ربيقة يشارك في تنصيب قائد جيش نيكاراغوا    القانون الأساسي لموظفي التربية    نثمن الانجازات التي تجسدت في مسار الجزائر الجديدة    جائزة التميّز للجزائر    شبكة وطنية لمنتجي قطع غيار السيارات    تعديل في نظام تعويض أسعار القهوة الخضراء المستوردة    اقتناء "فيات دوبلو بانوراما" يكون عبر الموقع الإلكتروني    اجتماعٌ تنسيقي بين وزير السكن ووزير الفلاحة والتنمية الريفية    رهينة إسرائيلي يقبل رأس مقاتلين من كتائب القسام    معركة فوغالة كانت بمثابة القيامة على جنود العجوز فرنسا    بوغالي يلتقي اليماحي    جنازة نصر الله.. اليوم    كل خطوة تخطوها الجزائر اليوم تقربها من ساحة البلدان الناشئة    اتحاد التجار يطلق مبادرة لتخفيض أسعار المنتجات الغذائية    باتنة: الدرك الوطني بوادي الشعبة توقيف عصابة تنقيب عن الآثار    هناك جرائد ستختفي قريبا ..؟!    هذا جديد مشروع فيلم الأمير    سايحي يتوقع تقليص حالات العلاج بالخارج    السيدة بهجة العمالي تشارك بجنوب إفريقيا في الاجتماع المشترك لمكتب البرلمان الإفريقي    تعزيز المطارات بأنظمة رقابة رقمية    الإجراءات الجمركية مطبّقة على جميع الرحلات    تكنولوجيا جديدة لتقريب الطلبة من المحيط الاقتصادي    استفادة 4910 امرأة ريفية من تكوين في الصناعة التقليدية    عشرات الأسرى من ذوي المحكوميات العالية يرون النّور    رئيس مجلس الشيوخ المكسيكي يجدّد دعمه للجمهورية الصحراوية    احتجاجات تعمّ عدة مدن مغربية    اعتماد 4 سماسرة للتأمين    المجاهد قوجيل يحاضر بكلية الحقوق    وفد من المجلس الشعبي الوطني يزور صربيا    دراجات/الجائزة الدولية الكبرى لمدينة الجزائر: ياسين حمزة (مدار برو سيكيلنغ) يفوز بنسخة-2025    مستفيدون يُجرون تعديلات على سكنات تسلَّموها حديثاً    مبادرات مشتركة لوقف إرهاب الطرق    مدرب مرسيليا الفرنسي يوجه رسالة قوية لأمين غويري    نادي ليل يراهن على بن طالب    استعمال الذكاء الاصطناعي في التربية والتعليم    تراث مطرَّز بالذهب وسرديات مصوَّرة من الفنون والتقاليد    رضاونة يجدّد دعوة ترسيم "الأيام العربية للمسرح"    مولودية الجزائر تطعن في قرار لجنة الانضباط    المؤتمر السابع للبرلمان العربي ورؤساء المجالس والبرلمانات العربية يؤكد رفضه التام والكامل لكل أشكال التهجير للشعب الفلسطيني    العاب القوى/الملتقى الدولي داخل القاعة في أركنساس - 400 متر: رقم قياسي وطني جديد للجزائري معتز سيكو    الأولمبياد الوطني للحساب الذهني بأولاد جلال: تتويج زينب عايش من ولاية المسيلة بالمرتبة الأولى في فئة الأكابر    رئيس الجمهورية يدشن بتيبازة مصنع تحلية مياه البحر "فوكة 2"    كرة القدم/رابطة 1 موبيليس (الجولة 17): نادي بارادو - مولودية الجزائر: "العميد" لتعميق الفارق في الصدارة    عرض النسخة الأولى من المرجع الوطني لحوكمة البيانات    صِدام جزائري في كأس الكاف    هلاك 4 أشخاص وإصابة 228 آخرين في حوادث المرور خلال 24 ساعة    صحة: المجهودات التي تبذلها الدولة تسمح بتقليص الحالات التي يتم نقلها للعلاج بالخارج    أنشطة فنية وفكرية ومعارض بالعاصمة في فبراير احتفاء باليوم الوطني للقصبة    ترسيم مهرجان "إيمدغاسن" السينمائي الدولي بباتنة بموجب قرار وزاري    تسخير مراكز للتكوين و التدريب لفائدة المواطنين المعنيين بموسم حج 2025    اختيار الجزائر كنقطة اتصال في مجال تسجيل المنتجات الصيدلانية على مستوى منطقة شمال إفريقيا    مبارتان للخضر في مارس    حج 2025: إطلاق عملية فتح الحسابات الإلكترونية على البوابة الجزائرية للحج وتطبيق ركب الحجيج    هكذا تدرّب نفسك على الصبر وكظم الغيظ وكف الأذى    الاستغفار أمر إلهي وأصل أسباب المغفرة    هكذا يمكنك استغلال ما تبقى من شعبان    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مطلوب إيقاف نزيف لغة الضاد في الجزائر !
"الشروق أون لاين" يشرّح راهنا لسانيا يتهاوى
نشر في الشروق اليومي يوم 07 - 03 - 2015

تطالب فعاليات عديدة بمخطط متسارع لإيقاف نزيف لغة الضاد في الجزائر، تبعا لما تشكوه العربية في بلد بن باديس من عقوق لساني وتفش غريب ل"الكلمات الشارعية"، ما يفرض حراكا لتقويم الوضع لغة الضاد، وحتى لا يسقط الجزائريون في اللالغة؟
في هذا الملف الموسّع ل"الشروق أون لاين"، يرى غيورون أنّه حان الوقت ل "نجدة اللغة العربية"، على خلفية ما يطالها من تضييق في ظلّ استمرار تجميد قانون تعميم اللغة العربية، بجانب استشراء الكلمات "الشارعية" وحجزها مكانا لها في أكثر من واجهة مهمة في البلاد، إلى درجة تثور معها مخاوف من كون أي ضيف عربي سيحل بالجزائر مستقبلا، قد لا يجد مع من يتفاهم !(..).
وترى الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية إنّ الأخيرة تشهد ترديا، وركّزت على ضرورة انتصار دوائر القرار لما تسميه "داعي صون الهوية"، التي تمثل العربية عنوانها الكبير، وتقرع الجمعية أجراس الإنذار مجددا إزاء المخاطر التي باتت تهدد منظومة الثوابت، من خلال ما تشهده الضاد.
ويقول ناشطون وصلت إلى مرحلة خطيرة تضع البلاد في مفترق طرق، ويحذر هؤلاء بالقول إنّ البلاد صارت أمام خيار تصحيح الوضع أو الغرق في الضياع، في وقت توجّه سهام الانتقادات إلى ما يسمى "اللوبي الفرانكفوني" الذي شوّه بحسب من تحدثوا ل"الشروق أون لاين" لغة الضاد، وتمكّن من تجميد مسار إعادة الاعتبار للغة العربية.
تساقط غريب
سقطت منذ 2006 كل المساعي لإنضاج مطلب تطبيق قانون تعميم استعمال اللغة العربية المجمد، منذ الأمرية الشهيرة التي أصدرها الرئيس السابق "اليامين زروال" عام 1998، ليستمر الحظر الذي يطوّق لغة الضاد للعام الخامس عشر على التوالي، سيما مع استمرار الغبن الذي يلفّ مقومات وثوابت الهوية في الجزائر.
وحرص نواب من التيار الوطني الإسلامي، على تفنيد مبرّر السلطات بكون تجميد تعميم استعمال اللغة العربية راجع إلى انعدام الكوادر المعرّبة، واعتبروا أنّ هذا التبرير غير صحيح طالما أنّ الشواهد ووقائع الراهن الجزائري الحالي تكذّب هذه المزاعم رأسا، علما أنّ السلطات كرّست المعاملات في البنوك والمراسلات والبريد وفي كل مكان بلغة فولتير، والنتيجة أنّ الكثير وجدوا أنفسهم غرباء في بلدهم.
محاذير اللا لغة !
في مقام خاص، يرى الباحث السميولوجي د/ "عبد المالك مرتاض"، إنّ الجزائريين أضحوا يدورون في فلك اللالغة، في ظلّ تبعثر المسارات والاستعمالات اللغوية في البلاد، ففي وقت يدافع السواد الأعظم من الجزائريّين عن العربيّة باستماتة وينافحون عنها، هناك فريق آخر متعصّب للأمازيغيّة مدافع عنها، وثالث متشيّع للفرنسيّة؛ وبين مندرج للغة رابعة تأخذ من الينابيع السابقة بديلا، وهذه اللغة الأخيرة باتت اللّغة السائدة في مختلف الشوارع والأسواق والمجالس العامة والمنتديات في الجزائر، وفي وقت انتشرت فيه اللغة ذاتها كالهشيم واقتحمت أكثر المناطق عذرية وتوهجا، لم يبادر أحد بالحديث عن أفق لغوي مهدد بالتبّدد والفصام.
ويرى د/ مرتاض، الذي سبق له أن ترأس المجلس الأعلى للغة العربية، وله العديد من الإحرازات الأكاديمية النفيسة، أنّ ظاهرة التشوّه اللغوي استفحلت كثيرا في الجزائر، على نحو صار واجبا معه التحرك لتقويم الوضع اللساني في البلد، بعد أن أصبح منشّطو التليفزيون والإذاعة يغترفون من لغة تنتمي إلى الصنف الرابع، موسومة ب "الساقطة" يخاطبون بها ويتخاطبون، دونما إلقاء بال للغة الضاد وجواهر العربيّة السليمة، وذلك باستعمالهم ألفاظا هجينة تشجّع الميوعة والانحطاط؛ وهنا يقع السقوط اللغوي إلى أبشع مستوياته.
ظلّ المدارس
يتساءل مراقبون عما فعلته المدرسة الجزائريّة للتصدي إلى هذا النزيف، ولِمَ أنفقت الدّولة الجزائريّة عشرات الآلاف من المليارات لضمان تعليم الأطفال؟، هل من أجل أن يكبروا فيتحدّثوا هذه اللّغة الهجينة التي يمكن أن نطلق عليها (اللاّ لغة)، التي تتغذّى من العربيّة والفرنسيّة والأمازيغيّة معا، وربما التركيّة والمالطيّة - على الرغم من عروبيّة المالطيّة أصلا- وربما الإسبانيّة والإيطالية أيضا؟، ويتحسر "مرتاض" عن واقع كهذا هو بمثابة خيانة لذاكرة الشهداء، ومصادرة لما يتمثّله المصلحون والمفكّرون والمنظّرون.
ويعارض الناقد "عبد الناصر خلاّف" التصور القائل بحرية تحدّث الناس بأيّ لغة شاؤوا، والمهمّ في الحكاية أن يتفاهموا فيما بينهم، ولو بلغة الإشارات (..)، إذ يؤكد أنّ اللّغة هي مفتاح أوّل للمعرفة، ولا يمكن دون إتقانها إتقانا كاملا، أو الرنّو إلى إنتاج هذه المعرفة، في أيّ مستوى من مستوياتها، حتى وإن كان البعض يتصورون أنّ الجزائريّين سينتجون المعرفة العليا بلّغة الرابعة، أو بلغة "الإسبرنتو" الفاشلة.
تشويش العقول
يحترز السوسيولوجي "محمد بوكراس" على هذا الخليط البشع من الأصوات المتنافرة أو ما يسميه (لغة رابعة)، ويعزوه إلى مدى التشويش الذي أصاب العقول، والاضطراب الذي خالط الأذهان، إلى درجة أنّ عامّة الشباب الجزائريّين لم يعودوا قادرين على تركيب ثلاثِ جمل متتابعة تركيبا صحيحا، لغويّا ونحويّا ودلاليّا!
ويستفهم "بوكراس" عن مؤدى كل هذا العيّ الذي أصاب ألسنة الجيل الجزائريّ الجديد فتلجلجَتْ؟، وهل ما يراه المرء ويسمعه في الجزائر هو جهل مركّب فعلا بمعرفة العربيّة، أو هناك من يتعمّد إيذاء هذه العربيّة بتعويمها في هذه الأمشاج من الأصوات المتنافرة، والألفاظ المتناكرة؛ حتى لا يدري الواحد أيّ لغة يسمع، وبأيٍّ من ألفاظها يتخاطب هؤلاء الناس؟.
كما يتصور "بوكراس" بحساسية المسارعة إلى تكوين جيل المستقبل في المستقبل تكوينا لغويّا سليما وصحيحا، بحيث يقع التنافس في حذق العربيّة ليقعَ الحديثُ والكتابة بها دون عقدة، وحتى يتم ذلك يشدّد الدكتور المختص في السمياء على ضورة تلقين جزائريي هذا الزمان، كيف يتكلّمون العربيّة بطلاقة وسلاسة منذ نعومة أظافرهم؛ فلا يرطّنوا بالعربيّة كأنّهم يرطّنون بالعجميّة؛ فالصديق في نطقهم (سديق)؛ والصاروخ في حديثهم (ساروخ)، وضخّة المطر، وهذا موجَّهٌ إلى أصحاب الأحوال الجويّة (زخّة) التي لا وجود لها إلاّ في عربيّتهم العجيبة، على حد تعبيره.
ويتقاطع "بوكراس" مع "خلاّف" و"مرتاض" في كون العيب ليس كامنا في الجيل الجديد الذي أبدى كثير من براعمه قدرتهم على تعلّم لغات كثيرة تعلّما سليما، بل يلقي باللائمة على الآباء والمؤطرين وتحديدا نظام التعليم الضعيف في بلاده، لذا يصر على توخي الجدية في إنهاء وضع أعرج له تبعاته على منظومة المجتمع الجزائري.
حتمية هبّة كبرى
يشدد مراقبون على وجوب الانتصار لهبّة كبرى تنتصر للغة الضاد وتجعلها شعارا ومنهجا، بدل الرطانة بالفرنسية واللهجات المحلية الدارجة التي جعلت الجزائر في عيون العالم الخارجي "وطنا بلا هوية".
ويقدر أخصائيون بحتمية اعتماد سياسة وطنية خاصة باللغات، ويلّح هؤلاء على حتمية إعادة الاعتبار للغة العربية في الجزائر، ويرى من تحدثو ل "الشروق أون لاين" أنّ الإجراء مهمّ للتصدي لما يسمونه "المدّ الفرانكفوني"، الذي يهدف حسبهم إلى "تعقيد المشكلة اللغوية" في الجزائر وفي باقي الدول المغاربية، عبر تأجيج الصراع بين اللهجات المحلية ولغة الضاد، حتى يتّم التمكين للفرنسية بكل ما تعنيه الأخيرة من إبعاد الجزائريين عن انتمائهم العربي الإسلامي، ومسخ مقومات هويتهم.
وسبق للراحل "عبد الحميد مهري" أن اتهمّ الفرانكفونيين باختلاق مشكلة لغوية من خلال "سعيهم الدائم" على حد قوله، لإذكاء الصراع بين العربية والأمازيغية واللهجة العامية المحلية، وجزم مهري أنّ المخطط مدروس بعناية لكي " تسود الفرنسية وتنتشر".
واعتبر الرجل/ الرمز الابتعاد عن المقاربات السياسية في معالجة إشكال الازدواجية اللغوية في الجزائر، كفيل بإعادة الاعتبار للغة العربية، مشجّعا على الالتفات إلى اللغات الحية غير الفرنسية التي لم تعد - مثلما قال- تنفع كلغة علم وتطور حتى في عقر دارها.
نخب تستنجد
وجهت كوكبة من النخب نداءً قبل فترة إلى رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، دعوه إلى وضع حد للمسخ الذي يتعرض له اللسان الجزائري، فاللسان عند "أمين الزاوي"، "أمينة قادري"، "ناصر جابي" و"واسيني الأعرج" لغة تخاطب الناس فيما بينهم، كما هو أيضا لغة العاطفة والأغاني والوجدان.
في هذا السياق، لاحظ الزاوي إنّ الوضع اللغوي يتردى يوما بعد يوم، حيث أنّ اللسان أصبح مفردة عربية ومفردتين بالفرنسية، وفي نظره سيتجه الجزائريون إلى لغة أشبه بلغة مالطا، أي لغة هجينة، والأخطر اليوم برأيه أنّ لا أحد انتبه إلى هذه الوضعية، فحتى وسائل الإعلام أصبحت تعكس هذه الظاهرة بل تحث على ذلك، فمثلا عندما تقدم أغنية في القناة الجزائرية الأولى، نصفها فرنسية ونصفها عربية، هو أمر في منظور الزاوي يبعث على التضايق من هذا الانزلاق، ويدفع الغيورين على لغة الضاد إلى عدم متابعة برامج القنوات الجزائرية الإذاعية والمرئية منها، ما جعل الراحل "الطاهر وطار" يلاحظ في آخر أيامه أنّ الشعب الجزائري أصبح شعبا هجينا لا لغة له.
أزمة ثقافية
في تفسيره للأزمة الثقافية التي تعيشها الجزائر، أوضح الزاوي أنّ ما قصده بالأزمة الثقافية هي أزمة تسعينات القرن الماضي والأزمة التي يعيشها العالم الإسلامي والعالم العربي، لأنها عبارة عن رد فعل على الهجمة الثقافية الغربية منذ ثلاثة قرون تقريبا، فنمط الحياة يتغير شيئا فشيئا ونمط التلفزيون يتغير ونمط الأغنية يتغير.
وفي بيان وجّهه إلى الرئيس بوتفليقة، قال الأديب "كمال قرور" إنّ الأزمة في جوهرها ثقافية، وإن كان هو شخصيا دائما يقول إن هناك صراعا داخليا بين الفرد المسلم في داخله، فهو صراع ضمير، وواقع مفروض عليه، وهو غير راض به.
ويرجع الروائي الشاب تفاقم الوضع إلى عدم وجود أي محاولات خارج الفرد، أي أن محاولات المجموعة غائبة.
فالأنظمة القائمة في معظمها أنظمة بورجوازية صغيرة، قام بغرسها المستعمر قبل أن يغادر، وهي الآن تسير في فلك ثقافته وإيديولوجيته، ووصل بنا الحد إلى النفق الذي نحن فيه، وأكثر من كل ذلك، يقول وطار إن مستعمر الأمس لم يعد راضيا بهذه الأنظمة، فهذه الأنظمة انفصلت عن شعوبها، وصارت اليوم تحكم بقوتها التي عمدّها لها الاستعمار بالأمس، مضيفا أنه ضد النفاق فمن جهة نحن نقول إننا ضد الفرانكفونية، ومن ناحية أخرى الجزائر أكبر بلد له إذاعة تبثّ 24 ساعة على 24 ساعة باللغة الفرنسية، فالإشكال ليس مطروحا على مستوى المشاركة في التجمعات الفرانكفونية، وليس لديه اعتراض بخصوص المشاركة في هذه اللقاءات، بل أن اعتراضه على حالة المسخ التي نحن فيها، إلى درجة أنه عندما يحل ضيف عربي بالجزائر، لن يجد مع من يتفاهم.
مسؤولية الدوائر الفوقية
يتصور الأديب والباحث "شرف الدين شكري" إنّ السلطات تتحمّل مسؤولية ترك التعامل في البنوك والمراسلات والبريد وفي كل مكان باللغة الفرنسية، وبعبارة أخرى اتخذ النظام قوانين له ولم يطبقها، ومن مسؤولية النظام أنه ترك مثلا، قناة ثالثة عجيبة كما لو أن هناك شعبين، شعبين يتكلم باللغة العربية وشعب يتكلم باللغة الفرنسية.
ومن المفروض، حسب شكري أن تكون "القناة الثالثة" إذاعة موضوعاتية محددة مثل تقديم نشرة الأخبار الموجهة للخارج، موجز من حين لآخر، لكن عندما تصبح هذه الإذاعة لغة الطبخ والحلويات واللباس، ولغة "الكسكسي" فهذا أمر يدعو إلى الاستغراب.
وتثير حالة عدم قدرة وزراء حاليين وسابقين عن النطق السليم بالعربية، الكثير من الاستغراب، علما أنّه في ستينيات القرن الماضي، تعرّب "بلعيد عبد السلام"، و"العياشي ياكر"، وكذا ضباط الجيش، فآنذاك كان هناك هاجس استعمال لغة الخشب، وذلك نابع من الإرادة والإيمان الصادق بالاستقلال الوطني، بالإضافة إلى أن نشاط فرنسا كان محدودا.
وتابع "شكري" بالقول إن هناك حالات ضرورة، عندما لا يجد في مخزونه اللفظي مفردة بالعربية، فيضطر إلى استعمال الفرنسية أو الانجليزية، مثل ما فعلته فرنسا عندما منعت استعمال اللغة الانجليزية في الفضائيات الفرنسية، وأقرت قانونا يعاقب عليه من يستعمل اللغة الانجليزية، ولكن خففوا من هذا القانون وتمت صياغته، وأصبح ممكنا استعمال اللغة الانجليزية في حالة الضرورة، وهذا بعد ضغوط أنجلو- أمريكية.
وفيما يتعلق بضرورة إجبار المراكز الثقافية الأجنبية على احترام القوانين الجزائرية، وما قد تطرحه هذه النقطة من حساسيات دبلوماسية بين الجزائر وتلك الدول، أوضح "الزاوي" إنّ هناك دولا تحترم القوانين الجزائريين، وهناك دول لا تحترم هذه القوانين وتتجاوز حدود نشاطها وتتحول إلى وزارة الثقافة، محملا الدولة والأمة ككل مسؤولية ما يجري بخصوص الشأن الثقافي.
ضرورة الانتصار إلى "تحديدات"
أكد كل من "الزاوي" و"شكري" أنهما يختلفان مع الذين يطالبون بإنقاذ اللغة العربية أو الدفاع عن اللغة العربية، وأنهما يدافعان عن المعربين والعرب وعن شعب يستعمل لغة، مضيفان أنّ المقام يقتضي أن نحدد أي لغة يجب أن نعتمدها رسميا، أما أن يترك الحبل على الغارب ونمضي هكذا باسترخاء غير مبالين وغير واعين، فالنتيجة حسبه أننا سنجد أنفسنا غرباء في بلادنا وفي المغرب العربي، غرباء عن تونس، وعن المغرب، فالجزائريون يواجهون حالة مسخ عندما يستعمل الجزائري مفردة في عشر كلمات، تكونت فيه كلمة واحدة بالعربية أما الباقي فكلمات فرنسية مشوهة، وليست حتى مستقيمة، لدرجة أننا وصلنا إلى مستوى نعرّب فيه الفرنسية.
وكان "وطار" في آخر أيامه، ذكر أنّ هناك بعض الكتاب يكتبون بالعربية ثم يدخلون فقرات باللغة الفرنسية، وهي أشبه ما تكون "فنتازية" لا أساس لها في عالم ونظرية الأدب والكتابة، مشيرا إلى أن هناك كتاب استعملوا هذا الأسلوب، أما واسيني فتابع طريقتهم، ووجد أن هؤلاء الكتاب يحرمون أنفسهم من قراء لا يعرفون الفرنسية والانجليزية ولا الألمانية. وفي هذه الحالية ينبغي أن يرفق روايته بترجمان.
مرافعات لاسترجاع الهوية
ترافع فعاليات لصالح استرجاع الهوية والتحرر من التبعية، ويرى هؤلاء أنّه لا بدّ للجزائر أن تستعيد لسانها العربية المبين وتحرّر نفسها من "التبعية اللغوية"، في إشارة قوية إلى ما فرضته اللغة الفرنسية ولا تزال من ترسبات للعقد الرابع على التوالي.
ويرى "أبو جرى سلطاني" أنه "يجب أن نعود أحرارا"، وانتقد "بلخادم" فلسفة الغرب حيث قال: "هؤلاء يتحدثون عن حوار الحضارات وتلاقي الثقافات، بينما يمارسون ضدّنا كل ألوان التمييز عندما يتعلق الأمر بالاعتزاز بعقيدتنا وهويتنا ولغتنا"، مضيفا: "يحدثوننا عن الكراهية، وهم يمارسون الكراهية، ويحدثوننا عن الديمقراطية، بينما هم يعاقبون الشعوب على إراداتها"، وتابع: "القرون الوسطى كانت قرون ظلام بالنسبة لهم، لكنها قرون ذهبية بالنسبة لنا من خلال إشعاعات غرناطة وقرطبة التي كانت تنير دياجير الظلام في أوروبا".
ورأى كل من "بلخادم" و"سلطاني" أنّ عودة الأمة إلى اقتدارها لا يكون إلاّ باستعادتها لهويتها ورفضها المسخ، وذاك هو التحدي مثلما أكدا.
نكون أو لا نكون
كشف "جمال بن عبد السلام" رئيس جبهة الجزائر الجديدة، أنّ مسعى سياسيا واسعا بصدد التحضير للائحة تطالب بإحياء قانون تعميم استعمال اللغة العربية، وإلغاء الحظر الذي يطوّق لغة الضاد في الجزائر للعام الثامن على التوالي، وقال بن عبد السلام إنّ المسألة تتلخص في مبدأ "نكون أو لا نكون"، مضيفا أنّ الموضوع طرح بين نواب كثيرين خلال الأيام الماضية، سيما مع استمرار الغبن الذي يلفّ مقومات وثوابت الهوية في الجزائر، وتساءل بن عبد السلام عما إذا كانت العربية لغة وطنية فعلا، وإذا كان الردّ بالإيجاب فعلى السلطات الانتصار لها، أما إذا كان الجواب بالنفي فما عليهم إلا الكشف عن نواياهم، حتى يتم اتخاذ ما هو لازم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.