قمّة الانحدار ما يحدث في ثانوياتنا، هذه الأيّام، بإقدام بعض التّلاميذ بأعمال حرق وتخريب وإنهاء الموسم الدراسي بمؤسساتهم التربوية بطريقة هستيرية تُستخدم فيها الشّماريخ وتردد فيها الشّعارات المتطرفة والكلام البذيء. سنوات خلت، كانت الأيام الأخيرة في الموسم الدّراسي أسعد الأيّام في حياة التلاميذ، وكانت ترتبط بطقوس واحتفالات خاصّة. فمن منّا لا يذكر ذلك الدّفتر الذي يخصّصه التّلاميذ للذّكريات، يبوحون فيه بمشاعر الصّداقة بينهم، ويسجّلون فيه بكلمات من ذهب الذّكريات المشتركة خلال الموسم الدراسي. مرّت السّنوات وتغيرت الأحوال من السّيئ إلى الأسوإ. وأصبح حرق الكراريس في نهاية الموسم الدراسي مشهدا مألوفا في ثانوياتنا ومدارسنا، دون أدنى تدخل من المسؤولين لتحليل هذه الظاهرة والعمل على محاصرتها. ولم ننتظر مطولا لتتطور الأمور إلى أعمال شغب وتخريب ومشاجرات بالأسلحة البيضاء. وهو ما حدث أمس بوهران عندما قتل تلميذ زميله بطعنة خنجر!! كما صنع تلاميذ عدة ثانويات عبر الوطن مشاهد كارثية وهم يخربون مؤسساتهم التعليمية بتكسير الطاولات والنوافذ وحرق المعدات، بطريقة لا تفسير لها إلا فشل المنظومة التربوية في مهمتها الرئيسة، وهي التربية والتعليم. وإلا ما معنى أن يقوم أشباه التلاميذ بهذا التصرف الإجرامي؟ على القائمين على هذه المؤسسات التربوية ومصالح الأمن أن يسارعوا إلى تحديد المسؤولين عن أعمال التّخريب، ومعاقبتهم، مهما كان عددهم كبيرا، لأن غياب الرّدع هو الذي أدى إلى ما نحن فيه من إهمال وتسيب وإهدار للمال العام. ولا يمكن بحال إحالة مسؤولية ما حدث إلى مجهولين، كما يتردد هنا وهناك، لأن ذلك بمثابة هروب من المسؤولية، وتمييع لمبدإ المحاسبة، وتشجيع لمثل هذه السّلوكات التي أصبحت خطرا على الدولة ككل. ما يفعله التّلاميذ هو رسالة واضحة إلى الكبار، بأنّهم فهموا الدرس جيدا، وفهموا قيمة الجهل في المجتمع وهم يرون العلم رديفا للفقر والفشل في الحياة بينما يرتبط النّجاح بالجهل، وذلك ناتج عن انهيار سلم القيم في المجتمع بحيث يسود الجهلة والمحتالون ويتصدرون المجالس فيما ينكفئ ذوو الكفاءة والدّرجات العلمية.
على الوزيرة بن غبريط أن تضع حدا لهذا الانحدار المتواصل، وأول خطوة هي رد الاعتبار للأستاذ والمعلم حتى يكون قدوة لتلاميذه لا مثالا للفشل في الحياة.