العلاقات الجزائرية الصومالية "متينة وأخوية"    وزارة التضامن الوطني تحيي اليوم العالمي لحقوق الطفل    فلاحة: التمور الجزائرية تصدر إلى أكثر من 90 دولة    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44056 شهيدا و 104268 جريحا    أيام إعلامية حول الإثراء غير المشروع لدى الموظف العمومي والتصريح بالممتلكات وتقييم مخاطر الفساد    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة التعاون الإسلامي: "الفيتو" الأمريكي يشكل تحديا لإرادة المجتمع الدولي وإمعانا في حماية الاحتلال    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    عميد جامع الجزائر يستقبل رئيس جامعة شمال القوقاز الروسية    فلسطين: غزة أصبحت "مقبرة" للأطفال    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    يد بيد لبناء مستقبل أفضل لإفريقيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بحث المسائل المرتبطة بالعلاقات بين البلدين    حج 2025 : رئيس الجمهورية يقرر تخصيص حصة إضافية ب2000 دفتر حج للأشخاص المسنين    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    الجزائرية للطرق السيّارة تعلن عن أشغال صيانة    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن الالتزام العميق للجزائر بالمواثيق الدولية التي تكفل حقوق الطفل    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    الجزائر تشارك في اجتماع دعم الشعب الصحراوي بالبرتغال    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    تكوين المحامين المتربصين في الدفع بعدم الدستورية    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    رئيس الجمهورية يشرف على مراسم أداء المديرة التنفيذية الجديدة للأمانة القارية للآلية الإفريقية اليمين    سعيدة..انطلاق تهيئة وإعادة تأهيل العيادة المتعددة الخدمات بسيدي أحمد    ارتفاع عدد الضايا إلى 43.972 شهيدا    فايد يرافع من أجل معطيات دقيقة وشفافة    القضية الفلسطينية هي القضية الأم في العالم العربي والإسلامي    حقائب وزارية إضافية.. وكفاءات جديدة    تفكيك شبكة إجرامية تنشط عبر عدد من الولايات    انطلاق فعاليات الأسبوع العالمي للمقاولاتية بولايات الوسط    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشروق ترصد أراء وفتاوى ورجال الدين فيما يحدث بالجزائر
نشر في الشروق اليومي يوم 04 - 02 - 2008

اختلفت مذاهبهم وطوائفهم، تعددت آرائهم وتأويلاتهم للأمور الفقهية والتشريعية، إلا أن جميعهم اجتمعوا على قلب رجل واحد واتفقوا على كلمة واحدة، حينما تعلق الأمر بالأزمة الجزائرية، فهم سُنّة وشيعة يحرّمون العمليات الإرهابية ويجرّمون مقترفيها، وفي هذا البحث ترصد "الشروق" آراء العلماء والمرجعيات الدينية في العمليات الإرهابية بالجزائر، لكن كبار رجال الدين في سوريا ولبنان عجزوا عن مواراة حزنهم وألمهم لما ألمّ بالجزائر مؤخرا، خاصة وأن توقيت الأزمة جاء في فترة عصيبة وهامة من تاريخ الأمة.
استطلاع‮: وليد‮ عرفات
‮ فضيلة‮ الدكتور‮ محمد‮ سعيد‮ رمضان‮ البوطي‮: ما‮ يحدث‮ في‮ الجزائر‮ إفساد‮ في‮ الأرض
ما حدث ويحدث في الجزائر على يد الإرهابيين، فساد في الأرض، قال تعالى: "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ‮ يُنْفَوْا‮ مِنَ‮ الْأَرْضِ‮ ذَلِكَ‮ لَهُمْ‮ خِزْيٌ‮ فِي‮ الدُّنْيَا‮ وَلَهُمْ‮ فِي‮ الْآخِرَةِ‮ عَذَابٌ‮ عَظِيمٌ‮". فلا شك أن حوادث التفجير والقتل التي وقعت، وما زالت تقع في الجزائر بين وقت وآخر، هي جريمة نكراء، وفعل شنيع، وعُتُوٌّ وفساد في الأرض كبير، مهما ادّعى مرتكبوها من التأويلات والشُّبه الزائفة، "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ‮ مُصْلِحُونَ‮ * أَلا‮ إِنَّهُمْ‮ هُمُ‮ الْمُفْسِدُونَ‮ وَلَكِنْ‮ لا‮ يَشْعُرُونَ‮" [‬البقرة‮:‬11‮-‬12‮]. وحول عقيدة هؤلاء الإرهابيين يقول الداعية البوطي:"نظرًا للغلوّ الذي اتصف به هؤلاء الإرهابيون، فهم ينكرون العلماء ويعادون الدعاة المصلحين، فاحتقروهم وقلّلوا من شأنهم ورموهم بالفسق والجهل والنفاق، "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ‮ كَمَا‮ آمَنَ‮ السُّفَهَاءُ‮ أَلا‮ إِنَّهُمْ‮ هُمُ‮ السُّفَهَاءُ‮ وَلَكِنْ‮ لا‮ يَعْلَمُونَ‮". [‬البقرة‮:‬13‮]. وعن طريقة إضلالهم للناس يقول البوطي: "صنف من أولئك قد لا يباشرون التفجير والتخريب وإزهاق الأرواح بأنفسهم، ولكنهم يتأوّلون النصوص لمنفذي حوادث القتل والتفجير، عندما يختلطون بعامة الناس، "وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ* اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ* أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ "‮ [‬البقرة‮:‬14‮-‬16‮]. وعن جزاء هذه الفئة يقول الداعية الشهير: "وقد بين الله حكم هذه الفئة الضالة المفسدة في آيات الحرابة في سورة المائدة فقال: "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‮" [‬المائدة‮:‬33‮-‬34‮]. ومن قُتل من هؤلاء الشباب (الإرهابيين) في أثناء العمل الإرهابي، فحكمهم في الدنيا قد لقوه من القتل والخزي والعار، أما في الآخرة، كما هي عقيدة أهل السُنّة والجماعة، فأمرهم إلى الله سبحانه، يحكم بينهم بالعدل وهو أحكم الحاكمين، فيعذبهم بالنار بقدر ذنوبهم، ومنها‮ القتل‮ والإفساد‮ بغير‮ حق‮.
وعن جزاء رجال الأمن الذين يلقون الشهادة وهم يدافعون عن الوطن والأبرياء من هؤلاء المجرمين يقول الشيخ البوطي: "أما إذا قتل رجل الأمن في المواجهة مع هذه الفئة المفسدة في الأرض فهو على خير في الدنيا من الذكر الحسن ويرجى له خير في الآخرة عند ربه - إن شاء الله- وينطبق عليه حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن قُتِلَ دُونَ مالِه فهُو شَهِيدٌ، ومَن قُتِل دونَ دِينِه فهُو شَهِيدٌ، ومَن قُتِل دونَ دَمِه فهُو شهيدٌ، ومَن قُتل دونَ أهلِه فهو شهيدٌ".
وعن‮ توبة‮ الإرهابي‮ ورجوعه‮ لجادة‮ الصواب‮ قرنها‮ البوطي‮ بشروط،‮ قائلا‮: "‬وإذا‮ تاب‮ ذلك‮ الشاب‮ بعد‮ أن‮ قَتَل‮ أو‮ شارك‮ في‮ القتل‮ وإفساد‮ الممتلكات،‮ وقتل‮ معصوم‮ الدم‮ فلا‮ تخلو‮ حاله‮ حينئذ‮ من‮ أمرين‮:‬ الأول: أن تكون توبته بعد أن تقبض عليه السلطة ممثلة برجال الأمن، فهذا يحكم فيه القضاء بعد أن تجرى عليه أحكام الدنيا في آية الحرابة الأولى: "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ‮ يُصَلَّبُوا‮ أَوْ‮ تُقَطَّعَ‮ أَيْدِيهِمْ‮ وَأَرْجُلُهُمْ‮ مِنْ‮ خِلافٍ‮ أَوْ‮ يُنْفَوْا‮ مِنَ‮ الْأَرْضِ‮..." [‬المائدة‮ من‮ الآية‮: 33‮]. وغالب ما ينطبق على هؤلاء من الآية الحال الأولى منها، وهي القتل والصلب لقتلهم الأنفس البريئة وإفسادهم الأموال العامة، ومن ينفذ عليه حكم الله هذا في الدنيا سيلقى ربه يوم القيامة سليمًا معافى، لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَصَابَ ذَنْبًا أُقِيمَ‮ عَلَيْهِ‮ حَدُّ‮ ذَلِكَ‮ الذَّنْبِ،‮ فَهُوَ‮ كَفَّارَتُهُ‮".
والحديث‮ القائل‮: "‬وَمَنْ‮ أَصَابَ‮ شَيْئًا‮ مِنْ‮ ذَلِكَ‮ فَعُوقِبَ‮ بِهِ‮ فَهُوَ‮ كَفَّارَةٌ‮ لَهُ‮". وفي الحديث الآخر: "مَنْ أَصَابَ حَدًّا فَعُجِّلَ عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا فَاللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُثنيَ عَلَى عَبْدِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الآخِرَةِ، وَمَنْ أَصَابَ حَدًّا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَفَا عَنْهُ فَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ‮ إِلَى‮ شَيْءٍ‮ قَدْ‮ عَفَا‮ عَنْهُ‮". أخرجه‮ ابن‮ ماجه‮ والترمذي‮.‬
الأمر الثاني: أن يتوب ذلك الشاب مما اقترفه من ذنوب في القتل والإفساد قبل أن تقبض عليه السلطة أو يسلم نفسه لها مختارًا تائبًا، فهذا تنطبق عليه الآية الثانية للحرابة: "إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ‮ رَحِيمٌ‮" [‬المائدة‮: 34‮]. وعن قانون المصالحة الوطنية الذي يطبق في الجزائر الآن يقول الداعية الكبير: "الرئيس بوتفليقة يسير على نهج الرسول، فما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المشركين يوم فتح مكة حين قال: "مَن دخَل دارَ أبي سُفيانَ فهُو آمِنٌ، ومَن أَلْقَى السِّلاحَ فهُو آمِنٌ،‮ ومَن‮ أغلَق‮ عليه‮ بابَه‮ فهُو‮ آمِنٌ‮" فقد‮ كان‮ ذلك‮ الموقف‮ صادرا‮ ومشركو‮ مكة‮ حينئذ‮ قد‮ جمعوا‮ بين‮ قتل‮ المسلمين‮ وأخذ‮ أموالهم،‮ ورغم‮ ذلك‮ عفا‮ عنهم‮.‬
وكذلك فعل علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، مع الخوارج الذين قاتلوه حينما جاءه سعيد بن قيس الهمداني وقال: يا أمير المؤمنين: ما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ فتلا عليه آيتي الحرابة في سورة المائدة، قال سعيد: وإن كان حارثة بن بدر التميمي جاءك‮ تائبًا؟‮ قال‮: نعم‮. فجاء‮ به‮ ربيعة‮ فبايعه‮ وقبل‮ ذلك‮ منه،‮ وكتب‮ له‮ أمانًا‮.‬
وجاء رجل إلى أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، بعد أن صلى معه الغداة، ثم قال له: هذا (المسجد) مقام العائذ التائب، أنا فلان بن فلان، كنت ممن حارب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وجئت تائبًا من قبل أن يُقدر علي. قال أبو موسى، رضي الله عنه: إن فلانًا ممن حارب الله‮ ورسوله‮ جاء‮ تائبًا‮ قبل‮ أن‮ يُقدر‮ عليه‮ فلا‮ يَعْرِضْ‮ له‮ أحد‮ إلا‮ بخير،‮ فإن‮ يكن‮ صادقًا‮ فسبيلي‮ ذلك،‮ وإن‮ يكن‮ كاذبًا‮ فلعل‮ الله‮ أن‮ يأخذه‮ بذنبه‮.‬
وفي نهاية حواره مع "الشروق"، يحاول فضيلة الدكتور البوطي وضع يده على الجرح فيقول: "إن وقف ما يحدث من قتل وتدمير وإفساد تقع المسؤولية فيه على جميع فئات الشعب الجزائري وطبقاته من الحكام والإعلام والعلماء والدعاة والمربين، وأولياء الأمور، وليست مسؤولية فئة معينة،‮ وإن‮ كانت‮ هذه‮ الفئات‮ تختلف‮ في‮ درجات‮ تحمّل‮ هذه‮ المسؤولية‮.‬
كما يجب أن يُعلم علم اليقين أن الاعتماد على الحل الأمني وحده لا يكفي، إن لم يزد الأمر استفحالاً، والمشكلة مبناها وأساسها ديني فكري هو التكفير لبعض تلك الفئات المشار إليها في مسؤولية العلاج، لمنكرات رأوها فيهم، ولا أظن أن تنتهي حوادث التفجير قبل أن يقضى على دعاوى التكفير وشبهه ومبرراته، ولن يكون ذلك إلا بالحوار الفكري بين الطرفين في جو أمني آمن مثل ما فعل علي ابن أبي طالب، رضي الله عنه، مع الخوارج لما أمنهم وأرسل إليهم عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، فحاورهم بالعقل والدليل فرجع منهم أربعة آلاف يمثلون الثلث‮ من‮ الخارجين‮ عليه‮.‬
فضيلة‮ الدكتور‮ محمد‮ حبش‮:"‬إرهابيو‮ الجزائر‮ نتاج‮ لثقافة‮ الكراهية‮"‬
في‮ تصريحاته‮ ل‮ "‬الشروق‮"‬،‮ ركز‮ الدكتور‮ محمد‮ حبش،‮ رئيس‮ مركز‮ الدراسات‮ الإسلامية‮ بدمشق،‮ على‮ نقطة‮ في‮ غاية‮ الأهمية‮ تتعلق‮ بالسعي‮ والانجرار‮ وراء‮ الفتن‮ فيورد‮ الحديث‮ الشهير‮ الذي‮ جاء‮ فيه‮:‬ "عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا أَبَا ذَرٍّ قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ وَسَعْدَيْكَ! وَذَكَرَ اَلْحَدِيثَ قَالَ فِيهِ: كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخَذَ اَلنَّاسَ مَوْتٌ، تَكُونُ اَلْبَيْتُ فِيهِ بِالْوَصِيفِ، يَعْنِي: اَلْقَبْرَ: قُلْتُ: اَللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، أَوْ قَالَ: مَا يَخْتَارُ اَللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ أَوْ قَالَ: تَصْبِرُ ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَبَا ذَرٍّ قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ وَسَعْدَيْكَ! قَالَ: كَيْفَ أَنْتَ! إِذَا رَأَيْتَ أَحْجَارَ اَلزَّيْتِ قَدْ غَرِقَتْ بِالدَّمِ قُلْتُ: مَا يَخْتَارُ اَللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ. قَالَ: عَلَيْكَ بِمَنْ أَنْتَ مِنْهُ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَفَلَا آخُذُ سَيْفِي فَأَضَعُهُ عَلَى عَاتِقِي قَالَ: شَارَكْتَ اَلْقَوْمَ إِذًا قَالَ: قُلْتُ: فَمَاذَا تَأْمُرُنِي قَالَ: تَلْزَمُ بَيْتَكَ قُلْتُ: فَإِنْ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي قُالْ: فَإِنْ خَشِيتَ أَنْ يُبْهِرَكَ شُعَاعُ اَلسَّيْفِ، فَأَلْقِ ثَوْبَكَ عَلَى وَجْهِكَ، يَبُوءُ بِإِثْمِكَ وإثمه".
ثم‮ أخذ‮ فضيلته‮ يشرح‮ مضمون‮ الحديث‮ ويربطه‮ بما‮ يحدث‮ في‮ الجزائر‮ فيقول‮:‬ "إن مضمون الحديث هو النهي عن السعي في الفتنة والمشاركة في الفتنة، وما يحدث في الجزائر الآن هو أبرز صور تلك الفتنة التي يجب على المؤمن أن يتجنبها حتى إذا طرقت باب منزله وحتى إذا وضع السيف على عنقه، فالأفضل للمؤمن ساعتها أن يقع ضحية على أن يشارك فيها"، ويضيف‮ الدكتور‮ حبش‮: "‬أما‮ أولئك‮ الإرهابيون‮ الذين‮ تشبّعوا‮ بثقافة‮ التكفير‮ والفجور‮ حتى‮ استباحوا‮ دماء‮ الأبرياء‮ فويل‮ لهم‮ من‮ عذاب‮ الله‮ في‮ الدنيا‮ والآخرة‮ وويل‮ لهم‮ مما‮ يكسبون‮".‬
فضيلة‮ الدكتور‮ صلاح‮ كفتارو‮: "‬فتاوى‮ الإفك‮ أخذت‮ الجزائر‮ إلى‮ المجهول‮"‬
أما فضيلة الدكتور صلاح كفتارو، رئيس مجمع كفتارو للدعوة الإسلامية بدمشق، فقد تطرق للموضوع من زاوية أخرى استطلع من خلالها الدور القاتل الذي تلعبه الكلمة في تدمير المجتمع، قاصدا بشكل مباشر دعاة الفتنة وأصحاب دعاوى الإرهاب وسفك الدماء، والذين لعبوا ويلعبون دورا‮ كبيرا‮ فيما‮ يحدث‮ في‮ الجزائر‮ من‮ جرائم‮ إرهابية‮ فيورد‮ الحديث‮ القائل‮:‬ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ اَلرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالاً، يَهْوِي بِهَا فِي اَلنَّارِ، أَبَعْدَ مَا بَيْنَ اَلْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ"، ويضيف الدكتور كفتارو: "للأسف كادت فتاوى الإفك أن تأخذ الجزائر إلى المجهول، لكن الله رحم هذا البلد ومنحه أهل العلم والعلماء من أبنائه الذين سهروا على حمايته من المخططات الشيطانية التي صدرت إليه من الخارج".
ويستطرد الدكتور كفتارو قائلا: "إن هذا الحديث يدل على عظيم خطر اللسان، وأنه يجب على الإنسان أن يكف لسانه، وأن يزن كلامه، وأن يحذر من المجازفة في الكلام، إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالا ما يقدر قدرها، ولا يظن أن تبلغ ما بلغت، يهوي بها في النار، أبعد‮ مما‮ بين‮ المشرق‮ والمغرب‮".
وفي المقابل، يوجه الدكتور كفتارو دعوته للدعاة وعلماء الإسلام طالبا منهم أن يبذلوا المزيد من الجهد لوأد أشكال الفتنة التي تعصف بالجزائر وغيرها من البلدان الإسلامية الأخرى، وذلك في سياق ذات الحديث الذي أورده، فيقول: "إن العبد يتكلم بالكلمة لا يظن أن تبلغ ما بلغ،‮ يكتب‮ الله‮ له‮ بها‮ صدقة‮ إلى‮ يوم‮ يلقاه‮ أو‮ كما‮ قال‮ عليه‮ الصلاة‮ والسلام‮. وهكذا‮ في‮ الخير‮ قد‮ يتكلم‮ اللسان‮ بكلمة‮ طيبة‮ من‮ رضوان‮ الله‮ ما‮ يظن‮ أنها‮ بهذا‮ القدر،‮ فيكتب‮ الله‮ له‮ بها‮ رضاه‮".‬
فاللسان خطره عظيم، وكذلك نفعه كبير، فهو أداة للخير والشر، ولكن كثيرا ما يجني الناس على أنفسهم بألسنتهم، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟، الكفر يكون في الكلام، وكثير من الكبائر هي في اللسان.
وحول مصادر الفتوى وممن تؤخذ يقول الدكتور كفتارو: "على الناس إذا اشتبهت عليهم الأمور عليهم أن يرجعوا إلى من يثقون بعلمهم ودينهم، وعليهم أن يحذروا من التعصب للرأي واتّباع الهوى، فإن هذا داء عضال.
وعلى المؤمن أن يعمل بأوامر الله عز وجل: "فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ"، وإذا الناس تراجعوا، وتجرّدوا، وحسنت نياتهم هُدوا، وهداهم الله، ويلهمهم الصواب، أما من كان متبّعا لهواه متعصبا وهو لا يريد إلا ما يؤيّد رأيه فهذا‮ حرِيّ‮ ألا‮ يوَفّق‮.‬
الدكتور‮ عبد‮ السلام‮ راجح‮:"‬الظلم‮ والاحتلال‮ وراء‮ كل‮ ما‮ يجري‮ في‮ الجزائر‮"
فضيلة الدكتور عبد السلام راجح، عميد كلية الشريعة بدمشق، كان له رأي غلبت عليه الصبغة السياسية المقترنة بالدينية، وكانت نظرته لما يحدث في الجزائر مقترنة بالتدخل والاحتلال الأمريكي للمنطقة العربية، فهو يرفض تماما الفرضية القائلة بأن ما يقع من قتال بين تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات الإرهابية من جهة وسلطات الأمن والشعوب الإسلامية من جهة أخرى بأنه فتنة الاقتتال بين المسلمين، فيقول: "ما يحدث في الجزائر وغيرها من البلدان الإسلامية التي تعاني من الإرهاب الأعمى ليس من بأس القتال كما ورد في السنة النبوية، الذي يجري الآن هو قتال بين بعض جهّال المسلمين المخدوعين مع الأمة التي تسعى بكافة أجهزتها لحفظ أرواح العباد، فالأمر ليس فيه قتال، بل فيه قتل، لأن القتال يكون من جانبين، قتال بين طائفتين كل واحدة تريد أن تقاتل الأخرى، وهو نوع من البلاء الذي ابتليت به الأمة، ومن دوافع ما يحدث الآن تسلط الكفار على المسلمين، وفي مقدمتهم الأمريكان - قبحهم الله وأذلهم وأخزاهم -، ولما تفاقم تسلطهم تضاعف الخطر، فولد تسلطهم شرا آخر، فكما يقال: الظلم يولد الظلم. هؤلاء لما تسلطوا على المسلمين، وفرضوا نفوذهم في كل العالم الإسلامي، ولا سيما في هذه المنطقة، تسبب ذلك في خلق كل هذه الفتن، وكان لهذه الهيمنة أن أثارت غضب وحماس بعض الشباب محدودي الثقافة والإيمان، فكانت التأويلات والفتاوى المضللة التي خلقت تنظيمات تدّعي أنها تحارب المحتل والوجود الأجنبي، لكنها سرعان ما وجهت ضرباتها للمسلمين والأبرياء، وهذا بالطبع بعد أن وقعت هذه التنظيمات ومنها القاعدة في أيادي جهات أجنبية بدأت تحركهم وفقا لمصالحها الخاصة التي حتما تتعارض مع أمن واستقرار الشعوب الإسلامية.
حتى إن من الناس من يقول: لعل نفس الأمريكان وأمثالهم من دول الغرب، لعلهم وراء هذا بطرق غير مباشرة، ليحققوا مآرب ومكاسب، ويتخذوا من هذا الواقع والزعزعة في الأمن، يتخذوا من ذلك طريقا إلى فرض نفوذ أكثر وأكبر، فنسأل الله أن يحبط كيدهم، وأن يصلح أحوال الشباب، وأن يلهمهم الصواب، وأن ينجي الله الجزائر وسائر بلدان الإسلام من الفتنة وشرها.
سماحة‮ السيد‮ حسين‮ فضل‮ الله‮: "‬للعنف‮ في‮ الإسلام‮ ضوابط‮ كسرتها‮ القاعدة‮"‬
المرجعية الدينية الكبير سماحة السيد حسين فضل الله، مؤسس حزب الله، وأحد أهم المرجعيات الدينية الشيعية في العالم الإسلامي، استهل حديثه مع "الشروق" بالقول: قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".
وقال‮ صلى‮ الله‮ عليه‮ وآله‮ وسلم‮: "‬المسلم‮ من‮ سلم‮ الناس‮ من‮ لسانه‮ ويده،‮ والمؤمن‮ من‮ أمِنَهُ‮ الناسُ‮ على‮ دمائهم‮ وأموالهم‮".‬
فثقافة الإسلام يقول سماحته هي ثقافة سلام وليست ثقافة عنف واعتداء على الآخرين.. فما بالنا بالاعتداء على إخواننا في الإسلام مثلما تُقدم عليه بعض المنظمات الضالة وعلى رأسها القاعدة في الجزائر، أو أي تنظيم آخر يتخذ من الأعمال الدموية التي ترعب وترهب الأبرياء غاية للوصول إلى أهدافه؟، ومع ذلك فإن العنف قد يستعمل في حالة الاعتداء على الشخص فقد يمكنه أن يرد دفاعا عن نفسه، فالله سبحانه وتعالى يقول: "وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" [الشورى:41-43]، فيجوز في حدود رد الظلم، لكن مع ذلك فإن الصابر الذي يصبر على أذى الآخر ولا يرد عليه‮ وصفه‮ الله‮ سبحانه‮ وتعالى‮ بأن‮ ذلك‮ من‮ عزم‮ الأمور‮.‬
فالعنف ليس أصلاً في هذا الدين، والأصل أن دعوة الدين هي دعوة بالحسنى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ‮" [‬النحل‮:‬125‮].‬
وهنا أمر آخر أريد أن أنبه عليه يقول السيد فضل الله وهو أن أسأل أولئك المنحرفين عن طريق الهداية: العنف مع من؟ وضد من؟ وفي أي سياق؟ هذه أمور في غاية الأهمية، أي الموازنة بين المصالح والمفاسد عند استعمال العنف، فكم من عنف أدى إلى عنف أشد، وبالتالي يتشكل العنف إلى ما لا نهاية له، ويكون الإثم على هذا العنف، وبالتالي فالعنف إذًا قد يجوز في حالات محددة ومنضبطة في الإسلام، ولكنه ليس أصلاً في الإسلام، بل إن ثقافة التسامح هي الأصل، لكن ما من شك أن العنف لا يجب أن يكون بأي حال من الأحوال موجه إلى أبناء الأمة، فمن الكبائر أن يقتل المسلم أخاه المسلم تحت أي مسمى أو أية ذريعة، فأولئك الذين يفجّرون أنفسهم في أوطانهم سواء مستهدفين أجانب أو محتلين وتسببت عملياتهم في استشهاد مسلمين تصادف وجودهم بالصدفة في مسرح الجريمة، فهم يرتكبون جريمة القتل بغير الحق في حق إخوانهم في الدين،‮ وهؤلاء‮ عليهم‮ لعنة‮ الله‮ في‮ الدنيا‮ والآخرة‮.
وفي نهاية حديثه يقول السيد فضل الله: نرجو من الله أن يرفع غضبه عن الجزائر، وأن يوفق الله شباب هذه الوطن الغالي لما يحبّه ويرضاه، وأن توفر هذه الدماء الطاهرة التي لا يحق أن تزهق إلا في ساحات الجهاد ضد أعداء الله والأمة من الصهاينة المغتصبين وحلفائهم الظالمين،‮ ونسأل‮ الله‮ أن‮ يوفق‮ الأمة‮ الجزائرية‮ شعبا‮ وحكومة‮ في‮ حربها‮ على‮ التطرف،‮ وأن‮ يتغمد‮ الشهداء‮ برحمته‮ ويلهم‮ ذويهم‮ الصبر‮ والسلوان‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.