اختار القائمون على الحلقات الفكرية المنظمة في المكتبة الوطنية طوال ليالي الشهر الفضيل، تاريخ 11 سبتمبر لتقديم كتاب صادر حديثا عن المجلس الإسلامي الأعلى لخريج السوربون الدكتور مولود عويمر. ونظرا لما يحمله هذا التاريخ من دلالة في حركية الأطروحات العالمية الرامية إلى إعادة النظر في الكثير من القضايا المتعلقة بجدليات الإسلام والعالم الغربي وأنساق البحث في سبل تفعيل الحوار بين الضفتين اللتين أصبحتا تتعاملان فيما بينهما بعد 11 سبتمبر بحذر وريبة. في البداية، تحدث الدكتور أمين الزاوي عن حالة التنافر التي تفرزها مثل هذه النقاشات بسبب عدم النضج لمناقشة مثل هذه القضايا بسبب عصبيات إيديولوجية أو أحكام مسبقة، مشيرا إلى ما خلفه ملتقى الاجتهاد الذي انعقد العام الماضي في المكتبة الوطنية من انتقادات سلبية، ومؤكدا أن هذا النوع من الكتب يتعرض للابتذال في الجزائر رغم أنه يحمل أفكارا وأطروحات مهمة. ومن إفرازات 11 سبتمبر حسب الزاوي، أن اللغة العربية تحتل المرتبة الثالثة لدى الدول الغربية بسبب رغبة الآخر في اكتشاف العالم العربي الذي أصبح ينظر إليه نظرة مختلفة، وهي فرصة ينبغي استغلالها لجعل اللغة العربية تتموقع عالميا. وقال الدكتور عويمر إنه شبّع عمله بأهم الأسئلة التي تطفو إلى سطح الجدالات الفكرية في كلا العالمين الإسلامي والغربي، وحاول توضيح الرؤية في بعض المسائل التي تحتاج إلى دراسات حقيقية وفاعلة ليتجاوز المسلمون والغربيون إشكالية الصراع ويبحثوا عن أطر جديدة للتعايش في ظل العولمة التي ألغت الحدود الوهمية للحضارات. وانطلاقا من مفهوم الإسلام الشامل للمعتقدات والممارسات الدينية والسلوكات المختلفة، حدد عويمر رؤية حداثية للمارسة الدينية وعلاقتها بالواقع المعيش في العالم الغربي تستطيع خلق مجال للمسلمين هناك للتعايش مع المعطيات الاجتماعية السارية بحكم النسق الأيديولوجي الغربي. فمشروع الحوار الإسلامي الغربي يتطلب مثل هذا التصور لتتمكن الحضارات الإنسانية من تجاوز رواسب التاريخ الثقيلة بالصراعات والحروب مما تسبب في دوام الصدام القائم منذ قرون، كما أن تحديات المستقبل المشتركة تفرض على كل الأجناس التعايش فيما بينها لتحقق الاستقرار والتطور المرغوب من الجميع. وأكد المحاضر أن الكثير من المنظّرين حصروا الحضارات الإنسانية في مجرد مجال جغرافي محدد، متناسين أن المجتمعات الإنسانية هي كتل من القيم والأفكار والمعتقدات يجب النظر إليها على أساس حق الجميع في التعايش، وهذه الإشكالية استطاعت العولمة أن تكشفها، كما أجبرت المنظرين على إعادة تشكيل معالمها من جديد. وأوضح ضيف المكتبة الوطنية أن فقه الأقليات في التصور الإسلامي بقي جامدا ولم يواكب تطورات العالم، فالموروث الإسلامي تحدث عن الأقليات المسيحية واليهودية في المجتمعات الإسلامية لكنه لم يتحدث عن الأقلية المسلمة في المجتمعات الأخرى، ما أفرز إشكاليات كثيرة لدى أبناء المهاجرين المسلمين الذين يعانون من تناقض صارخ بين مفاهيم جذورهم الأصلية والمفاهيم الاجتماعية التي نشؤوا في كنفها في العالم الغربي. فمثلا على رغم وجود قوانين غربية تبيح حرية المعتقد لكل الناس إلا أن بعض الواقع الغربي يرفض الحجاب كسلوك يراه الأوربيون لا يتماشى ونسقهم الاجتماعي. وخلص المحاضر إلى أن القوى التي تحرض المسلمين على مواجهة الآخر بعصبية، تتسبب في ترسيخ صورة سيئة عن الإسلام، لذلك يجب على المسلمين أن يتفطّنوا لهذه الفجوة وأن يحسموا في الكثير من القضايا التي تعنيهم وحدهم حتى يتمكنوا من مواجهة الآخر بطريقة تمهّد لهم سبل القبول خاصة وأن تواجد المسلمين في العالم الغربي أصبح جزءا من النسيج العام وحتمية تاريخية لا يمكن تجاوزها بأي أسلوب دون الحوار والتعايش السلمي.