يطرح كتاب »الإسلام والغرب بين رواسب التاريخ وتحديات المستقبل« قضية راهنة تتعلق بمدى تفاعل المسلمين مع تحديات المستقبل والتي تفرزها باستمرار طموحات العولمة، ويتساءل من جهة أخرى عن تعامل الغرب مع هويته الجديدة التي تتسم بالتعددية الدينية والتنوع الثقافي. يستعرض مؤلف الكتاب الدكتور مولود عويمر الحضور الاسلامي في الغرب مركزا على الثلث الاخير من القرن العشرين والى الو قت الراهن وما يمثلة من قوة سياسية وثقافية ودينية فاعلة ليشغل بذلك اهتمامات الساسة والمفكرين الغربيين على اعتبار أن هذه القوة غيرت ملامح الغرب خاصة في نسيجه الاجتماعي وهويته الثقافية ومعتقده الديني وهذا ما يشكل تحديا جديدا للغرب وللإسلام معا، والاكيد هو ان المسلمين بقوا متمسكين دائما بعاداتهم وقيمهم ودينهم. ويشير صاحب الكتاب الى ان المتطرفين من العالم الغربي باختلاف توجهاتهم السياسية وانتماءاتهم الدينية، كانوا دائما يعارضون هذا المد الاسلامي ويشوهون قيمه ومشاهده بمختلف الوسائل، وظهر مفهوم جديد هو »الإسلام موفوبيا« التي تهدد حصيلة الحوار الحضاري بين الإسلام والغرب بتخويف الرأي العام الأوربي والأمريكي من المسلمين لقد عجت مؤتمرات وندوات دولية في السنوات الاخيرة حول موضوع »حوار الحضارات« او "حوار الأديان« شاركت فيها شخصيات ومنظمات إسلامية وغربية، وتأسست جمعيات ومراكز اهتمت بتعايش الثقافات وتقارب الأديان، وساهمت بفعالية في تقريب وجهات النظر في قضايا حيوية كثيرة، والتخفيف من حدة التوتر والخوف من الآخر بسبب رواسب التاريخ والخطاب التحريضي المسيء للإسلام الذي تنشره وسائل الإعلام وتروجه القوى المضادة. كل هذه الشواهد يقدمها المؤلف ليبين ان الغرب ليس كله شر - كما يتصور العديد من المسلمين - وأن العقلاء فيه يستحقون كل التقدير والدعم الكامل ذلك انهم سيمثلون سندا لتطلعات المسملين وقضاياهم، ومن أجل ذلك من الواجب اقناع المسلمين والغربيين الرافضين لكل ما هو قادم من الغرب أو الشرق بذلك لتأسيس حوار حر ومثمر بين المسلمين والغرب مبني على التعارف والتفاهم، وقائم على الاحترام المتبادل للخصوصيات الثقافية والدينية للشعوب، ومراعية للمصالح الاقتصادية المشتركة للدول ليسود السلام والاستقرار في العالم. أما فيما يتعلق بظاهرة العولمة فقد تعددت الآراء في مدى تأثيرها على بناء مستقبل العالم الإسلامي. والمعركة ما تزال قائمة بين انصار العولمة الذين يعتقدون انها فرصة ثمينة للمسلمين للخروج من التخلف والتبعية لأنها تهدف في نظرهم الى تكريس الحرية والديمقراطية ونشر حقوق الإنسان وتحقيق التقدم والإستقرار في العالم ، بينما يرى المعارضون لها انها تمثل استعمارا جديد يسعى لتنميط قيم الاستهلاك وفرض الهيمنة الغربية على باقي شعوب العالم، وتحديد القيم والعادات واستنزاف ثروات الأمم الضعيفة بعد نهاية سيادة الدولة. في حين يرى فريق ثالث ان العولمة مرحلة تاريخية في تطور البشرية والمطلوب هو التعامل معها كواقع جديد والعمل على ترشيدها او تقويمها بما يتلاءم مع المصالح الحيوية للإنسانية. للإشارة فقد اختار المؤلف فرنسا كنموذج للتواجد الإسلامي بالغرب مبرزا المظاهر السلبية والإيجابية، معا من كل طرف اتجاه الآخر. تضمن هذا الفصل عدة عناوين فرعية ك » المشهد الديني«، » الحراك الثقافي« ، »الإسهام في التنمية الإقتصادية«، »المشهد السياسي « ، »الموقف الفرنسي من النشاط الديني الإسلامي « و »مستقبل الاسلام والمسلمين في فرنسا«. تضمن الكتاب ثلاثة فصول وهي »الوجود الإسلامي في الغرب : فرنسا نموذجا«، »الاسلام والغرب: الصور المتبادلة « و الفصل الاخير » العلاقات بين الإسلام والغرب في ظل العولمة« وكل فصل مقسم الى عناوين، مقسمة بدورها الى عناوين فرعية. توصل المؤلف من خلال هذا البحث الى أن مشروع الحوار الإسلامي الغربي يتطلب تصورا جديدا يفصل بين عوائق الماضي وفرص المستقبل، ويتحلى بروح جديدة تركز على القواسم المشتركة وتترك الرواسب التاريخية الثقيلة بالصراعات والحروب مما يسمح بتأسيس قواعد البناء الحضاري المشترك لا يكون فيه الموروث الثقافي عائقا للتقدم، وانما حافزا للتطور واستقرار العالم بشرط ان تعمق الشعوب وعيها الحضاري حتى لا ينحصر التفكير في المسائل المصيرية والقضايا الحساسة في العالم الغربي وحده. ان رواسب التاريخ من مختلف الحروب الصليبية وتركات الاستعمار الحديث تدفع الإسلام والغرب للتصادم بينما تحديات المستقبل المشتركة تفرض عليهما التعايش. ان الاهتمام المتنامي بالشرق عند الغربيين لا بد أن يتحول الى تقارب حضاري حقيقي بقبول خصوصيات الشرقيين ثقافة وسلوكا وانتماء وليس فقط الإعجاب بتقاليدهم وأطباق طعامهم وجمال صحرائهم وشواطئهم ونقاء هوائهم وعلى المسلمين الذين استقروا في الغرب أن يشعروا بالانتماء الوطني الحقيقي لمجتمعاتهم الجديدة بمحاولة الإسهام في رفاهيتها وتوجيهها نحو تحسين صورتها عن العالم الإسلامي والتجاوب بشكل فعال مع قضاياه العادلة. للتذكير فإن الدكتور مولود عويمر متحصل على دكتوراه في التاريخ المعاصر من جامعة باريس، عمل محاضرا في التاريخ والحضارة بالمعهد الأوربي للعلوم الإنسانية بباريس ونال عضوية هيئات تحرير عدد من المجالات العلمية وساهم في تأسيس جمعية العلماء الإجتماعيين المسلمين بفرنسا، وعمل باحثا متعاونا مع المعهد العالمي للفكر الإسلامي. شارك في الكثير من الملتقيات الدولية داخل وخارج الجزائر والتي تتناول قضايا الفكر الإسلامي. نشر العديد من الدراسات والبحوث باللغة العربية والفرنسية ويعمل حاليا أستاذا للتاريخ المعاصر بكلية العلوم الإنسانية بجامعة الجزائر.