لم يكن فوز المنتخب المصري ببطولة إفريقيا للأمم مجرد مفاجأة كروية بقدر ما يعد حدثا رياضيا يغير خريطة الكرة الإفريقية خلال سنوات مقبلة بعدما فرضت قوى عدة قواعدها الخاصة عليها لعقود طويلة. ورفع الفراعنة عدد مرات فوزهم بالبطولة إلى ست مرات ليبتعدوا برقمهم القياسي السابق الذي حققوه في بطولة عام 2006 عن أقرب ملاحقيهم وهم الكاميرون على وجه الخصوص ورصيدها أربع مرات وغانا البلد المضيف وله ذات الرصيد وهو ما يعني احتفاظ المصريين برقمهم القياسي حتى عام 2012 على أقل تقدير. وعكس المصريون كل التوقعات التي سبقت بطولة غانا 2008 حيث رشح جميع الخبراء الأفارقة والعالميون منتخبات غرب إفريقيا لتشكيل المربع الذهبي من منتخبات غانا والكاميرون ونيجيريا وكوت ديفوار. من كان يرشح مصر للتتويج؟ ورأى بعض الخبراء مثل الفرنسي مارسيل ديسايي صاحب الأصل الغاني والذي شارك في تغطية البطولة إعلاميا أن البطولة ستكون غرب إفريقية خالصة وأن الفريق الشمالي الوحيد القادر على تحقيق مفاجأة هو تونس. والمثير أن برغم كون المنتخب المصري حامل للقب قبل البطولة لم يتوقع أحد فوزه ففاجأ الجميع وكان الطرف الوحيد الذي لا ينتمي إلى غرب إفريقيا في المربع الذهبي، ثم أذهل المتابعين بالإطاحة بأفيال كوت ديفوار بنتيجة 4-1. وبعد التتويج على حساب أسود الكاميرون التي قهرها للمرة الثانية على التوالي وكرر المنتخب المصري إنجازه كفريق شمال إفريقي يفوز بالكأس الغالي من بلد غرب إفريقي منذ انطلاق البطولة عام 1957 بعد أن حقق ذلك عام 1998 في بوركينا فاسو. المحليون الأفارقة هزموا نجوم أوروبا ولعل الجانب الأهم في فوز مصر بلقب غانا 2008 هو اعتماد الفراعنة على فريق مكون في الأساس من لاعبين محليين يلعبون داخل حدود القارة الإفريقية وبمدير فني وطني. وكانت منتخبات غرب إفريقيا قد قادت خلال عقد التسعينات ثورة في الاعتماد على المحترفين ودخلت نيجيريا في سباق مع الكاميرون في أعداد محترفيهما في القارة الأوروبية وهو أسفر عن تمثيلهما للقارة السمراء في بطولات كأس العالم مرات عدة وفوزهم بألقاب كأس الأمم. وبعد عام 2000 دخلت منتخبات السنغال وكوت ديفوار وحتى تونس والمغرب ومصر سباق الاحتراف الخارجي، لكن في نسخة عام 2008 اعتمد الفراعنة على تشكيلة من المحليين مطعمة بأحمد حسن من أندرلخت البلجيكي ومحمد زيدان من هامبورغ الألماني ومحمد شوقي من دكة بدلاء ميدلسبره الإنجليزي، فيما غاب المحترف الأشهر أحمد حسام "ميدو" للإصابة وحسام غالي للانتقال إلى نادي ديربي كاونتري الإنجليزي. اللعب الجماعي الشفرة التي يصعب فكها ويكفي أن المصريين خاضوا المباراة النهائية بتشكيلة تضم محترفا واحدا في أوروبا هو أحمد حسن قائد الفريق وهي الظاهرة التي لفتت انتباه المحللين الأجانب الذين تابعوا البطولة ومنهم بريان هوموود الذي قال في تحليله: "المصريون فرضوا أسلوبهم بالاعتماد على الاستحواذ ونقل الكرة والمهارة الفردية في الثلث الهجومي للمنافسين بعكس المنتخبات الإفريقية التقليدية التي لجأت للقوة والسرعة ودفع المنافس لارتكاب الأخطاء". لاعبون برتبة خمس نجوم في الاحتياط وكان ترتيب الهدافين من الأرقام المثيرة التي تحققت خلال الدورة ففاز الكاميروني صامويل إيتو بلقب الهداف برصيد خمسة أهداف، لكن ثلاثة لاعبين من مصر حلوا في المركز الثاني برصيد أربعة أهداف وهم محمد أبو تريكة وحسني عبد ربه وعمرو زكي. ولم يعتمد الفراعنة على نجم وحيد للفوز باللقاءات المختلفة مثلما اعتمدت الكاميرون على إيتو أو أنغولا على مانوتشو، بل كان التألق جماعيا ويكفي أن دكة بدلاء منتخب مصر لم تخل في أي لقاء من أسماء كبيرة من عينة أبو تريكة أو أحمد حسن أو حتى محمد زيدان الذي لعب بديلا طوال مباريات دور الثمانية. جاء الدور على المونديال وستصبح مصر المستفيد الأول من تغيير الخريطة الإفريقية خصوصا عندما تلعب في تصفيات كأس العالم المقبلة وهي الحلم الذي يعيش المصريون من أجل تحقيقه منذ عام 1990، وحصل المنتخب المصري على ثقة هائلة بعد سنوات طويلة من الخوف من المواجهات الإفريقية خصوصا في تصفيات المونديال. ويخوض المنتخب المصري بطولة كأس القارات التي تستضيفها جنوب إفريقيا عام 2009 إلى جوار شقيقه العراقي بطل آسيا. وضمن الفراعنة احتلال رأس إحدى مجموعات بطولة الأمم الإفريقية المقبلة التي تستضيفها أنغولا عام 2010 تماما مثلما حصل في غانا 2008 وهو ما يبعدها عن مواجهة أصحاب الأرض ويسهل مهمتها في الدور الأول. ونال حسن شحاتة الشهير بلقب "المعلم" دفعة معنوية وضربة قاصمة لمنتقديه في صفوف الاتحاد المصري لكرة القدم ووسائل الإعلام وعلى رأسهم نائب رئيس اتحاد الكرة أحمد شوبير الذي انتقده كثيرا عبر شاشات التلفزيون المصري وتم تجديد تعاقد مع المعلم حتى عام 2010". العبرة لسعدان ولاعبي الخضر وجاء تتويج المنتخب المصري ليدحض كل الأفكار التقليدية والبالية التي كان يؤمن بها مسؤولي الاتحادية الجزائرية، بعد أن اعتمدوا على لاعبين أشبه بالمحترفين وهمشوا كلية اللاعبين المحليين. وسيكون تتويج المنتخب المصري بمثابة درس يلقن صبيحة وعشية، بعد أن فشلوا حتى في التأهل للدورة أمام منتخبات مغمورة، كما هو صفارة إنذار لسعدان وطاقمه، وكذلك للاعبي المنتخب ليأخذوا العبرة ويتعلموا من المصريين الذين ضربوا مثلا لغيرهم في التفاني والدفاع عن وطنهم، والاستبسال وابكوا كل الجزائريين حرقة لحال منتخبهم.