انتهى إلى غير رجعة، زمن الجزائريين المتدفقين على أسواق الدول المجاورة وأوربا بحثا عن سراويل الجينز والشكولاطة والسجائر والعطور، وأصبح السفر إلى الخارج بالنسبة للجزائر لا يعني سوى السياحة، والداخل عبر المطار أو الميناء أو الحدود البرية لا يحمل معه سوى الهدايا لأصدقائه وحتى السفريات المقدسة لأداء مناسك العمرة أو الحج، لم تعد مصحوبة بالحقائب الكثيرة التي يقتني أصحابها كل ما يتراءى أمام أعينهم وتقدر عليه ميزانياتهم.. * يحدث هذا في الزمن "التايواني"، حيث صار كل شيء متوفر في الجزائر، سواء نسخته الأصلية وبالخصوص المقلدة وهو ما قلب المعادلة رأسا على عقب وأصبح الأجانب النازحون عبر الحدود أو المقيمون في الجزائر هم الذين يغزون الأسواق الشعبية أو التي تسمى "دبي" لاقتناء ماهو متوفر بأسعاره الزهيدة جدا والتي لا يمكن منافستها في انخفاضها حتى في بلدانها الأصلية. * * التونسيون في "هجوم معاكس" على الموز والكاميرات * * إلى زمن غير بعيد، كانت أسواق ولاية الوادي تملأها البضاعة القادمة من تونس ومن ليبيا.. وفي وادي سوف عدد من الأسواق الشعبية مثل "سوق ليبيا" و"الحلمية" و"دبي" يحج إليها الآن التوانسة بالآلاف يوميا ويقتنون أطنانا من البضائع، خاصة الأدوات الكهرومنزلية مثل "الأجهزة الرقمية" وآلات التصوير والمكيفات وحتى أجهزة الهاتف النقال، ولم يقتصر الأمر على الأشخاص العاديين وإنما تعداه إلى تجار تونس الذين يقتنون ماهو موجود في أسواق الوادي ويعيدون بيعه بالجملة في تونس. وقال (سمير) وهو تونسي من المترددين على هذه الأسواق أنه يقتني كاميرات التصوير التي ترمى مباشرة بعد استعمالها بأثمان زهيدة لا تزيد عن 200دج للكاميرا الواحدة ويعيد بيعها بما يوازي حوالي 2000دج في تونس. ويقتني التونسيون أيضا من أسواق وادي سوف الموز والفاكهة المستوردة مثل الكيوي والأناناس، إضافة إلى الأقمشة وألبسة الأطفال واللعب القادمة من سوريا وأقصى شرق آسيا مع الإشارة إلى أن وادي سوف المدينة لا تبعد عن بلدة حزوة في قلب تونس إلا ب80 كلم، كما تبعد عن ولاية توزرالتونسية الكبيرة ب140 كلم وسكان هذه المدن التونسية هم الذين يحجون إلى منطقة الوادي وما جاورها. * * أما في الولايات الشمالية الحدودية، وهي الطارف وتبسة وأيضا سوق اهراس، فإن الأمر مختلف، إذ أن الجزائريين يساعدون في نقل البضاعة الجزائرية إلى نواحي طبرقة ويستقدمون بضائع أخرى تونسية مثل الحلوى وواقي الأحذية، وتشهد أسواق ولاية تبسة بالخصوص توافدا رهيبا، خاصة في الصيف. ومع حلول رمضان والدخول المدرسي من توانسة يقتنون مستلزماتهم وأحيانا يدفعون بالدينار التونسي الذي عجز عن المحافظة على ارتفاعه وبلغ أحيانا رقم 5 دنانير لكل ألف دينار جزائرية، بعد أن فاق السبع دنانير في سنوات سابقة، ولم يتوقف بعد الأشقاء التونسيون عند الحدود الغربية بالنسبة لهم، بل تنقل بعضهم إلى مصدر السلعة في أسواق شرق البلاد وبلغوا أسواق قسنطينة وعين مليلة وعين فكرون بولاية أم البواقي لاقتناء الألبسة والأجهزة الرقمية، إضافة إلى وصولهم إلى مدينة العلمة بولاية سطيف. * حيث يشكلون رقما مهما ضمن زبائن هذا السوق الضخم، وصاروا يحفظون حتى مواعيد إقامة الأسواق الشعبية مثل تاجنانت ويتناقشون مطوّلا حول الأسعار ويبيتون في فنادق الشرق للضرورة التسويقية، لكن أهم سوق يجلب التونسيين هو دون منازع (سوق ليبيا) بتبسة المسمى سوق أربعة مارس، خاصة أنه يومي ويتواصل من خيوط اليوم الأولى إلى غاية الليل ويقدم للزبائن كل شيء من العملة إلى مختلف الأدوات أو كما يقول التوانسة عن هذه السوق "فيها من الإبرة إلى محركات السيارات". وصار لهذا السوق، تجار يعملون حسب الطلب التونسي وزبائنهم كلهم من التوانسة الذين يقتنون ماهو مرتفع ثمنه في بلدهم مثل المواد الكهرومنزلية ويأخذون الهواتف النقالة التي تدخل الجزائر من كوريا والصين، وينافس حاليا الزبائن التوانسة نظراءهم الجزائريين في أسواق تبسة التي تقدم العملة التونسية بأثمان صارت مقبولة مقارنة بالأعوام السالفة، وهي العملة التي تساعد السوّاح الجزائريين على قضاء أيام فسحة في مدن طبرقة وسوسة ونابل والحمامات في قلب تونس. * يابانيون وإيطاليون في الأسواق الشعبية * * إذا كان تواجد التونسيين والأفارقة شيئا عاديا في الأسواق الشعبية، فإن الاستثمارات الغربية والمشاريع الكبرى، وفّرت زبائن آخرين من بينهم اليابانيون الذين يشتغلون في الشطر الشرقي للطريق السيّار الذين تفاجؤوا بوجود بضاعة الجارة الصينية بأثمان أقل مما هو موجود في بكين وشنغهاي، ويقتني اليابانيون مختلف السلع التي يحتاجونها ليومياتهم في الجزائر، مثل أدوات التنظيف والألبسة والأجهزة الكهرومنزلية كما يفعل ذات الشيء زملاؤهم من الصين وماليزيا والفيلبين وهم يشتغلون ضمن طاقم الطريق السيّار. * * وتؤكد مصادرنا من مركز بوشبكة الحدودي أن السياح الأجانب الذين يزحفون على تونس خاصة نزلاء طبرقةالتونسية صاروا يدخلون هم أيضا من جنسيات أوربا الشرقية (روسيا والتشيك) إلى أسواق تبسة لاقتناء الهدايا لأهلهم ويتأسفون لأن الجزائر لا توفر لهم فنادق ومركبات سياحية كما هو حاصل في تونس، وإضافة إلى الأوربيين والآسياويين يتواجد العرب من مصريين وسوريين ولبنانيين ضمن زبائن الأسواق الجزائرية ومنهم من يقتني البضاعة لأجل إعادة تسويقها في بلده الأم، ويكمن هذا التوافد في الأثمان الزهيدة والبضاعة المقلدة التي لا تختلف عن الأصلية كما أن أسواق "الشيفون" الكثيرة، صارت أيضا ملاذا للصيفيين وللعرب، خاصة أن بعضها يقدم سلعا جيدة وجديدة مستوردة من هولندا وإيطاليا. * * هل يبقى حال الأسواق الشعبية كما هو من دون تغيير؟ خاصة إذا انضمت الجزائر إلى مُنظمة التجارة الدولية، حيث يصبح القانون يفرض الفوترة وعدم التهرّب الضريبي وبالتالي يستحيل على هذه البضائع أن تحافظ على أثمانها، كما أن البضاعة المطابقة "كونترفاسون" تنقرض تماما، لأن الزبائن الصينيين حاليا في أسواقنا يقتنون بضاعة صينية يقولون إن القانون الصيني يمنع بيعها!! *