تحولت الأحكام القضائية المصرية إلي فصول من الكوميديا السوداء لقضاة أصبحوا ممثلين هزليين ومهرجين وبهلوانيين يؤدون أدوارا ساخرة على مسرح مظلم بعدما أصبحت أحكامهم نكتا يتندر بها العامة في الشوارع والطرقات. بينما يطرق القضاة الشرفاء رؤوسهم خجلا من الانتماء لهذه المهنة فى هذا العصر. ومن هذه الأحكام الساخرة الحكم الذي صدر ضدي في الحادي عشر أكتوبر الجاري من محكمة جنايات القاهرة بالسجن خمسة عشر عاما بتهمة تعذيب وانتهاك عرض شخص لم أره، ولم ألتق به فى حياتي؛ وذلك إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير من العام 2011 في ميدان التحرير فى القاهرة. وهذا الحكم مثل آلاف الأحكام الهزلية التي صدرت عمن يجلسون على كراسي القضاة في مصر بعد انقلاب 30 يونيو، والتي تؤكد أنهم ليسوا سوى مجموعة من المرضي النفسيين والجلادين الساديين منزوعي الإنسانية ومنعدمي الآدمية . ولا أعتقد أن مصر علي امتداد تاريخها وكثرة محنها ومآسي شعبها قد مر عليها أشباه هؤلاء حتى في أحلك عصور الاستبداد والطغيان. وإلا فليأتيني أحدكم بأحكام تشبه تلك الأحكام التي صدرت بالإعدام على ستمائة (600) شخص في أول جلسة أو خلال دقائق، أو الأحكام الجائرة التي تصدر على الأطفال أو النساء أو غيرها ؟. لذلك؛ فإن الحكم الذي صدر ضدي ليس سوى حلقة في سلسلة طويلة من تلك الأحكام الفاسدة لهؤلاء الجلادين الساديين المرضي الذين يجلسون على كراسي القضاة. وهذا الحكم ليس سوى خطوة من خطوات اضطهادي وملاحقتي؛ لأن كلماتي التي أكتبها وبرامجي التي أقدمها هي من تعذب الانقلابيين وأذنابهم، وتلهب ظهورهم وتكوي جباههم . وحتى يفهم الناس أبعاد هذا الحكم، فإني أعود بكم إلي ما بعد الانقلاب مباشرة وسلسلة البرامج التليفزيونية والمقالات والحوارات الصحفية المليئة بالأكاذيب و الافتراءات والاختلاقات والقصص المفبركة التي كانت كلها محاولات اغتيال سياسي وأخلاقي وإنساني وعائلي لي. ولم يتورع القائمون بها عن استخدام كل وسائل وطرق الخساسة و الدناءة والفبركة والأكاذيب والتشويه، حتى أنه في يوم واحد فقط أحصى زملائي الذين تابعوا هذه الحملة ستة برامج مختلفة فى ست محطات فضائية من فضائيات الانقلاب في ليلة واحدة وفي وقت متقارب تحرض ضدي وتشوّه سمعتي، وتغتالني سياسيا وإنسانيا وأخلاقيا بما يؤكد أن الجهات الانقلابية هي من تقود هذه الحملة. وقد ترفعت عن الرد عفة عن النزول إلى ذلك المستنقع الآسن، ولأن الله يسخر دائما من يرد عني. ولأنه ليس لدي الوقت للدخول في هذه المتاهات، وهذه استراتيجيتي من قديم. وحين وجدوني لا أجيب عن سفاهاتهم، أو أرد على قاذوراتهم التي نفذها "أراجوزات" الصحافة والفضائيات ، لجؤوا إلى طريق أخرى تتمثل في البلاغات الكيدية والقضايا الوهمية. واستخدموا فيها نائبهم العام ومن حوله، حيث قبلت المحاكم نظر قضية سحب الجنسية المصرية مني؛ وكأن جنسيتي منحة من اللصوص الذين سرقوا مصر وشعبها. وأنا أكثر أصالة في مصريتي وانتمائي عنهم جميعا من أولهم إلى آخرهم. وحولت القضية بالفعل إلىي ما يسمي بهيئة مفوضي الدولة لإبداء الرأي ولم يتم الحكم فيها حتى الآن. ولما لم يجدوا لذلك أي صدى أو رد فعل مني، قاموا يوم الأحد 12 مايو بإصدار تعميم قرار التحفظ على أموالي وممتلكاتي في مصر، ومنعي من التصرف فيها. وتم التعميم علي كل البنوك لتنفيذ هذا القرار. وصدر هذا القرار العدواني من مكتب تابع للنائب العام المصري، ولا يستند على أي قانون أو تشريع، أو حتي على حكم قضائي هزلي من أحكامهم التي يصدرون العشرات منها كل يوم. وهو مجرد قرار أشبه ما يكون بالقرارات التي يصدرها رؤساء العصابات في أفلام رعاة البقر ، لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد بل تجاوز ذلك بكثير. نعم، لم تقف الأمور عند حد هذا الحكم الجائر الذي صدر ضدي والتحفظ علي أموالي وممتلكاتي والحرب الإعلامية القذرة التي شنتها وسائل إعلام الانقلاب، ضدي وغيرها من الأمور الأخرى. لكن القضية تجاوزت ذلك إلي ما هو أبعد وأشنع. وأخذت صورة حرب قذرة وطويلة المدى يستخدم القضاة والقضاء سلاحا فيها. فقد نشرت صحيفة "اليوم السابع" الموالية للانقلاب تقريرا في 4 أغسطس الماضي، وتبعتها صحف أخرى نقلا عن مصادر قضائية قالت فيه: (إن النيابة العامة المصرية تحقق في مائة وسبعة وسبعين (177) بلاغا تلقاهم مكتب النائب العام المستشار هشام بركات ضد الإعلامي أحمد منصور. وإن النيابة العامة بدأت منذ فترة فحص البلاغات المحالة من قبل النائب العام، وطلبت مذكرات معلومات من الجهات الأمنية المختصة بشأن الوقائع التي ارتكبتها المشكو في حقه. فضلا عن الإطلاع علي مقاطع الفيديو المسجلة التي يظهر فيها أحمد منصور، ويحرض فيها علي مؤسسات الدولة ). أما قائمة الاتهامات الموجهة لي من خلال هذه البلاغات فهي: (دعم جماعة الأخوان المسلمين، وتحريض أنصار الرئيس محمد مرسي علي العنف ، والإساءة للقوات المسلحة، ودعم العمليات الإرهابية ، ونشر أخبار كاذبة لإثارة الرأي العام، وتشويه صورة رموز الدولة المصرية عن طريق استغلاله لقناة الجزيرة الفضائية التابعة لدولة قطر). و(قد قام النائب العام بضم هذه البلاغات وإحالتها إلي نيابة وسط القاهرة الكلية برئاسة المستشار وائل شبل المحامي العام الأول لتولي التحقيقات في الوقائع المذكورة والاتهامات الموجهة للمشكو في حقه أحمد منصور). كل هذه الاتهامات المفبركة هي جزء من الحرب التي يقوم بها النظام الأنقلابي فى مصر ضد الإعلاميين النزهاء الذين يقدمون الحقيقة للناس وضد كل المعارضين. ولما كانت هذه الاتهامات تحوّل المتهمين بها إلي أبطال فقد لجأ الانقلابيون إلي تحويل معارضيهم إلي مجرمين يحاكمونهم بجرائم جنائية مثل التي وجهوها لي في قضية التعذيب المفبركة. وهذه هي فلسفة النظام الانقلابي التي تقوم علي توجيه تهم جنائية حتى يقوم باغتيال معارضيه معنويا، وقتل مكانتهم في نفوس الناس، وحجب التعاطف الدولي عنهم، والتمكن من ملاحقتهم بواسطة الشرطة الدولية "الأنتربول " على أنهم متهمين جنائيين وليسوا معارضين سياسيين. لكن الله سيفشلهم ويفشل مسعاهم. وأقول لهم بفم مملوء: حتى لو بلغت البلاغات والاتهامات و القضايا الموجهة ضدي ألف قضية فإن ذلك لن يثنيني إن شاء الله عن القيام بدوري في تقديم الحقيقة للناس ونشر الوعي بينهم ، لأن هذه هي مهمتي فى الحياة. أنا كاتب لا أملك إلا قلمي وأدوات إعلامي، ولا أملك إلا كلماتي التي أحاول من خلالهما أن أفضح الظالمين وأكشف جرائمهم وأرفع الظلم عن المظلومين وأكشف جور الجائرين. وسيظل قلمي وكلماتي وبرامجي بإذن الله تتمتع بقوة السياط التي تلهب ظهور الظالمين، وتكوي جباه الطغاة الانقلابيين القتلة. وسأظل أنصر المظلوم، وأقاوم الظالم وظلمه ما وجدت إلي ذلك سبيلا. ولن يخيفني قضاء فاسد أو حكم جائر. ولا شيء يشوه سمعتي أو ينال من مكانتي وصورتي؛ لأن ما يهمني هو مكانتي عند الله وليس عند الناس. وإني مؤمن بأن الله يدافع عن الذين آمنوا، وسوف يرد الله هذه المظالم على من صنعها وروجها . إن دور الإعلامي في الحياة هو ألا يكون محايدا علي الإطلاق؛ فالحياد في الإعلام أكذوبة. بل، عليه أن يكون شاهد حق لا شاهد زور، وأن يقف إلي جوار المظلومين ويفضح الظالمين ويقدم الحقيقة للناس حتى وإن كان ثمنها حياته أو مصادرة رزقه وماله أو سجنه واعتقاله. فكلمة الحق مرة وثمنها كبير، ولكن من يؤمن بهذا عليه أن يركن إلي الله. (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب بنقلبون).