التّصريحات التي أدلى بها مجاهدون أمس، والتي يتهمون فيها عددا من قادة الثورة الذين كتبوا مذكراتهم سقطوا في مستنقع التزييف، من خلال شهادات تخوينية، هذه التصريحات تجعلنا نتوقف مطولا عند الكارثة التي نحن بصددها، والتي تهدّد بضياع الجزء الأكبر من الحقيقة بشكل يجعل البطولات التي خطها الجزائريون أثناء الثورة مجرد ذكريات فارغة ومناسبات فلكلورية. قبل سنوات سُئل المجاهد الراحل لخضر بن طوبال عن مذكراته التي ينتظرها الكثير لكنها لم تر النور فقال: مذكراتي كتبتها بالفعل وعندما انتهيت منها سلمتها لابنتي لتقرأها وتعطيني رأيها، ولما انتهت من قراءتها كان جوابها صادما، وهو ما جعلني أتراجع عن نشرها حيث قالت: الأمر الوحيد الذي فهمته من مذكراتك أن الحرب التي خضتموها كانت ضد بعضكم البعض، ولم تكن ضد فرنسا! وواضح من هذه الإجابة أنّ ابنة طوبال كانت تقصد تلك الانزلاقات التي حدثت خلال الثّورة، والتي أدّت إلى بعض المواجهات والتّصفيات، وهي أمور جانبية لم تؤثر على الكفاح بشكل عام، ولا يمكن اعتبارها إساءة للثورة التي استطاعت أن تقلب الموازين وتجند العالم بأسره لصالح القضية الجزائرية. إنّ الحذر المبالغ فيه في تناول أحداث الثّورة، وإضفاء القدسية والنزاهة والعظمة على قادة الثورة هي العوامل التي تؤدي إلى ضياع الحقيقة ضمن خطاب شمولي يجعل الأجيال الجديدة تنفر من التّاريخ حتى وإن تعلق بمرحلة لا زال صانعوها بيننا. آن للجيل الجديد أن يعرف الحقيقة كما وقعت، وكتابة تاريخ الثورة بطريقة تتجاهل الهفوات والأخطاء ستكون عملية تزييف وتحريف، ولا إشكال في الشهادات التاريخية التي تتناول الخلافات التي وقعت، لأنها بمثابة مادة خام أمام المؤرخين لأنها تتيح لهم المقارنة بينها والوصول إلى حقيقة ما حدث حتى ولو كانت هذه الشهادات متناقضة ومتضاربة فيما بينها. إن الذي يزيف التاريخ هو الذي يقول نصف الحقيقة بداعي عدم الإساءة للثورة، أما الذي يسرد الوقائع كما حدثت دون إضفاء المسحة الملائكية فهو يؤسس لمنهج سليم في كتابة التاريخ، وما كتب إلى الآن من مذكرات ساهم بشكل فعال في رفع الغموض عن الكثير من الأحداث التاريخية للثورة، ولا يمكن أن تؤثر تلك المشاكسات والاتهامات المتبادلة بين قيادات الثورة على الحقيقة القائلة بأنها كانت أعظم ثورة في التاريخ المعاصر.