أقحمت الجزائريات الكرة المستديرة في حياتهن رغما عن أنف الرجال، فأصبحت جزء لا يتجزأ من يومياتهن ومن نقاشاتهن، إلى درجة يحسب الواحد منا أنهن محللات رياضيات تبدين آرائهن واقتراحاتهن في طريقة اللعب ونوعية التدريبات وكذا التعيينات التي يجريها الناخب الوطني رابح سعدان. فمنهن من تنتقدن إقصائه اللاعب فلان من المشاركة أو وضعه فلان على قائمة الاحتياط، أو رفضه مشاركة لاعب آخر وانضمامه إلى الخضر، مستندات في ذلك إلى آراء سمعنها على هذه القناة أو تلك أو قرأنها في صفحات إحدى الجرائد المتخصصة في الرياضة، أو سمعن زملائهن في العمل أو الدراسة يرددونها. وتعدى الوضع ذلك لدى بعضهن بالكثير، إذ استبدلن مشاهدة القنوات التلفزيونية الخاصة بالدراما أو الأكشن بمتابعة القنوات الرياضية لتتربصن فرصة عرض أخبار مونديال جنوب إفريقيا والفريق الوطني الذي يعد سفير العرب في هذا العرس الكروي. وبين هذا وذاك، ستتوجه من سمحت لها أوضاعها الاقتصادية، إلى جنوب إفريقيا لمساندة محاربي الصحراء، ومناصرتهم من مدرجات الملعب لا من وراء الشاشة وحسب، كما هو حال بقية الجزائريين والجزائريات المعلقة قلوبهم الآن في بلاد العم مانديلا، كما تعلقت قبل ذلك بكرانس مونتانا ونورمبرغ، فلا قيود الدين أو أحكام التقاليد ردعت الجزائريات لكسر الطابوهات، بعدما أتاح لهن مونديال 2010 الفرصة للترويح عن النفس والهروب من المشاكل اليومية، مثلما عبرن عنه بخروجهن إلى الشارع طيلة أسابيع بعد أحداث القاهرة ومقابلة أم درمان، كاسرات كل القيود. غيرت أحداث الاعتداء على حافلة الفريق الوطني لكرة القدم بالقاهرة وأجواء مقابلة أم درمان حال الشعب الجزائري إلى درجة تحول معها كل ما كان محظورا فيها إلى مباح، بداية من خروجه إلى الشارع للاحتفال بالنتائج الإيجابية المحققة في أجواء فاقت أجواء احتفالات يوم الاستقلال، وإلى غاية كسر أسوار التقاليد، باقتحام النساء شوارع الوطن حتى في المناطق الريفية، للتعبير عن فرحتهن وفخرهن واعتزازهن بإنجازات أبناء بلدهن. واستمرت الأوضاع على حالها لعدة أسابيع هدأت بعدها قليلا لتعود حمى المناصرات والتشجيعات إلى الواجهة من جديد مع انطلاق العد التنازلي لبداية مقابلات كأس العالم .2010 القنوات الرياضية والجرائد المتخصصة قبلتهن الجديدة استبدلت الكثير من النساء الجزائريات على اختلاف أعماهم ومستوياتهن الاجتماعية، مشاهدة قنوات الدراما والموضة والفن والأكشن، بمتابعة شتى القنوات الفضائية الرياضية خاصة العربية، والحصص الخاصة التي يعدها التلفزيون الجزائري بقنواته الفضائية الأربعة وقناته الأرضية، مواكبة للأحداث، ومقاطعة منهن لكل ما هو مرتبط بالمصريين من أفلام وأغنية وفيديو كليب. وتحول الصراع الذي كان قائما بين العديد من الأزواج أو الإخوة والأخوات حول مشاهدة التلفزيون، فكل طرف يبحث عن احتكار الجهاز لمتابعة برامجه المفضلة فكما جرت العادة وتعود عليه المجتمع الجزائري، ينتصر الرجل في الأخير ليستمتع بمتابعة مقابلات كرة القدم والحصص الرياضية. وحل محل ذلك الصراع جو جديد من الألفة والتفاهم إذ يجتمع الزوجان أو أفراد العائلة الواحدة أمام الشاشة لمشاهدة مقابلة كرة قدم، ولم يقتصر الوضع على مقابلات الفريق الوطني التي صنعت الحدث وإنما حتى المباريات المحلية وكأس الجمهورية والبطولة الوطنية أيضا. فيجد أفراد العائلة في مثل هذه الأوقات فرصا لتقاسم الاهتمامات تكون متبوعة بعد نهاية المباريات بموائد مستديرة لمناقشة نوعية اللعب وفنياته وغيرها من الأمور التي كانت حكرا على الرجال وحسب في مجتمع ذكوري. وتوجهت النساء في الآونة الأخيرة من مطالعة المجلات الخاصة بعالم المرأة والجمال والأسبوعيات والصحف الصفراء، إلى اقتناء الجرائد والعناوين المتخصصة في الرياضة، إذ تعرض هذه الأخيرة حوارات مطولة مع أبطال الكرة المستديرة الجزائرية، وكواليس الحصص التدريبية، وأسرار عن حياتهم الخاصة ومشاريعهم المستقبلية وتنقلاتهم وتحركاتهم بين الأندية والفرق الأوربية. أما المراهقات فتتعمدن اقتناء الأسبوعيات واليوميات الرياضية من أجل الحصول على صور حديثة للاعبين المفضلين لديهن، أثناء الحصص التدريبية وكواليسها أيضا. فمنهم من جمعت إلى حد الآن ومنذ انطلاق التصفيات للتأهل إلى المونديال ألبوما كاملا للمنتخب الوطني مرتب ترتيبا كرونولوجيا حسب تطور الأحداث كما هو حال الآنسة أمال، طالبة بجماعة دالي إبراهيم التي تفتخر بألبومها الذي جمعته وبالملفات الإلكترونية التي تحفظها في ذاكرة حاسوبها الخاص، وقالت بكل اعتزاز في لقاء لها ب ''الحوار'' ، '' لو كان باستطاعتي التقاط صور لثعالب الصحراء بنفسي لكنت أسعد فتاة، فلقد تنقلت لمشاهدتهم يوم الاستقبال الخاص الذي خصهم به رئيس الجمهورية، لكنني فشلت في التقاط صورهم، ولو سنحت لي فرصة أخرى سأبذل قصارى جهدي للحصول عليها، فمع كل الصور التي جمعتها لهم، لا زال الحصول على صورة من صنع يدي يحز في نفسي''. وواصلت هذه الشابة حديثها معنا مضيفة، ''أخصص يوميا ساعة من وقت فراغي للإطلاع على أخبار اللاعبين عبر الإنترنت، ومناقشة احتمالات النتائج التي يمكن تحقيقها في المونديال عبر مواقع الدردشة''. تفوقن على دراجي في التحليل تحولت العديد من الجزائريات خلال مرحلة التصفيات للتأهل إلى المونديال، إلى محللات رياضيات، واستمر بهن الوضع إلى بقية المباريات الأخرى الخاصة بالفرق المحلية في جولات تصفيات كأس الجمهورية والبطولة الوطنية، وغيرها من الأحداث الهامة الأخرى، التي لا تفوتن فرصة مناقشتها في تجمعاتهن. وتحاول كل واحدة منهن إبراز قدراتها في التحليل وإطلاعها على قواعد اللعب وفنياته، فتعمل شتى الطرق لتقنع زميلاتها وصديقتها بصحة نظريتها، وتستدل في ذلك بتعاليق وتحاليل وأقوال وشهادات خبراء رياضيين من المستوى الرفيع، كانت قد أمضت وقتا في متابعة تحيليهم للمقابلة. والأدهى من ذلك، أنه وبدل أن تنشب شجارات بين الأزواج أو أفراد العائلة الواحدة، حول احتكار الرجال لجهاز التلفزيون من اجل مشاهدة المقابلات الكروي، كما كان عليه الحال في السابق, أصبح هؤلاء الرجال يشتكون تعليق زوجاتهم أو بناتهم أو أخواتهم في نفس الوقت مع المعلق الرياضي، وتبدأن في إطلاق الأوصاف وحتى الشتائم على اللاعبين إذا ما أقدموا على خطوات تهدد شباك فريقهم وتفتح آفاق التسجيل للخصم، أو على الحكم في حال ما قدم إنذارا للفريق الذي تناصرنه وخاصة إذا ما كان المنتخب الوطني ، مثلما حدث في آخر مقابلة جمعت بين مصر وثعالب الصحراء والتي حكمها كوفي كوجيا. إذ أمطرته الجزائريات بشتى الأوصاف القبيحة والدعوات السيئة لمعاملته السيئة لأشبال سعدان. النساء أكثر الضحايا خلال التشجيع والاحتفالات من الرجال من انزعج لانغماس النساء في أجواء المناصرة الرياضية، معتبرا إياها خرقا للتقاليد والأعراف، خاصة وأن الوضع تعدى التشجيع من خلف الشاشة، وهذا بتنقل العديد من الجزائريات سواء بمفردهن أو رفقة أحد الأقارب لمشاهدة المباريات التي لعبها منتخبنا الوطني في كل من القاهرةوأم درمان، وخروج ممن لم تسنح لهن فرصة السفر، إلى الشارع، متعديات على التقاليد. ومنهم من حاول تبرير ذلك وإيجاد تفسير منطقي له، لكن تبقى الفئة العظمى رافضة لتصرفات بعض النساء والفتيات اللواتي تجاوزن حدود المناصرة والتشجيع بكثير، ووجدن في تلك الأجواء الحماسية التي تتبع فوز المنتخب الوطني في مبارياته، فرصة لتحقيق أهداف أخرى. فريد أحد الشباب الذي يبقى متمسكا برأيه في أفضلية عدم خروج المرأة إلى الشارع للاحتفال، قائلا في لقاءه ب''الحوار'' أنه لم يمر يوم من تلك الأيام السعيدة التي عاشها الجزائريين لدى تأهل المنتخب الوطني للمونديال، ولم يكن فيه شاهدا على واقعة تكون ضحيتها إحدى الشابات. كحوادث السرقة أو المعاكسات الماجنة والتحرشات الجنسية، وحتى حوادث المرور، خاصة بالنسبة للواتي تتمادين وتركبن الدراجات النارية خلف السائق ولا تتمسكن جيدا. كما تتعرضن لحوادث مرور حتى وإن كن راجلات، ولعل أكبر حادث أثر في وبقي راسخا في ذاكرتي، أضاف فريد، ذلك الذي وقعت ضحيته شابة لم تتجاوز ال 35 في ساحة أول ماي بعدما سقطت أرضا في تدافع المناصرين الذين تجمهروا من مختلف أنحاء العاصمة هناك، لاستقبال أبطال المنتخب الوطني، والأليم أنها كانت ضحية الحافلة التي كانت تقل اللاعبين، ولفظت أنفاسها لحظة تعرضها للحادث. حديثهن اليومي.. سير اللاعبين بدل سير الناس على قدر تحرج البعض وانزعاجهم من خوض النساء في الأحاديث الرياضية التي كانت حكرا على الرجال، على قدر استحسان البعض الآخر للظاهرة التي وجدوا أنها إيجابية، وتمكنت من خلالها العديد من الفتيات والنساء من التخلص من عادة جعل من سير الناس موضع حديثهن اليومي. وأصبحت اليوم الفتيات والنساء تتكلمن بنفس طريقة تكلم الرجال لدى التقائهن في الأماكن العمومية والأسواق ووسائل النقل، وأماكن العمل وحتى في الأفراح والأعراس. ففي الآونة الأخيرة مثلا أين يتواجد الفريق الوطني في معسكره التدريبي بسويسرا، تتبع النساء أخبار التدريبات كواليسها عبر مختلف وسائل الإعلام، وتجعلن منها فيما بعد مادة نقاش، تبعدهن عن التحدث في أعراض الناس وهمومهم ومشاكلهم. وتحولت الكثيرات منهن إلى باحثات في سير والحياة الشخصية للاعبين خاصة إذا ما كان اللاعب قد انضم حديثا للمنتخب أو انتشرت إشاعة انضمامه في القريب. ويعلق البعض على هذه الظاهرة معتبرين إياها ظاهرة إيجابية، فحتى وإن لم تتمكن من كف النساء عن الثرثرة، فإنها استطاعت إبعادهن عن هتك أعراض الناس وأذيتهم بألسنتهن. شابات تقدمن وأخريات تؤخرن العرس إلى ما بعد المونديال أظرف وأطرف ما سمعناه من حكايات الجزائريات والمونديال، هو ربط بعضهن مواعيد أعراسهن بهذا العرس الكروي الكبير. فهناك من قدمت موعد العرس حتى لا يتزامن مع يوم 13 جوان أو 18 جوان ومنهن من قامت بتأخيره قليلا، حرصا على أن تلقى دعوتها لحضور الحفل ترحيب الأهل والأحباب. فلا يمكن لأحد أن يفوت على نفسه فرصة مشاهدة مقابلات الخضر في المونديال، وعليه لن يجازف بالتنقل بعيدا عن منزله ذلك اليوم إن لم نقل بعيدا عن جهاز التلفاز، خاصة وأن الجميع في أتم التحضيرات ويتسارعون لاقتناء بطاقة المشاهدة أو تحيين جهاز التحويل والتحكم في القنوات لدى محلات مختصة في هذا الشأن التي انتعشت تجارتها هذه الأيام بفضل المونديال. وهناك من الشابات اللواتي أجلن العرس إلى ما بعد ذلك التاريخ خوفا من أن يقال أنهن فال نحس على المنتخب الوطني، في حال ما لم يحقق نتائج جيدة. لعلم النفس الاجتماعي رأي في الظاهرة ولأن الظاهرة اجتماعية، فلعلم النفس رأي فيها وتفسير لها، إذ فسّر بلعربي الطيب أستاذ في علم النفس الاجتماعي بجامعة بوزريعة، في اتصال هاتفي ل ''الحوار'' ظاهرة الاهتمام المتزايد للمرأة الجزائرية بكرة القدم، ووصفها بالظاهرة الصحية، حيث كان ظهور المرأة في مثل هذه الميادين حكرا على الرجل من منطلق التقاليد البالية التي لا تمد للدين بصلة ولا تمس به، حسب الأستاذ بلعربي، فلا مانع من اهتمام المرأة بكرة القدم إذا ما احترمت في تشجيعها قواعد الآداب العامة. فمن غير المعقول، قال محدثنا، أن نجد المرأة بكل لطافتها وأنوثتها في مدرجات الملعب ضمن مجموعة من الشباب قد يتلفظون بكلام في غير محله. ويرى الأستاذ بلعربي أن مشاركة المرأة الجزائرية في مناصرة الفريق الوطني لكرة القدم واهتمامها بالتقدمات التي يحرزها، يخرجها من الالتزامات المحتمة عليها بعدما تم تحميلها أكثر من طاقتها في الاعتناء بالمنزل ورعاية الأطفال، والعمل. فانغماسها في الحياة الكروية والأحداث الحالية والتحضيرات للمونديال، تقيها مما يعرف بأمراض النفس الجسمية. موضحا في ذلك بأن الضغوطات اليومية تزيد من احتمالات الإصابة بارتفاع ضغط الدم والقلب وغيرها والمرأة أولى الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بها، وإذا لم تجد لها متنفسا فستعيش في حالة من الكآبة. فالمنتخب الوطني أصبح رمزا للبلد وبفضله يرفرف العلم الجزائري في المحافل الدولية. وبفضله أيضا استفاق الرجل من غيرته ورعونته وفحولته، وسمح لشريكة حياته أن تشاركه الفرحة، في حين لا يسمح لها بمتابعة أو مناصرة الفرق المحلية بنفس الحدة. الإمام عبد الرشيد بوبكر: '' على المرأة التزام الاعتدال في التعبير عن فرحتها بالفريق الوطني'' من جهته، وفي اتصال هاتفي، قال عبد الرشيد بوبكر إمام مسجد حيدرة، أنه لا مانع من دخول المرأة ملاعب كرة القدم، مادامت مرفوقة بأحد محارمها، ففي هذه الحالة لا يعد اختلاطا إذا ما تمسكت بالضوابط الشرعية من عدم تبرج ورفع للصوت، وعدم استمالة قلوب الرجال، مع العلم- أضاف فضيلة الإمام- إنه من الأفضل تخصيص مكان للعائلات في المدرجات. وفوق هذا كله علينا أن نطرح سؤال ما الهدف من خروج المرأة إلى الملعب، فإذا ما كان هدفها مشاهدة المقابلة وحسب فبإمكانها متابعتها خلف الشاشة.، وهو السؤال الذي يجب أن تطرحه هي على نفسها، فعليها أن تربط نفسها بالضوابط الاجتماعية والأخلاقية والتي تكون حامية لها في أغلب الأحيان.أما عن خروجها للمناصرة والاحتفال في الشارع، أضاف الإمام، إن التعبير عن الفرحة يمكن أن يكون بعيدا عن هذا الأسلوب، إذ يجب الاعتدال في أي شيء فلا يجب للفرحة أن تترتب عليها أضرار أخرى. فالأضرار لا توجد في الفرحة وإنما في ما يصاحبها والأمثلة التي سمعنا عنها من اختطاف واغتصاب في الأجواء الاحتفالية التي عاشتها البلاد في الآونة الأخيرة خير دليل على ذلك. فعلى المرأة أن تحافظ على أنوثتها وتحترم الآداب والأخلاق العامة.