عرفت الساحة الوطنية خاصة في الفترة الأخيرة رحيل عدد من المجاهدين في صمت من بينهم عمالقة هندسوا وخططوا للثورة وصنعوا أمجاد الجزائر، ولم تعد سوى المناسبات التي تعيدهم للواجهة لتذكر ما قاموا به من بطولات، واستطاعوا بشجاعة وصبر كبيرين دحر العدو في الجزائر وحاربوه حتى في عقر داره في فرنسا وأحداث 17 أكتوبر خير شاهد على ذلك. عندما نسمع عن بعض المجاهدين أنهم غادروا الحياة، ويخصص حيز صغير في صفحات داخلية من الجرائد ك «أضعف الإيمان» لتعزية عائلاتهم، والإشارة إلى بعض الأعمال البطولية التي قاموا بها إبان فترة الكفاح المسلح، فيما يغادر عدد كبير منهم ولا نسمع عنهم. ما نريد أن نثيره في هذا المقال هو الشهادات التي يحملها كل مجاهد في ذاكرته ويرحل عن هذه الدنيا لتدفن معه، وكم شهادة ضاعت ونحن في حاجة إليها لكتابة التاريخ الوطني، لأنها تروي بالتفصيل الأحداث، كيف ومتى وقعت مع جميع التفاصيل، فشهادة كل واحد عايش الثورة واكتوى من نار التعذيب تساوي في الواقع عدة شهادات، لأن أثناء حديثه عن الكفاح إلا ويذكر على الأقل مجموعة من رفقاء الدرب، ويذكر الأعمال التي قاموا بها ومآثرهم وغالبا ما يكونوا المذكورين أثناء الحديث قد غادروا الحياة. وما لاحظناه في كل مرة نجري فيها حوارا مع بعض المجاهدين، أنهم يكتفون برواية الأحداث التاريخية لكن لا يكتبونها في شكل مذكرات يمكن اللجوء إليها كشهادات لكتابة هذه الفترة من التاريخ، لتبقى كموروث للأجيال المتعاقبة، تحفظ ذاكرة ومعاناة أمة تحت نير الاستعمار، الذي مارس عليهم أبشع وسائل التعذيب والتقتيل الذي بقيت آثارها محفورة في أجسادهم وعقولهم. والحاجة للمذكرات هي من أجل الحفاظ على ذاكرة الأمة، وليس من أجل تقاذف التهم والغوص في أمور قصد النيل من بعض الأشخاص، وهو ما لاحظناه في بعض الكتب التي احتوت تزييفا للحقائق في روايتها لبعض الأحداث التاريخية المتعلقة بالفترة الاستعمارية، لأنها كتبت لأغراض معينة، وللنيل من بعض الأشخاص بتشويه صورهم، ومصير هؤلاء تقرره محكمة التاريخ.