عبد الناصر أطل تقرير "فينو غراد" الاسرائيلي بدقته وشفافيته المعهودة ليصدم الاسرائيليين بحقائق مرّة تؤكد أن الكيان الصهيوني الذي بلغ من العمر ستين عاما من الدم، قد تذوق لأول مرة في تاريخه هزيمة أمام "مجموعة من البشر" كما أسماهم التقرير. هزيمة تجلت في البر والبحر والجو في غياب جيش كلاسيكي معادي اشتهر بزعامات الكلام والسلاح المغشوش.. ودون الخوض في تفاصيل هذا التقرير الذي يضع تاجا تاريخيا واستراتيجيا على رأس مجموعة من العرب والمسلمين، ويشكك في قدرات أقوى جيش في الشرق الأوسط، حريّ بنا أن ننحني اعترافا بهذا الكيان الذي أسمى دائما الأشياء بأسمائها، فكان منذ عام 1948 يسحق العرب في كل الحروب التي أشعلها فيصدق دائما ويكذبون علينا، وعندما تلقى الصفعة الموجعة من جنود حزب الله صدق أيضا وقدّم لشعبه حقيقة الهزيمة رغم احتفاظه ببعض الأسرار التي قد تهز في حالة الكشف عنها أسس بناء هذا الكيان. ويشهد التاريخ أن زعماء إسرائيل من بن غوريون إلى أولمرت لم يتورطوا أبدا في هم آخر غير الهم الاسرائيلي، وحتى أرييل شارون الراقد في غيبوبة آخر العمر، والذي جاوز سنه الثمانين تعبا ومرضا ظل دائم السؤال عن أحوال اسرائيل وقيل إنه ذرف دمعة عندما علم أن الجيش الإسرائيلي عجز عن تحرير الجنديين الأسيرين، بينما يفجعنا أمين الجميل الذي رأس لبنان في بداية الثمانينيات وهو يستهزئ بحزب الله ويصف تواجد جثث اسرائيليين لدى حزب الله بالحقيقة المقرفة. في الزمن الناصري كانت الجيوش العربية تخوض مجتمعة الحروب ضد كيان لم يكن قد بنى دولته بعد وتخرج منهزمة وتغتبط بفشلها بإقامة الولائم ويحافظ الزعيم العربي برغم تضييعه للأرض وللعرض على عرشه مادام هو الذي يكتب تقرير الحرب، فينهيه بالثناء على قادة جيشه فتتهاطل الرتب والنياشين على أكتاف وصدور مهندسي الهزيمة حتى تحوّلت الأمة إلى نكتة تتعاطاها الأمم حتى الثمالة. كلمة اعتراف قالها السيد حسن نصر الله في أرييل شارون الذي مازال وفيا لقضيته، برغم الموت التي تطارده، وكلمات اعتراف قالها كل الإسرائيليين في السيد حسن نصر الله لأنه لم يكذب أمامهم أبدا، لأجل ذلك جاءت الحرب الأخيرة متكافئة وغابت عنها صور الذل والانبطاح، وانتهت المعركة باعتراف الخاسر بهزيمته عبر تقرير "فينوغراد" الذي وبّخ أولمرت وبيريتس، وعجزنا نحن عن تحرير تقرير واحد بل رفضنا حتى أن نقول لسيد المقاومة ولجنوده.. "شكرا لكم".