واستيائهم، من المسؤولين الأقل رتبة منهم سوى بإطلاق رصاصات "الله لا تربّحكم"، "والله ما تحشموا"! لكن هذه الرصاصات فيما يبدو، هي مجرّد طلقات "تخلع ولا تقتل"، أو بعبارة أخرى فإنها "بارود عراسي"، أو "محيرقات"، أحيانا هدفها التعبير عن مكبوتات، وأحيانا أخرى "الانتقام"، وفي كثير من الحالات، التعبير عن واقع مرّ ومؤسف، يستدعي القنبلة بالنابالم والنووي! المصيبة أن "الله لا تربحكم" لم تعد تجد نفعا، فالربح بالنسبة للكثير من الفاشلين هو ليس هذه الكلمات الجارحة والعاصفة، وإنما "الفايدة" هي تلك الغنائم والريوع التي تُجمع تحت الطاولة خارج القانون والأخلاق! الطامة الكبرى أن "والله ما تحشمو" لم تعد نافعة هي الأخرى، ف"الحشمة" بالنسبة للعاجزين هو أن يمدّ أيديه وأرجله إلى بيت مال المسلمين، ويعيث في المناصب والمسؤوليات فسادا! قد يكون من المفيد، البحث عن مخارج نجدة وحلول وبدائل أخرى، بعيدا عن "الله لا تربحكم" و"الله ما تحشمو"، وقد يكون "الله يهديكم" أو "الله يشافيكم ويعافيكم"، طريقا آخر لتحميل المسؤوليات وحلّ المشاكل! صحيح، أنه في لحظة هيستيريا وفوبيا، يصبح الواحد من العقال يتفوّه بما يتفوّه به المجانين، لكن الحكمة تقول: "خذوا الحكمة من أفواه المجانين"، ولعلّ المهازل والفضائح والجرائم التي يرتكبها هؤلاء وأولئك في مجال التسيير والتدبير، تتطلب عقابا عمليا وليس إطلاق "دعاوي الشرّ"! لقد غرقت فنون إدارة الشؤون العامة والخاصة في فنجان قهوة ساخن وبلا سكّر، ولذلك يفضل مسؤولون معاقبة الأقلّ منهم مسؤولية ب"الله لا تربحكم"، وفي أحسن الأحوال ب"والله ما تحشمو"! المطلوب هو صرامة عادلة وتوزيع عادل للمسؤوليات قبل الثروات، وإبعاد لمنطق التمييز والمفاضلة، والمرغوب فيه هو تكريس للجزاء والعقاب بالعدل وبالتي هي أحسن، وبعيدا عن عقلية "الحشمة" التي كثيرا ما رجّحت الكفّة لصالح الرداءة على حساب الكفاءة! التسيير لا يكون ب"الله يرحم والديكم" ولا ب"الله لا تربحكم"، وإنّما وضع النقاط على الحروف والتعامل مع الحقيقة كما هي بلا تزييف ولا تحريف ولا تسويف، وهذه قد تكون أقصر طريق، نحو تغيير ما يُمكن تغييره بالواقعية وبالموجود بدل البحث عن المفقود إلى أبد الآبدين، وبعدها كم هو جميل عندما تتغيّر "الله لا تربّحكم" ب"الله يربّحكم"، و"والله ما تحشمو" ب"والله غير تحشمو"!