كان الحمار قد طلب مني البارحة أن أتركه يستريح شوية... قلت له: لن أتركك تستريح حتى تريحني... فقال: أريَّحك إزاي؟؟ فأجبته: أن تقول لي ما هو البرنامج الذي تنوي القيام به في الجزائر؟؟ أجاب بسرعة: أصلو... رمضان كما قلت لك متعب في مصر أوي أوي... وعلى فكرة دنا جيت أرتاح في الجزائر... جيت أستغل فترة الراحة دي... للتأمل والتفكير في جو هادئ، لأن الجو العام في مصر خلال شهر رمضان ملخبط بالصخب والجلبة، لايساعد أبدا على التفكير والتأمل... أريد الراحة... راحة البال... عسى ولعل أن يفهمني الناس، ويستوعبوا ما أقول دون تحريف، ودون تحميل كلامي ما لا يحتمل... باختصار أريد أن يفهم الناس حقيقة ما أقول في كلامي وبس... أمسكته من أذنه وأدنيته مني، وهمست في الأخرى: اسمع... اجتهد في كل شيء، وفي أي موضوع... ماعدا موضوع الدين... دع الناس وما فهموه من رمضان... وكيف يصومون رمضان... ولا تخلِّط في معتقداتهم، ولا طريقة تطبيقهم لتلك المعتقدات... وإلا، وكما تقولون في مصر: بتطب على نافوخك... احذرك ياحمار: لو قلت للناس إن طريقة صيامكم مضرة صحيا وأخلاقيا واجتماعيا وحتى اقتصاديا فإنك هدمت ركنا من أركان عقيدتهم... فهذا يعني أنك تفتي لهم بإفطار رمضان... فقاطعني... بس... بس... حاسب... يبدو أنك أنت الأستاز لم تفهم كلامي... علشان أنا لم أمنع الناس عن الصيام، ولم أقل لهم لاتصوموا... ولم أنطق بفتوى في هذا الموضوع... إني قلتها في مصر، وأعيد قولها هِنا في الجزائر: إن الطريقة التي تصومون بها مضرة، وفهم الناس وتطبيقهم الخاطئ لرمضان هو المُضِر... فقاطعته وقلت له: لاحظ أنك تحث الناس بشكل غير مباشر على الإفطار، وأن الذي كان يبحث عن عذر، فقد وفّرته له، والناس سيأخذون كلامك بأبسط دلالاته... فعندما تقول: صيامكم بهذه الطريقة مضر، فسوف يذهبون مباشرة للمطبخ... وسوف لا يدققون في كلامك: أنك قلت (طريقة الصوم)، ويبحثون عن تصحيح هذه الطريقة... أبدا... إنهم يأخذون أقرب وأسهل المدلول لما تقول... وفي هذه الحالة أنت تقول للناس افطروا في رمضان، وسوف لا يترددون في الإفطار، خاصة وأن صاحب الفتوى قادم من مصر بلد العلم والعلماء... وجَمَ الحمار قليلا... وتبرّم من هذا التلاعب بالكلام... وحار في كيفية إيصال فكرته كما أرادها سليمة، لي أولا، وللناس بعد ذلك... ثم اعتدل في جلسته وقال متسائلا: هل فكرتي غامضة وغير مفهومة حقا، ياترى؟ أم أنك لاتريد فهمها؟؟ وتتعمد تحويرها؟؟ فانزعجت من كلامه وقلت له: هذه تهمة أخطر من الفتوى بإفطار رمضان... قال الحمار: سامحني يا أستاز بيه.. أنا غلطان.. حقك عليَّ ماتزعلش مني... بس اسمعني... أجبته: سمعا وطاعة... فقال: شوف سيدي... الدين كالدواء... هل هذا مفهوم؟؟ قلت نعم مفهوم وموافق عليه على طووووول... قال: طاييب... والدواء مجعول لشفاء الإنسان من الأمراض... هل هذا مفهوم؟؟؟ قلت نعم مفهوم، ولا يخالفك في هذا الرأي أي مجادل... قال الحمار مبتهجا: شوف يسيدي... إذا أحسنت استعمال الدواء أفادك... فقاطعته وأكملت من عندي: وإذا أسأت استعماله فإنه يضرك... فزاد ابتهاجه وقال: إلى هنا نحن على اتفاق... حمدت الله وقلت: لأول مرة نتفق... ولنفترق اليوم على اتفاق... وإلى غد مشرق...