يجتمع الجزائريون في كل شيء، في الدين وفي اللغة وفي التقاليد وأيضا في البؤس الاجتماعي المادي والمعنوي ومع ذلك لاشيء يوحدهم مثل مباريات كرة القدم. * ولا نقول الرياضة، فهم لايبتهجون بالميداليات الأولمبية وبالأرقام القياسية العالمية في أم الرياضات، ويعلنون الأفراح والليالي الملاح لمجرد تحقيق أي نصر كروي حتى ولو كان بضربة حظ أو برائحة البزنسة.. وتعجز الدولة ورجال المال عن الاستثمار السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي والرياضي والحضاري في هاته اللعبة التي تكاد تكون الوسيلة الوحيدة التي تدفع الجزائريين لرفع العلم الجزائري والاحتفاء به في الشوارع والأزقة وخارج الوطن، وتدفعهم للاستماع كرجل واحد للنشيد الوطني حتى يخيل إليك أنهم لم يصغوا من قبل إلى قسمه بالنازلات الماحقات ولم يقرأوا قسمه بالدماء الزاكيات الطاهرات، ولم يشعروا بالبنود اللامعات الخافقات، ولم يشاهدوا من قبل الجبال الشامخات الشاهقات، فثاروا من أجل حياة كروية أو ممات! وعقدوا العزم لأن تحيا الجزائر. * المشاهد التي عشناها بعد فوز منتخبنا ضد السنغال أكدت أننا في حاجة إلى نصر نسكن به الآلام التي تعتصرنا حتى ولو كان هذا النصر ضد أحفاد "كونتا كينتي"، وكان بالوجه الشاحب الذي لا يجعل أكثر الناس تفاؤلا يحلم بسفرية جنوب افريقيا، لكنه سيروم كروي ومخدر أنسانا واقعنا المتخلق في جميع الميادين ومنها الرياضة وجعلنا نعيش في الخيال حيث لا شيء يشبه الأشياء ولا أحد يدرك أننا نطمع في البلح ونحن لم نزرع النخيل. * كلنا نحلم بالتأهل للمونديال ونحن نعجز بخزينة مكتنزة بمائة وخمسين مليار دولار عن زرع ملعب واحد ولو في العاصمة بالعشب الطبيعي كبقية خلق الله.. كلنا نحلم بالتأهل للمونديال ومباريات الكرة عندنا صارت ممنوعة على من تقل أعمارهم عن العشرين وعلى من تقل أوزانهم عن النصف قنطار، وملاعبنا ساحات وغى قد تشل نهاياتها المدن لعدة أيام وتوقف العمل والدراسة.. * كلنا نحلم بالتأهل للمونديال وفرق تصعد بالمحاباة وأخرى تنزل بالحقرة وانتصارات تصنع بالحقائب وهزائم تُمنى بقرارات جائرة من الحكام، والفيفا تمنحنا بين الحين والآخر بطاقات صفراء وحمراء.. وكلنا نحلم بالتأهل للمونديال وأرباب الكرة عندنا تجار شنطة وبارونات، ولاعبونا قطيع من الأقدام تبيع نفسها بالأموال السوداء. * كلنا نحلم بالتأهل للمونديال وبعض مناصرينا أشبه بالمحاربين الذين يزرعون العصبية وكأنهم يعيشون في القرون الوسطى، هل نمتلك مسؤولين رياضيين ورؤساء أندية ومدربين ولاعبين وأنصار وإعلاميين رياضيين حتى نحلم بالمونديال؟ هل كان انتصارنا على السينغال سيروما؟.. لانعتقد أن هناك من له إجابة مخالفة للمنطق. *