"داعش" ليبيا أو "أنصار الشريعة"، ربما كان هنالك فرقٌ أو اختلاف في الخط والطريقة فيما سبق بين التنظيمين، لكن منذ أشهر قليلة فقط لاحظنا خلال تواجدنا داخل منطقة الشرق التنسيق المحكم بين الجهتين، إذ كانت لي لقاءات خاصة مع أمراء من التنظيمين تم القبض عليهم داخل المنطقة الشرقية خاصة منها درنة، حيث أكد هؤلاء تقديمهم الولاء لتنظيم "داعش" الذي يعتبر منطقة سرت، مسقط الرئيس الراحل معمر القذافي، معقلا رئيسيا له، أخبرني أحد الأمراء أن لديهم أعدادا كبيرة من المقاتلين، والتنظيم يتلقى انضماما متزايدا يوما بعد يوم وإن لم يكن من جنسيات ليبية، فإنها كثيرا ما تكون من جنسيات مختلفة أوّلها الجزائرية والتونسية والسورية والمصرية والسودانية. وقد أخبرني معظم الأمراء أن الجزائريين هم العنصر الأول أو ما يعرف بالرقم الأول في التنظيم حيث أن معظم المناطق تقع تحت إمرة أو سيطرة أمراء جزائريين تدرّبوا في سوريا والعراق وعاشوا الحربين معاً ولهم علاقات وطيدة مع تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين" الذي تحول إلى "داعش" فيما بعد.
تمدّدٌ داعشي في الشرق الليبي دخولنا إلى منطقة الشرق يُعتبر عملا انتحاريا، لكون تلك الجماعات انتشرت بشكل رهيب داخل كل المناطق منها الابرق والبيضاء وبنغازي أكثر المناطق سخونة وخطرا، حذرتني بعض الأجهزة الأمنية من مغادرة المكان الذي استقريت به، بل وأكثر من ذلك أخبرني أحد العقداء أن تنظيم "داعش" وضعني في قائمة المطلوبين لما قدّمته من مادة إعلامية من داخل ليبيا، ولا ننسى هنا أن أغلبية الطبقة المثقفة في ليبيا غادرتها إلى دول الجوار بعد أن أصبح هؤلاء أول المستهدفين من قبل التنظيم. ولكون العمل الإعلامي كثيرا ما يكون مقامرة ومراهنة، فقد راهنتُ ودخلت إلى أكثر المناطق سخونة حيث يفرّ الطير قبل الإنس، وهنا أقصد جبهات "عير مارة" الساخنة، المنطقة التي تقع مباشر مع درنة معقل "أنصار الشريعة" الذين بايعوا "داعش" ليبيا، عين مارة تعتبر المنطقة التي حُررت منذ ما يقارب الشهرين فقط بعد أن كانت تحت سيطرة التنظيم الإرهابي، شعرت وأنا أدخلها أنها لا تزال تحمل بين جيوبها خلايا نائمة قد تكيد للداخل وتمنعه من الخروج. ورغم أننا وقفنا مع "جيش الكرامة" التابع للفريق أول خليفة حفتر والذي جهّز ترسانة كبيرة على مشارف المدينة، إلا أن خطوة الانطلاق والدخول كانت تُؤجل يوما بعد يوم؛ فالبعض يقول خوفا على المدنيين الذين حوّلهم تنظيم "أنصار الشريعة" إلى دروع بشرية، والبعض الآخر يقول بسبب نقص الذخائر والانشقاق المسجّل داخل "جيش الكرامة"، ولا ننسى هنا الحديث عن الأسلحة الكبيرة والثقيلة المتطوّرة التي يملكها التنظيم، والواضح من خلال استعراضاته العسكرية الكبيرة التي قام بها علنا داخل منطقة درنة، وحسب أحد العقداء من الجيش المكلف بملف درنة، فإن نفس التنظيم استفاد من تلك القوة عن طريق إمدادات خارجية تأتيه من السودان التي تدرِّب أغلب مقاتلي "أنصار الشريعة"، وأيضا تركيا وقطر وأمريكا وغيرها، ولا تستغربوا إن قلت لكم أنني وأنا أتجول داخل منطقة الشرق لا أسمع في السيارة سوى إذاعات "أنصار الشريعة"، نعم فقد سيطر هذا التنظيم على كل المقرّات الرسمية والإذاعات التي أصبح يطلق من خلالها بطولاته وسيطرته على أغلب المناطق الشرقية، رغم الضربات القوية التي يوجهها الجيش إليه.
"الشروق" تدخل أكبر سجون الدواعش في ليبيا الحديث عن هذا الملف الحساس جعلنا نقصد أكبر السجون الليبية التي تحمل داخل أسوارها اخطر أمراء "أنصار الشريعة" و"داعش"، أخبرني مصدري أن الأمر خطيرٌ للغاية وأن عليّ التفكير جليا قبل محاولة الدخول، غير أنني تمسكت بطلبي وقصدت سجن شهداء بوابة برسس التابع لقوات المهام الخاصة لجهاز مكافحة الإرهاب، وما إن وصلت إلى بوابة السجن رفقة مرافقنا حتى خرج الجنود يضربون على مقدّمة السيارة طالبين من السائق إخراجي فورا لكون السجن يتعرض لتمرّد داخلي من الدواعش، طلبت من مرافقي عدم المغادرة مصرّة على الدخول والتصوير، انتظرنا حتى هدأت الأوضاع ودخلنا إلى أكبر أوكار الأمراء.
أمراء: "كلكم طواغيت" معظم القضايا المسجلة بالأدلة والبراهين والاعترافات تعتبر خطيرة للغاية، كيف لا وحتى الخلايا التي خططت لضرب السفارات والتمثيليات الدبلوماسية موجودة هناك، أمراء خططوا ورتبوا لضرب استقرار ليبيا وأمنها، وآخرون مكلفون بقتل أي أجنبي، تفكيرُهم متشدد وهدفهم إقامة إمارة إسلامية وتكفير أي جهة رسمية داخل ليبيا، فلا تقل لهم إن هناك جيشاً أو شرطة، بالنسبة لهم هؤلاء مجرد "طواغيت"، بل لم يتردد أحدهم عندما سألته: ألم تندم على ذبح 100 شخص ليجيبني: "أنتِ طاغوت وكلكم طواغيت....؟". يروي لنا يوسف حبارة، الذي لم يتجاوز عمره 29 سنة، وهو عنصرٌ فعال في تنظيم "أنصار الشريعة"، تفاصيل تهمته المتمثلة في ذبح 37 عسكرياً وتصفية 48 شخصاً آخر (المجموع 83 قضية)، يقول: "بدأت العمل في بداية عام 2013، كانت بدايتها عن طريق بعض الإخوة الذين كانوا يحاولون القيام معي بغسيل دماغ حول التطرف الديني والفكر الداعشي، ولم يتوقف ذلك خاصة عندما توقفت عن العمل، حيث ازداد مجيئهم إليّ حتى انخرطت معهم، وبدأ عملي عن طريق نقاط التفتيش حتى نهاية عام 2014"، وهنا سألته: كيف طلب منه تنفيذ هذه العمليات؟ ليجيب أنه كان تحت إمرة أمير يقال له عضية رجب الجزائري ومعه شخص آخر يدعى محمد فتوري وآخر اسمه حميد النعاس "هذا الأخير كان جاراً لي"، أما عن عدد العمليات التي قام بها فيقول المتهم أنها 37 قضية ذبح و17 قضية تصفية بالرصاص في الرأس و13 قضية إسناد في عمليات الذبح، وباقي القضايا خطف وإمساك أفراد الجيش "إجمالي القضايا المسجلة ضدي 83 قضية وقد اعترفتُ بها جميعا"، استغربتُ لكونه يتحدث عن أعمال الذبح والقتل بطريقة عادية فسألته إن كانت تحت تأثير أي نوع من الحبوب المخدِّرة؟ فأجاب "لا.. لقد كانت عن قناعة وفكر". وعن الجنسيات الأخرى التي كانت معه، يقول يوسف "في الكتيبة التي كنت فيها لم تكن هنالك جنسياتٌ أخرى سوى الليبية، ربما كان عن قصد، لكن معظم الجنسيات التي كانت تقودنا وكنا نسمع عنها كانت من الجزائر وتونس وغيرها"، ليضيف أن عمليات الذبح التي كان يقوم بها كانت فردية "بعد أن يأمرنا الأمير بذلك، وكانت هنالك مجموعة خاصة بعمليات الذبح، كنا نذهب بسيارتين والسيارة الثانية تكون القوة المسانِدة لنا، أما نحن فمهمّتنا القيام بعملية الذبح أو عمليات التصفية عن طريق المسدسات في الرأس وغيرها، وهذا بعد أن نتربص بالجنود ونمسك بهم في العديد من النقاط، وهناك العديد من العساكر الذين نمسك بهم ولا نعرف مصيرهم بعدها، يعني يُحوّلون إلى جهات معينة في القيادة".
غسل أدمغة الشباب عبد الرب الشريف السعيدي من مواليد 1993، تهمته التصفية رغم أنه خريج معهد الهندسة المعمارية وطالب في كلية القانون. أخبرنا المتهم أنه يتلقى الأوامر من قبل أحمد نوح الفاخري "كانت أول مهمة لي هي قتل العقيد مفتاح العرافي، وهو من سكان منطقة الليثي طريق النهر، وضعت له لاصقة متفجرات في سيارته وتم تفجيرها عن بُعد عن طريق شخص يدعى مصطفى الترهوني، أما العملية الثانية فكانت ضد شخص يقال له كمال الفار، قمنا معه بنفس العملية أيضا، أما العملية الثالثة فكانت ضد الضحية محمد صالح الورفلي، والرابعة كانت ضد فرج الخفيفي وهو عريف في الشرطة، مهمتي كانت وضع العبوّات اللاصقة تحت سيارات المجني عليهم". وردا على سؤالي حول التدريبات التي تلقاها المتهم؟ أجابني أن مهمة العبوات الناسفة عبارة عن مغناطيس لا يحتاج إلى أكثر من إلصاقها تحت السيارة، وعن انضمامه إلى "داعش" يقول مبرِّرا جرائمه: "لقد كان ذلك في سنة 2013 عن طريق أصحاب وجيران، ودرسنا منهجا دينيا، والحمد لله لكوني محبا لهذا الدين وحاولت نصرة دين الله وكان هذا هو السبيل الوحيد.. نحن نريد تحكيم شرع الله فوق هذه الأرض، وهؤلاء هم من يمانعون تحكيم شرع الله عز وجل، لهذا كنا نقوم بتصفيتهم؟!"، أما المناطق التي أوكلت لعبد الرب التصفية داخلها فقد كانت كلها داخل المنطقة الشرقية وبالتحديد مناطق الحدائق والنهر وبوديمة "ما قمت به عن قناعة وعن فكر ومنهج درسنا عليه!".
أمراء يعتدون جنسيا على المجندين المسعود عبد العظيم الشافعي، شاب في ال19 من عمره، تهمته تزوير جواز سفر والمساهمة في 90 عملية تصفية. يقول المتهم إن دوره كان التصفية والتحري والمساندة في نفس الوقت "لقد كانت أول مهمة لي هي ضد العقيد فرج الديسكو الذي قمت بتصفيته أمام منزله، أما الأوامر فكنت أتلقاها من طرف فرج برص وعلي العظمة وعن طريق أيضا أمير يقال له محمود البرعصي، أما باقي العمليات فقد قمت أيضا بتصفية الشيخ السلفي عبد السلام ضيف الله الحاسي في منطقة حي السلام، كانت العملية أثناء خطبة يوم الجمعة، أنا وضعتُ اللاصقة بعد أن صليت معه داخل المسجد، أما من نفذ التفجير فقد كان محمد الدالي". استغربت صغر سن المسعود الذي لم يتجاوز ال19 سنة فسألته: كيف وصل إلى هذا الأمر؟ وهنا صدمني جوابه فعلا "لقد كنت أنا وباقي المجندين الصغار نقوم بذلك تحت إما التهديد بالسلاح أو ما يسمى لديهم "جهاد نكاح الرجال؟!"، هم لديهم "عقيدة" بهذا الأمر، يمارسون ضدنا الشذوذ ويرون أنه "مباحٌ" بالنسبة إليهم، لقد تم استدراجي إلى أحد المساجد في المنطقة الشرقية عصراً، وطُلب مني أن أقصد ذلك المسجد أنا والعديد من الشباب في مثل سني لقراءة القرآن، لكنني فوجئت عندما دخلت أن للإمام داخل المسجد "خلوة" خاصة به يمارس فيها الفعل المخل بالحياء الشذوذ الجنسي، هو والعديد من الأمراء ضد شاب صغير في السن، لقد قام الإمام بالاعتداء عليّ جنسيا داخل تلك الخلوة ولم أكن الوحيد الموجود، فيما كان بعض الأشخاص يقومون بتصويرنا، وبعد أن تمت العملية أخبرونا أننا بتنا تابعين لهم في "جهاد النكاح؟" وأن نقوم بما نُؤمر به، وإلا فإنهم سينشرون ما قمنا به على الانترنت، طبعا نحن خوفاً من الفضيحة بقينا معهم وكنت أقوم بعمليات التصفية عن طريق وضع اللواصق أو الرماية بالرصاص، إلى حين الإمساك بي". سألت المتهم عن كيفية حمايته من قبل تلك الجماعات، فكان رده كاشفا عن تآمر العديد من الدول وتورطها في مستنقع الحرب الليبية "لقد كانوا يأخذون منا جوازات سفرنا ومن ليس له جواز، يصدرون له جواز سفر ويتركونه معهم، أما الهدف فهو ختم جوازات سفرنا عند كل عملية نقوم بها فمثلا عند قيامي بعملية قتل الإمام عبد السلام أخذ الأمير محمد الدالي جوازي وختمه لي في نفس اليوم ختم خروج، أما الدولة فكانت تركيا يعني يأخذون الجوازات إلى تركيا ويختمونها ثم يعيدون لنا الجوازات حتى لا نخاف، بالنسبة لي ختموا لي الجواز على أساس أنني بقيت 20 يوماً في تركيا، وهي نفس المدة التي كنت فيها هنا أقوم بعمليات التصفية، ولست الوحيد، كل الشبان المجندين للقيام بعمليات الاغتيال يقومون معهم بنفس الأمر من باب الحماية". وعما إذا كانت تركيا الدولة الوحيدة المتورطة في الموضوع رد الصبي "بالنسبة للشبان الذين أعرفهم كانت جوازاتهم كلها بختم تركي، أما البقية لا أدري" للإشارة تحصلت الشروق على نسخة جواز سفر المتهم، وهي تحمل ختم مطار تركيا في وقت تواجده لتنفيذ المهمات داخل ليبيا. يُتبع