ممثلون عن أجهزة الأمن ومختصون في ندوة "الشروق" حول الإجرام: أجمع المشاركون في ندوة "الشروق" حول تنامي ظاهرة الإجرام في المجتمع حول ضرورة تحرّك مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني لمحاصرة الظاهرة والتخفيف منها. وكشفت الإحصائيات التي قدمها ممثّل الأمن الوطني وممثّل الدرك الوطني حسب اختصاصهما، أنّ الجزائر سجلت ما مجموعه 207 ألف جريمة بمختلف أنواعها خلال الأشهر التسعة الماضية، وهو ما يعادل قرابة 700 جريمة يوميا. وكانت الإحصائيات الدقيقة التي قدمها ممثلو الأجهزة الأمنية أساسا لتدخلات المختصين في علوم الاجتماع والنفس والقانون لتقديم تحليلاتهم التي صبت كلها في تحديد أسباب الظاهرة التي تطورت خلال السنوات الأخيرة بالشكل الذي أصبح يهدّد الأمن العام. وأجمع المتدخلون على أن السلطات أرادت القضاء على مشكل السكن من خلال عمليات الترحيل الجماعي لسكان البيوت القصديرية لكنه نتج عن ذلك مشكل المواجهات اليومية بين السكان والسبب في ذلك عدم القيام بدراسة كافية وتوفير المرافق الضرورية الموجودة في الأحياء القديمة كالمسجد والجمعيات وغيرها.
النقيب سايح بوسيف رئيس بقسم الشرطة القضائية بقيادة الدرك: طلبة وموظفون وقصر يزاحمون البطالين في الجريمة كشف النقيب سايح بوسيف رئيس بقسم الشرطة القضائية بقيادة الدرك الوطني على أن مصالحهم عبر التراب الوطني، فتحت تحقيقات موسعة في أزيد من 69 ألف جريمة، خلال 9 اشهر من السنة الجارية، مما يؤكد تسجيل 234 جريمة ترتكب يوميا، فيما ارتفع عدد الموظفين والطلبة والقصر الذين تورطوا في مختلف الجرائم. وأوضح النقيب بوسيف في ندوة "الشروق"، أن مصالح الدرك الوطني عبر ال 48 ولاية عالجت 69057 قضية، بينها 3303 جناية ، 57 . 679 جنحة و2507 مخالفة بمعدل 234 قضية في اليوم أسفرت عن توقيف أزيد من 75 ألف شخص، فيما تم توقيف أزيد من 5568 شخصا تنفيذا للأوامر القضائية. وأضاف ضيف "الشروق"، أن عدد الجرائم المتعلقة بالقانون العام حطمت الرقم القياسي، حيث سجل في هذا الإطار 31090 قضية، اسفرت عن توقيف 28170 شخص، أودع 6981 منهم الحبس المؤقت، فيما تمت معاينة أزيد من 24 ألاف قضية متعلقة بجرائم القوانين الخاصة، أوقف من خلالها 25220 شخص، كما سجل خلال نفس الفترة 8192 قضية خاصة بالإجرام المنظم العابر للحدود، أسفرت عن توقيف أزيد من 11 ألف شخص أودع 5651 منهم الحبس المؤقت. وتتصدر قضايا المخدرات حسب ممثل الشرطة القضائية لقيادة الدرك الوطني مجموع الجرائم المنظمة، إذ تمكنت وحدات الدرك بمختلف تشكيلاتها من حجز أزيد من 85 طنا من الكيف المعالج من خلال معالجة 2669 قضية، أسفرت عن توقيف 4383 شخص أودع منهم أزيد من 2900 الحبس المؤقت، فيما عالجت 292 قضية تتعلق بتزوير المركبات، أوقف من خلالها 392 شخص و2176 قضية تهريب تورط فيها 1262 مجرم و736 جريمة تزوير، كما تم توقيف 2588 مهاجر غير شرعي دخل إلى الجزائر و378 آخر حاول الخروج منها. احذروا .. منحرفون وشواذ يطلبون من الأطفال التعري عبر الانترنيت وحذر النقيب سايح من ارتفاع عدد الطلبة والقصر والنساء وحتى الموظفين المتورطين في ارتكاب الجريمة بعدما كانت حكرا فقط على البطالين في السنوات الماضية، وبلغة الأرقام يقول محدثنا أن حصيلة ال 9 أشهر من السنة الجارية أماطت اللثام عن الفئات المتورطة في قضايا الإجرام العام والإجرام المنظم، حيث عاينت وحدات الدرك تورط 1256 عامل يومي، 314 موظف دائم، 114 طالب، 984 شخص يمارس مختلف النشاطات و1715 بطال في مختلف الجرائم. فيما مس الإجرام حسب ذات المسؤول، مختلف الفئات العمرية، حيث تشير الأرقام إلى تورط 3.8 بالمائة شخصا تقل أعمارهم عن 18 سنة، في مختلف الجرائم و 57.3 بالمائة أخر تتراوح أعمارهم بين 18 و30 سنة، 25.63 بالمائة بين 30 و40 سنة، فيما تجاوزت نسبة المتورطين الذين تجاوزت أعمارهم ال 40 سنة 13 بالمائة، فيما قدرت نسبة المتطورين من جنس ذكر 97.8 بالمائة ، و2.20 بالمائة إناث. وفي سياق متصل دق النقيب بوسيف ناقوس الخطر بخصوص ارتفاع الجرائم الإلكترونية، مشيرا إلى أنه تم تسجيل أزيد من 100 قضية خلال 9 أشهر من السنة الجارية ومعظمها تتعلق بالنصب والاحتيال على الأشخاص، وحذر محدثنا جميع مستعملي الانترنيت من أخذ الحيطة حتى لا يقعوا ضحايا النصب والاحتيال من طرف محترفين في هذا المجال، كما حذر الأولياء ونصحهم من ضرورة مراقبة أولادهم المبحرين عبر الانترنيت، بعد أن سجلت مصالحهم عبر مختلف ولايات الوطن، تحرشات جنسية من طرف بعض المنحرفين والشواذ جنسيا ضد الأطفال وقال بوسيف بصريح العبارة "أن بعض الحالات يطلبون فيها من الأطفال التعري".
أبطالها منحرفون ومسبوقون قضائيا ودون مستوى تعليمي "الزعامة وحب فرض السيطرة".. وراء حرب العصابات في الأحياء الجديدة أجمع الخبراء في مكافحة الإجرام، على أن الأسباب الرئيسية لحرب العصابات في الأحياء الجديدة، تعود إلى محاولة تزعم هذه الأحياء السكنية من قبل منحرفين ومسبوقين قضائيا يغذون الحروب بين مختلف التشكيلات، مشددين على أن الظاهرة قد أخذت منعرجا خطيرا خلال الثلاث سنوات الأخيرة. وفي هذا السياق، أكد ضيوف "الشروق"، من ممثلي الدرك والشرطة وعلماء الاجتماع والنفس ورجال القانون، على أن مختلف الدراسات الميدانية بيّنت أن الظاهرة جديدة في المجتمع الجزائري، والتي تعود أسبابها أساسا إلى التركيبة البشرية للسكان المتشاجرين، حيث نجد معظم الشجارات تقع بين شباب بطال منحرف وغير متعلم، ومن ذوي السلوك العدواني ويصعب التحاور معهم من طرف مصالح الأمن أوعقلاء الأحياء من الطرفين، من سكان البيوت القصديرية القادمين من حيين مختلفين، أو بين السكان المرحلين الجدد إلى الأحياء السكنية وسكان الأحياء أو البيوت القصديرية المجاورة لها على شاكلة حي عين المالحة بعين النعجة، وواد شبل ببئر توتة والدويرة بالجزائر العاصمة. وأوضحت الدراسات حسب المتحدثين ذاتهم، أن كل الصدامات المسجلة اندلعت لأسباب تافهة، كالمشاجرة البسيطة أو الاعتداء بين شباب منحرفين، الإزعاج والمعاكسة والتي تتطور بتضامن مرحلي بين شباب الحي الواحد، ضد شباب الحي الآخر، لتتحول إلى مشادة بين سكان الحيين تستعمل فيها السيوف والخناجر ومختلف الأسلحة البيضاء والزجاجات الحارقة، تنتج عنها إصابات جسدية من الطرفين، إلا أن المصابين لا يتقدمون لإيداع شكاويهم لدى مصالح الأمن مهما كانت درجة الإصابة خوفا من المتابعة القضائية أو انتقام الطرف الآخر. المساجد والمرافق العمومية والجمعيات ولجان الأحياء لاحتواء الظاهرة كما أكد المختصون في علم الاجتماع والنفس الأساتذة، حامق محمد وحنطبلي يوسف والمحامي بهلولي إبراهيم، وإمام مسجد الكاليتوس كمال بعزيز، أن الأسباب التي ساعدت ولو بصورة غير مباشرة في بروز هذه الظاهرة، هي انعدام المرافق العمومية "مدارس، مراكز علاج محلات تجارية، وسائل النقل، مراكز ثقافية، مساجد ومصالح أمنية حصرية... وغيرها" بالأحياء الجديدة التي تمت عمليات الترحيل إليها من دون الأخذ في الحسبان توفر هذه المرافق الضرورية بها. وللقضاء على ظاهرة حرب العصابات التي أخذت منعرجا خطيرا في الأحياء الجديدة، اقترح ضيوف ندوة "الشروق" على السلطات العمومية، توزيع السكان المرحلين من الحي الواحد على عدة مواقع استقبال، توفير المرافق العمومية بالأحياء السكنية الجديدة "مدارس، ومراكز العلاج، ووسائل النقل، ومراكز ثقافية، ومساجد وأماكن الترفيه وغيرها، والتي من شأنها التقليل من هذه الظاهرة، من خلال احتواء شباب الأحياء، تمكين سكان الأحياء الجديدة من تشكيل جمعيات ولجان أحياء في إطار قانوني، هذه الجمعيات يجب أن تضم أشخاصا مؤثرين في الحي على غرار الإمام والمثقف والأعيان، إلى جانب تفعيل العمل التحسيسي للمدرسة والمسجد قصد توعية الشباب والأولياء لمكافحة الظاهرة، فضلا عن الاستناد إلى دراسة اجتماعية وديموغرافية من مختصين قبل عمليات الترحيل.
عميد الشرطة لعراس بعزيز من مديرية الشرطة القضائية بالمديرية العامة للأمن الوطني: الشرطة تشدّد الخناق على المجرمين وتحكم قبضتها على عصابات الأحياء عالجت وحدات الأمن الوطني عبر ال48 ولاية 140 ألف جريمة، وهو ما يعادل 388 جريمة يوميا، حسب ما أكده عميد الشرطة لعراس بعزيز من مديرية الشرطة القضائية بالمديرية العامة للأمن الوطني، وقال إن "الأرقام لا تكفي لردع الجريمة وسط المجتمع الجزائري، بل يجب التركيز على تكثيف الجانب التحسيسي للتقليل منها". وأضاف عميد الشرطة لعراس في ندوة "الشروق"، أن حصيلة مصالح الشرطة عبر كامل التراب الوطني تشير إلى أن 40 بالمائة من مجموع الجرائم تتعلق بالمساس بالأشخاص و41 بالمائة بالممتلكات، مؤكدا على أن وحدات الشرطة، تنفيذا لتعليمات المدير العام للأمن الوطني اللواء عبد الغاني هامل، تسعى إلى حل جميع الجرائم في ظرف قياسي، حتى لو تعلق الأمر بجرائم القتل التي تحل في بعض الحالات في أقل من ساعتين عن طريق تحليل البصمات بمخبر الشرطة بشاطنوف، حيث يتم تحديد هوية القاتل بطريقة جد سريعة. كما حذّر ضيف "الشروق" من ارتفاع ظاهرة جنوح الأطفال وتورطهم في أخطر الجرائم، والتي لم تكن تسجلها فئاتهم على غرار القتل العمدي والجرائم الأخلاقية التي وصلت إلى حد هتك العرض والشرف بين فئاتهم إلى جانب السرقات، المخدرات وتخريب أملاك الغير في المدارس والملاعب وجرائم التعدي على الأصول، وقال في هذا السياق"الجرائم المرتكبة من طرف الأطفال تنوعت واتخذت منحى خطيرا وصارت تتفرع إلى أخطر أنواع الجريمة التي لم تكن من ذي قبل مسجلة لدى فئات الأطفال، ما ينذر بالخطر المتربص بهذه الفئة بسبب جنوحهم في قضايا خطيرة، التي من شأنها التأثير على سلوكاتهم وعلى نفسياتهم وربما انغماسهم في دهاليز الإجرام، فالعنف الذي أضحى يميز مجتمعنا من كل جانب يجعل من هؤلاء الأطفال ضحايا لتلك الآفات التي تحوم من حولهم والتي حملوها من المحيط الذي يتنفس عنفا في الملاعب والمدارس وكذا مقاهي الأنترنت ومواقع العنف والفاحشة التي باتت بابا مفتوحا للأطفال الصغار". جرائم القصر في ارتفاع والتركيز على الجانب التحسيسي ضروري ويقول ممثل المديرية العامة للأمن الوطني بخصوص استعمال الانترنت من قبل الأطفال والأخطار المنجرة عنها، إن قضايا المساس بالأشخاص أخذت حيزا كبيرا من القضايا التي عالجتها مصالح الشرطة، حيث تم كشف أغلب المتورطين والذين يكونون عامة من أقارب وأصدقاء الضحية أو من محيط عملها حسب التحقيقات التي أكدت أنها تمكنت من كشف خيوط الجرائم بالتنسيق مع متعاملي الانترنت في الجزائر، مشددا على أن أجهزة الشرطة على المستوى الوطني سجلت عدة قضايا ضد متورطين في التواصل الاجتماعي مع أصحاب المواقع المحرضة، مشيرا إلى أنه تم إطلاقعدة حملات توعوية على مستوى جميع مصالح الأمن الوطني من أجل تحسيس المواطنين بالمخاطر الناتجة عن الاستخدام السيء للانترنت وذلك بتنظيم محاضرات لفائدة الأطفال والأولياء، ينشطها إطارات من الشرطة مع توزيع ملصقات ومطويات تتضمن مجموعة من النصائح والإرشادات حول الاستعمال الأمثل للانترنت.
المختص في علم الاجتماع يوسف حنطابلي: الأحياء الجديدة "ابن غير شرعي" للمدن الجزائرية قال المختص في علم الاجتماع، يوسف حنطابلي، إن ارتفاع الإجرام في الجزائر يعود إلى عدم مسايرة وتسيير المجتمع الجزائري من قبل مؤسسات الدولة، مؤكدا على أن هذا ظهر جليا في الأحياء الجديدة التي أصبحت تعطي لنا صورة واضحة عن تقلب موازين القوى. وأرجع يوسف حنطابلي، أستاذ بجامعة البليدة في ندوة "الشروق" الأسباب الرئيسية لانتشار الإجرام في المجتمع الجزائري، إلى انتقال الجريمة من جريمة عرضية إلى منظمة ثم إلى عادية، موضحا أن المجرم عندما يقوم بفعله الإجرامي مهما كان نوعه، فإنه يشعر بأن ذلك السلوك "عادي جدا" مبررا ذلك بأنه ضحية هذا المجتمع أو الدولة، مشددا على أن الجريمة في الجزائر أصبحت مشكلة خطيرة تهدد أمن الفرد واستقراره خاصة عندما يطغى عليها وتصبح بالنسبة للكثير من أفراد المجتمع الوسيلة الوحيدة والممكنة لكسب العيش، وفي مثل هذا الموقف تصبح الجريمة فعلا مضادا يطال بأضراره الفرد والمجتمع. الأئمة استقالوا من مهمتهم ولم نعد نراهم إلا بين المقصورة والمنبر وحمّل ضيف "الشروق"، السلطات العمومية مسؤولية ما يحدث حاليا في المجتمع الجزائري، نظرا لافتقادها لدراسات أنتروبولوجية معمقة خاصة في الأحياء القديمة، وأكد أن الدولة دائما تستعمل الأرقام خلال تسميتها للأحياء، وقال "إن توسع المدينة يكون دائما بتوسع معناها ورمزيتها المكانية، فالأحياء الجديدة تكون دائما تطورا طبيعيا للمدينة، كما أن هذه الأحياء الجديدة التي تبنى الآن كأنها أطفال غير شرعيين للمدينة". وأضاف الأستاذ حنطابلي، أن موازين القوى داخل الأحياء القديمة تتزعزع بترحيل ساكنيها ما يؤدي إلى فقدان القيم، وعدم وجود القيّم الأخلاقية داخل الأحياء الجديدة يؤدي إلى صراع الجماعات. وفي سياق متصل، فتح الدكتور حنطابلي النار على أئمة المساجد، وقال إنهم غائبون تماما عن المجتمع الجزائري وأصبح عملهم يقتصر فقط على المساجد وخطبة الجمعة، "بل أصبحنا نراهم فقط بين المقصورة والمنبر". وختم محدثنا تدخله بالتأكيد على ضرورة البحث عن كينونة الفرد، بمعنى أن أي شخص ارتكب جريمة مهما كان نوعها ثم أصلح نفسه، يجب أن نعطي له حظوظا في المجتمع من خلال إعادة إدماجه مرة ثانية.
الإمام كمال بعزيز: لا بد من فتح مراكز لتوعية الشباب بأخطار الانحراف دعا الإمام بمسجد الكاليتويس بالجزائر، بعزيز كمال، في ندوة "الشروق"، إلى استحداث مرجعية دينية وطنية يتم الاستماع لها في شتى المسائل والقضايا ليقول: "تحتاج الدولة بكل مؤسساتها إلى مرجعية دينية يتم الرجوع إليها في كل مسائل الدين والدنيا". وتساءل في السياق ذاته عن دور جمعية العلماء المسلمين والمجلس العلمي وكذا مشروع مفتي الجمهورية قائلا: "أين هو مفتي الجمهورية في الجزائر؟" وأضاف: "في مصر وبعض الدول الشقيقة لما يتكلم مفتي الجمهورية الكل ينصت"، ليعتبر بأن الجزائر تحتاج إلى مرجعية دينية وطنية لتلم الشعب الجزائري كله، حيث أكد على أن استفحال الجرائم بكل مستوياتها مرده إلى غياب مرجعية دينية واستقالة الأئمة عن القيام بدورهم المنوط لهم في المجتمع. شدد الإمام بعزيز على دور الإمام في التوجيه والتوعية، مشيرا إلى أن هذا الأخير يجب أن يمارس دوره داخل المجتمع ويحتك بالأفراد لإرشادهم وتوعيتهم وحثهم على سلوك الطريق المستقيم والابتعاد عن طريق الجريمة خاصة بالنسبة لاستهلاك المخدرات وكذا حمل الأسلحة. واعتبر الإمام بأن نقص الوازع الديني وانشغال الأبوين بأمور الدنيا وابتعادهم عن أبنائهم هو سب في استفحال الجريمة. كما أشار في السياق ذاته إلى أن اندثار هيبة الحاكم والتي لطالما حث عليها الرسول الكريم والخلفاء من بعده هو سبب في استفحال الجريمة والعصيان، حيث ضرب مثالا بالاحتجاج وخروج المواطنين إلى الشارع للتخريب وحتى الضرب من أجل السكنات وغيرها من الأشياء. وقال ذات المتحدث بأن أخذ الحضارة من الغرب من دون فهم هو السبب في استفحال الجريمة، ودعا إلى ضرورة فتح مراكز للتوعية والإرشاد لاحتواء المجرمين باعتبارهم ضحايا المجتمع، خاصة بالنسبة إلى الذين يعيشون في أسر مفككة ينعدم فيها التواصل أو هم ضحايا الطلاق، مشددا على ضرورة تكافل كل الجهود من الأسرة إلى الروضة والمدرسة والمسجد.
المحامي إبراهيم بهلولي: "أنسنة" السجون حولتها إلى "فنادق مجانية" وشجعت الجريمة اعتبر بهلولي إبراهيم، المحامي المعتمد لدى المحكمة العليا ومجلس الدولة في ندوة "الشروق" حول تفشي "الجريمة"، بأن أنسنة السجون التي حولتها إلى ما يشبه "فنادق مجانية" وعدم ردعية العقوبة هي من أهم أسباب استفحال الجريمة في المجتمع الجزائري بكل أنواعها وخاصة فيما تعلق بانتشار عصابات الأحياء وحمل الأسلحة البيضاء بكل أنواعها. وشدّد الأستاذ بهلولي على أن انتهاج الدولة لسياسة الحلول الظرفية هو الذي شجع على الجريمة ولم يقض عليها، فيما دعا إلى ضرورة إعادة دراسة شاملة للقوانين الجزائرية، وخاصة المنظومة العقابية متمثلة في قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية بما يتماشى والتحولات الحاصلة في المجتمع والتطورات التي طرأت على الأسرة. وبخصوص التعديلات التي مست مؤخرا قانون العقوبات للحد من ظاهرة الاختطاف المتبوع بجريمة القتل وكذا حماية القصر؟ قال عنها المحامي بأنها تعديلات لم تكن مدروسة بعناية وجاءت لإسكات الشارع في ظرف معين بعدما كثرت الاحتجاجات جراء استفحال جريمة الاختطاف والقتل البشع، ليتساءل في السياق ذاته: "من هم الأشخاص الذين أشرفوا على هذه التعديلات؟" وأضاف: "لسن قوانين لردع الجريمة بكل أنواعها والحد منها يجب استشارة جميع المعنيين من رجال القانون والدين إلى مختصين في علم الاجتماع والأسرة وحتى علم النفس لمعرفة الأسباب الحقيقية للجريمة والطرق الردعية للحد منها"، مشيرا إلى أن التعديلات الأخيرة لم تأخذ بعين الاعتبار البعد الحقيقي للظاهرة. واعتبر المحامي بأن إدخال تعديلات في القانون بإدراج عقوبة لا تطبق، ألا وهي عقوبة الإعدام لن يفيد شيئا، ليقول: "كيف نسن عقوبة لا يمكن تطبيقها كأنني أكتب بيمناي وأمحو بيسراي". ليعتبر بأن الله عز وجل أمر بالقصاص فكيف للبشر أن يحرّموه خاصة إذا تعلق الأمر بجرائم بشعة، ليدق ناقوس الخطر حول استفحال الجريمة والتي لم تعد تقتصر فقط على البالغين بل حتى القصر والنساء وكل طبقات المجتمع من دون استثناء، مع ظهور العصابات في الأحياء وتنوع الجرائم وتعقدها في وقت اندثرت فيه هيبة الدولة والأسرة وعجزت النصوص القانونية عن القيام بدورها. وأشار بهلولي إلى المخاطر التي تواجهها الجزائر على الحدود واستفحال الجريمة المنظمة والعابرة للقارات، فيما فتح النار على سياسية أنسنة السجون في الجزائر والتي جعلت المجرمين يتعودون الإجرام ولا يخافون العقوبة، ليقول: "بحكم ارتباط الجزائر بمجموعة من الاتفاقيات الدولية والمجموعات الحقوقية التي تنادي بأنسنة السجون ومناهضة الإعدام فقد اندمجت الجزائر في هذه الاتفاقيات وطبقت من دون أي تفكير كل ما يأتيها من الغرب من دون مراعاة لخصوصية المجتمع وضوابطه"، ليتساءل المحامي: "هؤلاء الذين يطالبون بأنسنة السجون لماذا لا يطبقون ذلك في بلدانهم، في السجون الأمريكية في العراق، في معتقل غوانتنامو وحتى في ألمانيا.. هل يحترمون هم حقوق الإنسان، أليست كل أساليب التعذيب البشعة والإنسانية تحدث في سجون من يطالبون بالأنسنة وحفظ حقوق الإنسان؟" ليشير إلى أن أنسنة السجون التي تطبق في الجزائر أخذت بعدا سلبيا يتعارض وفكرة العقاب في الجانب الديني، ليؤكد على ضرورة إعادة النظر حتى في معايير العفو الرئاسي ومن يستفيد منه.
المختص النفساني محمد حامق: نتكلم كثيرا عن انحراف الأفراد وننسى انحراف المجتمع أشار أستاذ علم النفس بجامعة بوزريعة، محمد حامق، إلى أنه لا يمكن معرفة أسباب استفحال الجريمة في المجتمع الجزائري من دون تشخيص أساس الداء، عن طريق فهم المجرم ونفسيته، وما هو الدافع لارتكابه الجريمة مهما كانت، ليعتبر بأن ارتفاع معدلات الجريمة في الجزائر مؤخرا هو أمر واضح للعيان لكن الأسباب الحقيقية كلها تكمن في فهم شخصية المجرم إن كان مجرما بالفطرة أم بالصدفة أم هي حالة مرضية. وقال الأستاذ حامق بأن المشكل في الجزائر هو أننا نوجه أصابع الاتهام إلى المجرم ونلصق به صفة المجرم من دون البحث عن الأسباب أو محاولة فهمه، حيث أكد بأنه بحكم احتكاكه مع المتهمين في السجون اكتشف أن العديد منهم يعاني من مشكلة عدم الفهم ولا يجد أي شخص يوجهه أو ينصحه، ليقول: المجتمع هو سبب الإجرام، مشيرا إلى أن الحلول الظرفية المفبركة هي التي تؤسس للجريمة، وأن انعدام هندسة حقيقية للمجتمع ودراسة التجمعات السكنية هي التي ساهمت في ظهور عصابات الأحياء. وبلغة الأرقام أشار أستاذ علم النفس إلى وجود مليون مريض بانفصام الشخصية في الجزائر، وهي الأرقام التي تكشف عن مدى مرض المجتمع الجزائري، ومدى استسهال الجريمة في المجتمع وهو ما يفسر الأسباب التافهة التي يرتكب لأجلها المجرمون جرائمهم. يجب دراسة نفسية المجرم للوقوف على أسباب الجريمة واعتبر بأن المجرم هو شخص يريد تحقيق ذاته التي ضاعت وسط أسرته ومجتمعه، فالمجرم هو شخص لم يجد نفسه وذاته لدى لدولة ولا في المجتمع، حيث إن حرمانه من العمل ومن الزواج ومن السكن كلها أسباب تجعله يشعر بانتقاص فتتكون لديه آليات دفاعية لتحقيق كينونته المفتقدة. وفي السياق ذاته، وجه الأستاذ حامق نداء إلى وزارة الشباب المستحدثة حديثا حتى تعنى بملف الشباب خاصة أن الإحصائيات الأخيرة أثبتت أن الجريمة مركزة في مرحلة الشباب، ليعتبر بأنه يجب أن تعنى الوزارة بملفات الشباب عن طريق إدراج كل الهيئات المختصة وإعداد مرجعية متكاملة لحياة مختلفة الأبعاد لا تقتصر فقط على الحفلات الموسيقية وكرة القدم لأن مشاكل الشباب- حسبه- وحلولها أكبر من قاعة حفلات وملعب كرة قدم.