أحرقت فرنسا كل معالم الحياة في الجزائر، ليس بالنابالم فقط، بل أدى حرصها على امتلاك ''محيرقات'' الكبار إلى حرق رفان إلى يوم يبعثون، واقتداء بها ترانا نشعل النار في كل مكان، فأنا مثلك لا أجزع من الحرفة لأننا أمة نارية· ورغم أن الصحراء خالية بيئيا إلا أنها عامرة بالبترول الحراق عبر الأنابيب وعلى ظهر الناقلات العملاقة، لكنها حرقة قانونية ومطلوبة، رغم أن ريوعه لم تفلح في إطفاء الحرائق الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، بل حتى الحرائق الغابية في أحراش الشمال العامر أو في نخيل الجنوب الخاوي· ولولا فقاعات الفرح الكروي العابرة التي تلهينا عن دمامل الحزن اليومي لنفذنا انتحارا جماعيا كالذي سمعنا به منذ أيام عندما أقدم زوج وزوجته وابنتهما باستعمال البنزين (هكذا) على إحراق أنفسهم· ولأن حب الوطن احترق هو أيضا في قلوب الغلابى من الساكنة، بعد أن رأوا القائمين على شؤون البلاد والعباد يحرقون ما بقي من ركائز الكرامة ويجدعون ما زاد من النيف فيما يشبه الخصاء الاجتماعي والحضاري كعقاب كبريتي لأحفاد الذين أذل آباؤهم بنت إبليس (فافا)، ليتجرع الجميع حرقة النكبة بمناسبة كل ذكرى وطنية، ومن قال بأن مصائب الأوطان أقل إيلاما من مصائب الأديان؟! لم يبق يا سعد لا أسد الشمال الأخضر ولا حبارى السهل الأحمر ولا غزال الرمل الأصفر، طوى الجميع قانون الانقراض الطبيعي الذي لا يرحم أمة من الحيوان إلى الإنسان ما عبثت بمصير أجيالها القادمة· وارجع البصر هل ترى غير نار الفساد والعبث تلتهم ما في المياه الزرقاء أو السدود الخضراء، بل وكنوز الغبراء التي تسميها نكاية الصحراء، ثم يقدم لنا ذلك كله على أنه إنجازات حضارية وهو صورة أخرى للحريق اللاهب في فندورة كل جزائري· ولا أطفأ الله نارك يا سعد· د· رمضان زعطوط طبيب وأستاذ علم النفس بجامعة ورفلة