مؤتمر إفريقيا للاستثمار والتجارة: تنظيم الطبعة ال11 يومي 10 و11 مايو المقبل بالعاصمة    فلسطين: الاحتلال الصهيوني يواصل عدوانه على طولكرم ومخيميها لليوم ال41 على التوالي    سهرة رمضانية في الإنشاد والمديح الديني بقاعة الأطلس    انطلاق الطبعة ال14 لمسابقة تاج القرآن الكريم بمشاركة 24 متنافسا    انطلاق الطبعة الخامسة للمهرجان الولائي للأنشودة الدينية بالجزائر العاصمة    نحو إعادة النظر في تنظيم غرف التجارة والصناعة    نحو إنشاء أقطاب صناعية بالعديد من ولايات الوطن    منتدى أعمال جزائري صيني    سوريا تشتعل في عزّ رمضان    فيلم يرصد بعض جرائم فرنسا بالجزائر    الحوادث المنزلية تهدّد الأطفال في رمضان    اعتماد الفرز الانتقائي والاقتصاد الدائري    شركة جزائرية تُكرَّم في قطر    مزيان يحثّ على تهذيب برامج رمضان    الصحفي محمد لمسان في ذمّة الله    وضع الموانئ الجافة تحت تصرف المؤسسات المينائية    51 سنة على سقوط طائرة الوفد الجزائري بفيتنام    على مائدة إفطار المصطفى..    أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ    العفو عند المقدرة    برنامج تأهيلي للحجاج    استفزاز فرنسي – مغربي جديد.. والجزائر تحذّر    عشرات الهيئات المغاربية والأوروبية تندّد بتصاعد القمع المخزني    التقرير السنوي يفضح انتهاكات حقوق الإنسان في الصحراء الغربية    أولوية قصوى للجامعة لمرافقة الاقتصاد الوطني    قوجيل يدعو النساء للاقتداء بجميلات الجزائر    تكثيف الجهود للقضاء على إرهاب الطرقات    تجديد النّظر في القضايا الفقهية للمرأة من منطلق فقهي رصين    ترقية التعاون الثنائي إلى مستوى التكامل الاستراتيجي    الإنتاج المحلي يغطّي 76 % من احتياجات الجزائر    منح الاعتماد لأول شركة تمويل تساهمي في الجزائر    كمال منصوري مديرا عاما جديدا لبنك التنمية المحلية    دعوة لإماطة اللثام عن أدب محمد ديب    مدارس الموسيقى الكلاسيكية تلتقي عند "بوعلام بسايح"    إحياء سهرة فنية أندلسية بأوبرا الجزائر    بن ناصر يرفض العودة لنادي ميلان الإيطالي    استيراد كميات معتبرة من اللحوم في الأيام المقبلة    872 جريمة خلال فيفري    فيديو يكشف تعرّض صاحب شاحنة لاعتداء    خليف: أستهدف ألقابا جديدة وتحدياتٌ كثيرة تنتظرني    بن سبعيني أكبر مستفيد من إصابة سفينسون مع دورتموند    اجتماع تنسيقي لتطوير آليات خدمة الحجاج والمعتمرين    باتنة..المجاهدة نعيمة معلم … مثال حي لكفاح المرأة المرير ضد المستعمر    إعطاء إشارة انطلاق تركيب أول وحدة لمركز البيانات الوطني الثاني بالبليدة    الكشافة الاسلامية الجزائرية: نشاطات تضامنية مكثفة بمناسبة شهر رمضان    تيارت: سعداوي ينقل تعازي رئيس الجمهورية في وفاة تلميذين إثر حادث مرور    رئيس الجمهورية يجدد التأكيد على حرصه الدائم على تعزيز مكانة المرأة في المجتمع    كرة القدم : وفاة اللاعب السابق لمولودية وهران مجاهد سنوسي    وزير الاتصال يعزي في وفاة الصحفي بالإذاعة الوطنية محمد لمسان    كرة القدم داخل القاعة : المنتخب الجزائري يواصل تربصه بمركز فوكة    الأونروا : تدمير مخيمات اللاجئين تحول إلى أكبر تهجير للفلسطينيين منذ حرب 1967    الرابطة المحترفة الأولى "موبيليس" (الجولة 19) : مولودية الجزائر تعمق الفارق في الصدارة    الإنتاج الصيدلاني الوطني يغطي 76 بالمائة من الاحتياجات الوطنية    اجتماع تنسيقي لتطوير آليات العمل المشترك لخدمة الحجاج والمعتمرين    شهر الجود    حين يلتقي الفن بروحانية الشهر الفضيل    الرابطة الثانية – هواة /الجولة 22/ : نجم بن عكنون ومستقبل الرويسات في مهمة صعبة خارج الديار    كرة اليد/القسم الممتاز/سيدات/ تسوية الرزنامة : فوز نادي فتيات بومرداس على نادي باش جراح    









عبد الرحمن الثعالبي والتصوف

ما أصعب الأمر وأشقّ على مثلي، إذ يتصدى لكتابة كلمة عن كتاب عن عالم كبير، صاغه عقل أستاذ قدير، ودبّجه قلم باحث خبير. فأما العالم فهو عبد الرحمن الثعالبي، الذي لم ينل كبير اهتمام من الدارسين والباحثين، بالرغم من معارفه الواسعة، وتآليفه العديدة، وشهرته الذائعة، ولا ذنب له إلا أن شمسه مطلعها الغرب كما يقول الإمام ابن حزم الأندلسي، إذ لو قدر لهذا العالم أن يكون من غير هذا الصقع من العالم لأُلِّفت عنه مؤلفات
*
وأعدت عنه بحوث، وكتبت عنه دراسات، وأسّست باسمه مؤسسات، تجمع آثاره، وتنشر آراءه، وتذيع أفكاره، ولكن حظه الأوكس جعله من نصيب العوام الذين دَرْوَشُوه، واتخذوا من ضريحه مطافا، يدورون حوله جيئة وذهابا، لايعرفون عنه إلا أنه وليّ صالح، فحلفوا باسمه، وأوقدوا الشموع عند رأسه، وبخّروا البخور عند رَمْسِه، ونذروا له النذور، وتشفّعوا به، وسألوه قضاء الحاجات بعد أن نسبوا له كثيرا من الكرامات.
*
وأما الأستاذ، فهو الصديق عبد الرزاق ڤسوم، وهو جدير أن يكتب عن الثعالبي وأمثاله، فهو أستاذ جامعي، وباحث أكاديمي، تعامل مع المدارس الفلسفية، وخاض لُجج التيارات الفكرية، وعالج القضايا الثقافية، فعرف عذْبها وأُجاجها، وسائغها ومَمْجوجها، وطارفها وتليدها، حتى صار له فيها فكر مستقل، ورأي أصيل غير مقلِّد فيه أحدا.
*
سيتساءل الذين يعرفون ظاهرا من الأمور وهم عن الحقيقة غافلون: ماهي صلة عبد الرزاق ڤسوم، أستاذ الفلسفة والفكر، بالتصوف حتى يخوض في الحديث عنه، ويدلي بدلوه في جبه، ويجري يراعه في يمّه، ويكتب عن أحد أعلامه؟
*
إنهم يقولون هذا لما يعرفونه عن ڤسوم من أنه ابن الإصلاح؛ نشأ في أحضانه، ودرس في معهده، وتتلمذ على أشياخه، فاقتنع به عقله، واطمأنَّ به قلبه، فجادل عنه، ودعا إليه؛ ولما يعرفونه من أنه أحد المهتمين بالفلسفة العقلية؛ ممثلة في أحد أبرز رموزها، وهو الفيلسوف ابن رشد.
*
والحقيقة هي أن عبد الرزاق ڤسوم حسب معرفتي به، التي دامت أكثر من ثلث قرن هو أولى الناس بالكتابة عن التصوف، والبحث في أعلامه، والتعامل مع مباحثه، فهو رجل عقلاني وجداني، يعطي ما للعقل للعقل، وما للقلب للقلب.
*
والتصوف كما أفهمه هو مزيج من العقل المتأمل والقلب المتأوه، وليس تهويمات فكرية، ورسوما شكلية، ولهذا أستطيع أن أجزم استنادا إلى معرفتي أن الأستاذ عبد الرزاق ڤسوم صوفيّ، ولكنه لا يتمظهر بتلك المظاهر "الصوفية"، ولا يرائي بتلك الرسوم الشكلية، التي يتشبث بها "الصوفيون الشكليون"، ولو اتبع الهوى، وانسلك في طريقة من الطرق لتدرج في مدارج السالكين الرسومية إلى أعلاها.
*
وإذا كان للصوفيين أذكارهم وأورادهم؛ فإن ذكر عبد الرزاق ڤسوم الدائم، وورده المستمر، هو هذا القرآن الكريم، يتلوه آناء الليل، وأطراف النار، يستفتح به نهاره ويختتمه به، وهو معه في ظَعْنِه وإقامته.
*
وإذا كان بعض الأذكار والأوراد جميل المبنى، جليل المعنى؛ فإنه لايمكن أن يقارن بالقرآن الأجمل والأجل، ولهذا لم يستبدل عبد الرزاق الذي هو أدنى بالذين هو خير، ولم يستبدل أقوال البشر بقول خالق البشر، ولم يُعْرِض عن النبع ويرد المجرى.
*
لقد نفض عبد الرزاق ڤسوم الغبار عن هذا العالم، وما أعلم أحدا فعل ذلك قبله، فأخرجه مما وضع فيه إلى المكان الذي يجب أن يكون فيه، فاستخصله من أمشاج الخرافات والتصوف البدعي، كما يستخلص اللَّبَنُ السائغُ من بين فَرْثٍ ودَمٍ، ولهذا فعبد الرزاق ڤسوم "لم يَخْلُق مالم يُخْلَق" كما يقول زكي مبارك ولكنه اكتشف عبد الرحمن الثعالبي، وعرف قيمته، فأبرزه للناس عن حقيقته، وأنزله المنزلة اللائقة به بين أنداده من العلماء.
*
لقد أحسن الأستاذ عبد الرزاق صنعا، فبذل جهدا، وأضنى فكرا فكان كتابه عن عبد الرحمن الثعالبي فردا في بابه، عدلا في أحكامه. ولقد وضع بذلك اللبنة الأولى في الدراسات الثعالبية؛ لأن الشيخ عبد الرحمن الثعالبي كان مفسرا، وكان محدثا، وكان فقيها، وكان متكلما، وكل ذلك في حاجة إلى دراسة علمية مثل هذه الدراسة، ومثل الدراسة التي انجزها مؤخرا الدكتور محمد الشريف قاهر عن السيرة النبوية الشريفة التي كتبها الشيخ عبد الرحمن الثعالبي تحت عنوان "الأنوار في آيات النبي المختار".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.